Facebook Pixel
قصة المخلوق
1248 مشاهدة
0
0
Whatsapp
Facebook Share

سرت نشوة عارمة في جسدي، وأنا أستقبل أستاذي الكهل في معملي الخاص بإدارة شئون الفضاء لم يكن قد تغير كثيرا منذ التقينا آخر مرة في مؤتمر المراقبة الفضائية العاشر, وكان كما عهدته دوما شديد الغطرسة والتعالي

سرت نشوة عارمة في جسدي، وأنا أستقبل أستاذي الكهل في معملي الخاص بإدارة شئون الفضاء...
لم يكن قد تغير كثيرا منذ التقينا آخر مرة في مؤتمر المراقبة الفضائية العاشر, وكان كما عهدته دوما شديد الغطرسة والتعالي, مغرورا لا يقنع إلا بآرائه وحده.. وربما كان هذا سر خلافنا الشديد منذ وقت طويل... ومن العجيب انه قد قبل دعوتي...
لعل ذلك لأنني نجحت في صياغتها بأكبر قدر ممكن من التشويق, على نحو يلهب فضوله العلمي,ويدفعه دفعا لزيارتي.
ولقد استقبلته وأنا أرتجف من فرط الانفعال وقدته إلى حجرة مكتبي أولا, وقلت:
- يسرني أنك قد لبيت دعوتي يا أستاذي العظيم.
زمجر كعادته, وهو يلوح بكفه, مغمغمًا في خشونة:
-لا داعي للمقدمات ليس لدى ما أضيعه من وقت في المجاملات.
كان يتحدث بنفس ذلك الأسلوب المتعالي, الذي أكرهه منذ عرفته, ولكني احتملت أسلوبه هذه المرة, وابتسمت وأنا أقول في هدوء:
-لا بأس يا أستاذي العظيم ,سأدخل في صلب الموضوع مباشرة.. أنت تعلم بالطبع أننا نختلف تماما,منذ كنت أنا طالبا تحت رئاستك...وكان مبعث خلافنا هو نظرتنا إلى الفضاء الخارجي.
تظاهر بالضجر وهو يستمع إلى, وإن أنبأني بريق عينيه باهتمامه الشديد بما أقول, فواصلت بنفس الهدوء:
- كنت أنا أؤمن دائما بحتمية وجود مخلوقات عاقلة, في كواكب أخرى في الكون, على حين كنت أنت ترفض ذلك المبدأ تمامًا.
زمجر قائلًا:
- ومازلت أرفضه.
ارتسمت ابتسامة واسعة على وجهي, واعتدلت في مجلسي, وقلت في تعالٍ متعمد, وكأنما يروق لي أن أصدمه وأجرح مشاعره:
- لم يعد لرفضك أي معنى يا أستاذي العظيم.
حدق في وجهي بدهشة, ثم لم يلبث أن هب واقفا, وهو يقول في غضب:
اسمع.. لو أنك تتعمد إهانتي.. فأنت..
قاطعته في هدوء:
- إنها مسألة إثباتات علمية يا أستاذي.
ولوحت بكفي قبل أن يعترض مرة أخرى, وأنا استطرد:
-هل بلغك نبأ ذلك الجسم الطائر المجهول, الذي ظهر في سمائنا منذ أيام؟.. والذي أجبرته قواتنا الجوية على الهبوط؟
غمغم في غطرسة:
- لست أصدق ذلك.
ملت إلى الأمام، وأنا أقول في صرامة:
- بل صدقه يا أستاذي العظيم فلقد أشرفت بنفسي على هذه العملية.
حدق في وجهي باهتمام بالغ, فأضفت في غطرسة متعمدة:
- كان عبارة عن مركبة فضائية من كوكب آخر, وبداخلها وجدنا..
صمت لحظة ثم أضفت في صرامة:
ـ مخلوقًا من كوكب آخر.
حدق أستاذي في وجهي بذهول, ثم لم يلبث أن لوح بكفه هاتفا في عناد:
- مستحيل!! لن أصدق تلك الترهات عن مخلوقات الكواكب الأخرى.. إنني واثق من أنه لا يوجد في الكون كله أي مخلوق عاقل سوى مخلوقات كوكبنا..
ابتسمت في سخرية وأنا أقول:
- كما يحلو لك, ولكنه هنا.
هتف في ذهول:
-هنا؟!
أشرت إلى باب معملي قائلًا:
- نعم... هنا
ونهضت في هدوء، واتجهت إلى باب معملي, وأنا واثق من أنه سيتبعني, ولم يكد يدلف خلفي حتى تسمر وتجمد, وهو يحدق في ذلك الصندوق الزجاجي, الذي جلس داخله المخلوق..
كان مخلوقًا حيًا عاقلًا كما أثبتت تجاربي, ولكنه يتنفس نوعًا نادرًا من الغارات, كما علمنا من الأسطوانات التي يحملها خلف ظهره.. ولقد أعددنا له هذا القفص وأوصلناه بأسطوانات تحوى نفس الغاز, وبنفس النسب حتى نبقيه حيا..
ورأيت أستاذي يحدق في المشهد مذهولًا مأخوذًا, وهو يقارن بين تركيب أجسادنا وملامحنا, وتركيب المخلوق الفضائي, وبين لون بشرتنا الجميل, ولون بشرة المخلوق العجيبة..
وابتسمت أنا في زهو وشماتة, عندما تهدلت كتفا أستاذي,وبدا كأنما أضاف عشرات السنين إلى عمره, وهو يغمغم:
- إذن فأنت على حق..
أجبته في صرامة، وأنا أتعمد إذلاله:
- لقد كنت دوماً على حق.
وقفت في موضعي شامخًا أراقبه وهو ينصرف في مرارة، وقد تحطم غروره, وانهارت غطرسته كلها أمامي, بعد أن أيقن من صحة نظريتي, ومن وجود مخلوقات عاقلة في كواكب أخرى من ذلك الكون الشاسع..
وعدت أواصل تجاربي على ذلك المخلوق..
لقد درست كل ما يتعلق به تقريبًا خلال الأيام الخمس الماضية, إلا أنني لم أنجح بعد في ترجمة لغته إلى لغتنا, فهو يصر على ترديد عبارة واحدة, لم أفهم معناها بعد, ولكنها تشير إلى كوكبه بالتأكيد, فهو يقول باستمرار:
- أنا من كوكب الأرض .. هل تفهمني؟؟.. أنا من كوكب الأرض...

________________
(د. نبيل فاروق ـ كوكتيل 2000 ـ النبوءة ـ رقم 1)
روايات مصريـة
نشر في 15 آب 2016
QR Code
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع