907 مشاهدة
0
0
ليس واضحاً ذلك المصدر الذي جاء منه مفهوم شم النسيم للثقافة المصرية. هناك مليون تفسير ومليون قصة، لكن الحقيقة غير واضحة، وطبعاً أقرب التفسيرات للصواب هو أنه عيد فرعوني قديم، ما هي طقوسه؟
نُـشر في: السبت 21 أبريل 2012ليس واضحًا ذلك المصدر الذي جاء منه مفهوم شم النسيم للثقافة المصرية. هناك مليون تفسير ومليون قصة، لكن الحقيقة غير واضحة، وطبعًا أقرب التفسيرات للصواب هو أنه عيد فرعوني قديم.
أعتقد أن هناك في الثقافة الفارسية عيد اسمه «سيزده بدر» يماثله بالضبط.. بالنسبة لليهود يتزامن مع عيد الفصح، وبالنسبة للمسيحيين يتزامن مع عيد القيامة.
الخلاصة أنه لغز قديم في الحضارة الإنسانية. ما علاقته بالبيض؟.. لا أحد يعرف..
هناك أشياء ارتبطت بهذا اليوم مثل أغنية سعاد حسني «الدنيا ربيع والجو بديع»، وهناك أغنية الربيع لفريد الأطرش والصراع الدامي بين عبد الحليم حافظ وفريد الأطرش على الفوز بالجمهور في تلك الليلة.
على أن المصري يعرف شيئًا واحدًا في ذلك اليوم؛ هو الزحام.
سأحكي لك عن ذكرياتي كطفل مع ذلك اليوم:
لسبب ما كان أهلي يعتبرون هذا اليوم مهمًا جدًا، وكان هذا مصدر تعذيب لي. أولًا هناك جلسة تلوين البيض ليلًا.. من المفترض أنها جلسة ممتعة جدًا لطفل، لكنك عندما تمارسها عامًا بعد عام ومع نفاد الأفكار تتحول إلى تعذيب.
حتى اللهو إذا أرغمت عليه يتحول إلى عذاب. ثم تنام لتكتشف أنهم يضعون بصلًا أخضر تحت الوسادة.. لابد أن جدك «آمون حتب» كان يفعل هذا لكن ما ذنبك أنت؟.
في صباح هذا اليوم تريد أن تنام براحتك لكنهم يوقظونك في السادسة صباحًا لسبب مجهول. تبدأ مسيرة التحرك إلى مكان بعيد يقع على ضفة نهر.
تحمل معك لزوم النزهات الخلوية والماء والبيض.. الخ. عندما تصل هناك مرهقًا فاقد النطق، يكون عليك أن تجد مكانًا وسط الزحام، ويكون عليك أن تلقي بالبصل الذي كان تحت الوسادة في مجرى الماء..
يسبح البصل مع التيار.. البصل الذي يسبح أسرع سيمضي صاحبه عامًا من النشاط.. أما البصل الذي يتوقف فصاحبه سيمضي عامًا خاملًا، وربما يرسب في المدرسة!.
الآن تبدأ عملية التهام البيض الذي قمت بتلوينه. لحسن الحظ لم يكونوا ممن يأكلون الفسيخ خارج البيت، لهذا يبدأ جمع كل شيء للعودة في رحلة شاقة أخرى إلى البيت.
في البيت تبدأ طقوس أكل الفسيخ أو الرنجة.. الفسيخ هو سمك له مظهر السمك المتعفن وله رائحة السمك المتعفن، وله منفعة السمك المتعفن. هل تعرف السبب؟.. لأنه سمك متعفن ببساطة شديدة.
لو كان القدماء المصريون يأكلون هذا الطعام فلا عجب في أنهم اختفوا.
منذ أعوام طلبوا مني لقاء إذاعيًا للكلام عن الفسيخ.. كيف تتقي شره؟.. وكان رأيي ببساطة هو أن الحل الأمثل هو ألا تأكله. حل سهل ورخيص. لكن المذيعة كانت مصرة على أن أنصحها بألا يأكل الناس الفسيخ فاتح اللون.. وقد فعلت ذلك في النهاية..
هكذا تعصر ربة البيت ليمونة على الفسيخ وتصب بعض الزيت، ثم يلتف البيت حول هذه الوجبة المرعبة. تساعدهم قضمات من البصل الأخضر. بعد الأكل يشعر المرء بأنه يحمل تنينًا ينفث النار في بطنه.. هكذا لابد من الكثير من المياه الغازية.
يمكنك سماع المهاد التحتي في قاع مخك يتذوق الدم.. يفاجأ بأنه مالح جدًا جدًا حتى ليوشك على أن يموت.. هكذا يصدر أوامره لتشعر بظمأ حارق. إن مهمته أن يحتفظ بملوحة الدم عند درجة معينة.. هكذا ستشرب الكثير جدًا من الماء لتعادل هذا الملح فيتحول بطنك إلى قربة موشكة على الانفجار.
أما عن ارتداء ثياب أو سراويل بحزام بعد هذا فمستحيل..
عندما تصحو من القيلولة ليلًا تشعر بأنك عائد من الجحيم. تتساءل عما حدث لك وما علاقة هذا بالاحتفال بالربيع. على قدر ما تذكره أنت لم تر زهرة واحدة طيلة اليوم.. بل إنك لم تشم النسيم قط.. ما شممته هو الفسيخ.
أما عن الذين يذهبون للحدائق فلا يرون أي شيء سوى الزحام. في حديقة الحيوان تصاب الحيوانات بانهيار عصبي وتمرض لمدة شهر بعد ذلك اليوم..
الميزة المهمة لكونك قد كبرت وصرت مسؤولًا عن أسرة، هي أنك لا تحتفل بشم النسيم.. تنام كما تريد في ذلك اليوم، وتصحو فتتناول إفطارًا عاديًا وغداء عاديًا..
النصيحة المثلى هي أن تظل في البيت فلا تخرج أبدًا.. صحيح أن نداء الأجداد يتحرك في دمك، لكن عليك أن تتركه وشأنه. على الأقل يمكنك أن تتحمله أفضل من ملح الفسيخ.
نشر في 29 نيسان 2019
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع