720 مشاهدة
0
0
واحدة من الأشياء التي تمنيت لو تعلّمتها صغيراً، هي القدرة على تحليل أسباب تعاستي فقد كنت تعيساً، لكن لا أعرف لماذا؟
واحدة من الأشياء التي تمنيت لو تعلّمتها صغيرا، هي القدرة على تحليل أسباب تعاستي.. أي أنني كنت تعيسا.. لكنني لا أدري بالضبط لماذا أنا تعيس.. عش كبير للدبابير في صدري أتحاشى الدخول إليه.. فأكتفي بالنظر من الخارج والقول إنني تعيس..لاحقا، وعندما أصبح لدي الشجاعة الكافية لدخول عش الدبابير هذا، اكتشفت بأن معظم تعاستي لم تكن تأتي من غياب أسباب للسعادة، بقدر ما كانت تأتي من وجود أسباب حقيقية ومادية وملموسة للقلق.. أي أننا إذا ما أردنا أن نتوقف عن كوننا تعساء، فيجب علينا فورا التوقف عن محاولة جعل أنفسنا سعداء.. والعمل بدلا من ذلك على إزالة الأسباب الحقيقية للقلق في حياتنا..
ولتقريب الأمر.. فإذا كان الإنسان عاجزا عن النوم بسبب وجود مسمار ضخم مدبب الرأس في فراشه.. فلن يفيده أبدا أن يغير الغطاء إلى غطاء أنعم.. أو يحاول مشاهدة فيلم.. أو تناول شراب ساخن ومهدئ.. كل هذه الحلول جميلة ولطيفة.. لكنها لا تفيد.. لأنه وبكل بساطة.. لا يزال ذلك المسمار الضخم ينخز في جنبك كلما تقلبت على سريرك..
وكمثال من الحياة العامة.. لنفرض أن هنالك شاب/ة مقصر في دراسته الجامعية.. علامات منخفضة.. حضور غير منتظم.. رسوب.. إلخ.. إهمال الشاب هذا، هو ما يسبب له القلق وهو السبب الحقيقي لتعاسته.. لكنه بدلا من معالجة هذا السبب.. يلجأ للبحث عن أسباب للسعادة.. في محاولة بائسة وغير مجدية لموازنة الأمور.. بمعنى.. لدي ما يتعسني فعلا.. لكنني لو فعلت ما يسعدني ستتوازن الأمور.. فتراه يلجأ مثلا لعلاقة عاطفية.. أو للجنس.. لسهرات لا تنتهي مع رفاقه.. لإدمان على الألعاب الإلكترونية.. قد يلجأ إلى عشرات الحلول.. وكلها ستعطيه نوعا من التخدير المؤقت.. لكن متى انتهى مفعول هذه الإبر التخديرية.. سيعود المسمار المدبب لنخزه مرة أخرى!! مما يجعله يدور ويدور في حلقة مفرغة من الضياع والتعاسة.. فبرغم أنه فعل كل شيء ممكن ليكون سعيدا.. إلا أنه لا يزال تعيسا.. وهذا طبعا ببساطة.. لأنه لم ينزع المسمار..
رجل.. يعمل في وظيفة غير مجزية.. راتب قليل ومسؤوليات كبيرة.. وغارق حتى أذنيه في قروض وبطاقات ائتمانية مع البنوك لتلبية احتياجات أسرته.. الفوائد المتراكمة هذه التي تنهش مستقبله هي المسمار المدبب الذي ينخز في جنبه.. وهي السبب الحقيقي لتعاسته.. لكن بدلا من معالجتها.. يحاول كما يحاول الشاب أن يلجأ لسعادة تعويضية توازنه قليلا.. فتراه يلجأ لعلاقة عاطفية مع سيدة أخرى غير زوجته.. هو يحب زوجته.. ولا يحب تلك السيدة الأخرى ولا يحتاجها.. لكنه بحاجة إلى دفقة سعادة.. إلى أي إبرة صغيرة تخبره أنه سعيد.. لأنه لا يستطيع احتمال كل تلك التعاسة.. ومرة أخرى.. مع كل ما يفعله.. فعندما يعود إلى سريره في آخر الليل.. فلن يستطيع النوم.. لأنه ومرة أخرى.. لا يزال ذلك المسمار موجودا..
في حديث للدكتورهمام يحيى ناقش فيه الاكتئاب.. تطرق إلى حقيقة جميلة جدا.. وهي أن القلق أخطر من الاكتئاب.. وهو – باعتقاد الدكتور همام – السبب الأساسي للانتحار.. وهذه وجهة نظر أؤمن بها كثيرا.. ولذلك تعمّدت في بداية المقال ألا أستخدم مفردة الحزن بل القلق.. لأن الحزن شيء عابر.. يبهت بمرور الأيّام على الحدث المحزن.. إنّما القلق هو المشكلة الحقيقية.. هو النهر دائم الجريان.. والألف حصان الذين يركضون في رأسك ليل نهار..
إذا ما أردت فعلا لهذه الأحصنة الألف أن تتوقف عن الركض.. فعليك معالجة أسباب قلقك وبشكل فوري.. مهما كانت تلك المعالجة مكلفة وصعبة.. لأن أي حلول أخرى، لن تفعل شيئا سوى إطالة أمد تعاستك وتعقيدها..
#ديك_الجن
نشر في 03 كانون الأول 2018