799 مشاهدة
0
0
ظاهرة داعش تعد من أكثر المواضيع تداولاً وهي تخضع لعدد كبير من التحليلات ومحاولات لفهم مصدر هذه الظاهرة وأسبابها
التحليل النفسي لظاهرة "داعش"ظاهرة داعش تعد من أكثر المواضيع تداولا، وهي تخضع لعدد كبير من التحليلات ومحاولات لفهم مصدر هذه الظاهرة وأسبابها. ساحاول في هذا المقال بحث المصادر النفسية لهذه الظاهرة من وجهة نظر علم النفس التحليلي، وذلك بمساعدة أفكار ونظريات زيغموند فرويد.
من يوسع معرفته بالتاريخ يرى أن ظاهرة داعش ليست بجديدة على التاريخ الانساني. فظائع مماثلة قد ارتكبت من قبل وفي أكثر من حقبة تاريخية، لكن كما قال فرويد في كتابه "الحب والحرب والحضارة والموت" : " نحن يقينا نبالغ في تقدير كل هذه الشرور المتبدية، ولا يحق لنا ان نقارنها بشرور العصور التي سبقتها لأننا لم نكن في تلك العصور، ولم نجربها ونعاني منها" (ص. 11).
قد يعارض البعض على مقارنة الماضي بالحاضر، لأن هذا لا يأخذ بعين الاعتبار التطور والاختلاف في الحقب، لكن فرويد يقول أن النفس البشرية برغم خضوعها لعجلة التطور لا زالت تحمل ذات الاجزاء البدائية منذ أقدم العصور. حسب رؤيته هذا الامر يختلف عن التطور العادي، مثلا في تطور القرية البدائية الى مدينة، تنصهر معالم القرية القديمة داخل المدينة الجديدة حتى يصبح وجودها مجرد آثار. لكن في تطور النفس البشرية، اذا شبهنا النفس البدائية بالقرية، فإن هذه القرية البدائية ستستمر بالتواجد داخل المدينة مع سيادتها الخاصة، برغم وجود مدينة حضارية متطورة حولها. يقول فرويد ان داخل كل انسان نواة بدائية تحوي غرائز فاقدة السيطرة، وهذه النواة تتواجد ايضا داخل الانسان الحضاري الذي خضع للتطور. قد تأتي لحظات أو فترات يتراجع فيها الانسان الى تلك النواة البدائية ليطلق العنان لغرائزه العنيفة او الجنسية. الامر طبيعي اذا تدارك هذا الشخص نفسه بمساعدة الانا الأعلى (الضمير) وقام بالتسامي عن غرائزه ليحولها الى فعاليات حضارية، لكن هذا الامر منوط بالنضوج النفسي وليس بمقدور الجميع القيام به.
فرويد يعتقد أن هذه النواة "الشريرة" تقف على أهبة الاستعداد لتجد الظروف المؤاتية لتعطيها السيادة والسيطرة، وهكذا فإن الانسان بطبعه اناني وشرير وما يحوله لحضاري هو التنمية والبيئة التي تلزمه بالسيطرة على غرائزه بمساعدة قوانين واضحة وعادلة وملزمة. اي خلل في التنمية او في البيئة وقوانينها من شانه ان يطلق العنان لنواة الانسان الشريرة. في كتابه "قلق في الحضارة" قال فرويد "الجماهير غير منطقية وموجودة في سبات عميق. هي ترفض التخلي عن غرائزها ولا يمكن اقناعها بمساعدة العقل. الافراد ضمن الجماهير يدفعون احدهم الاخر لإطلاق العنان للغرائز والتخلي عن ضبط النفس".
في الحقيقة نظرة فرويد للطبيعة البشرية مشابهة لنظرة جبران خليل جبران في قصيدته "المواكب" حين قال:
"الخير في الناس مصنوعٌ إذا جُبروا
والشرُّ في الناس لا يفنى وإِن قبروا
وأكثر الناس آلاتٌ تحركها
أصابع الدهر يوماً ثم تنكسرُ
فلا تقولنَّ هذا عالم علمٌ
ولا تقولنَّ ذاك السيد الوَقُرُ
فأفضل الناس قطعانٌ يسير بها
صوت الرعاة ومن لم يمشِ يندثر"
ظاهرة داعش ليست بجديدة وبعد اختفاءها سوف تستمر ظواهر مماثلة بالظهور، وذلك لان البشرية لم تصل بعد (ولن تصل قريبا) الى القدرة على ترسيخ مبادئ التسامي في أذهان أفرادها. الدول في عصرنا الحاضر أصبحت مليئة بالفساد الاخلاقي والاجتماعي ولم تعد قادرة على فرض قوانين عادلة وملزمة، وهذا من شأنه بالاضافة الى توليد شعور العداء للدولة في قلوب المواطنين ان يطلق العنان للطبيعة الغرائزية فاقدة السيطرة. لهذا، لم يبقى لنا كأفراد سوى الاهتمام بتنمية ذواتنا واطفالنا على مبادئ الاخلاق والانسانية والحرية الفكرية.
بسمة
متخصصة في علم النفس العلاجي
نشر في 14 آذار 2015
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع