1423 مشاهدة
1
0
مآثر السلطان الناصر صلاح الدين و الدنيا يوسف بن أيوب كما جمعتها من أقوال المؤرخين و العلماء و بعضهم ممن عاصره شخصياً!
مآثر السلطان الناصر صلاح الدين و الدنيا يوسف بن أيوب كما جمعتها من أقوال المؤرخين و العلماء و بعضهم ممن عاصره شخصياً ..أجمل ما يمكن أن يعبر عن سيرة السلطان الناصر صلاح الدين كشخص .. هو البيتين المنسوبين للمنصور بن أبي عامر :
آثاره تنبيك عن أخباره ... حتى كأنك بالعيان تراه
تالله لا يأتي الزمان بمثله ... أبداً ولا يحمي الثغور سواه
دعونا نرى مآثر هذا السلطان من أفواه أهل العلم .. و بالذات ( بالنسبة لي ) من رأي ابن جبير الأندلسي و هو رجل أندلسي ليس من حاشية السلطان و لا غاية له يرتجيها من مدح السلطان أو التزلف له أو التدليس و التزوير .. إذ أنه زار مصر و الشام في رحلته الشهيرة من الأندلس و سجل مشاهداته و صادف أن كانت رحلته معاصرة لعهد السلطان الناصر صلاح الدين ...
نبدأ أولاً مع الإمام الذهبي في سير أعلام النبلاء فيقول في السلطان الناصر :
( السلطان الكبير ، الملك الناصر صلاح الدين ، أبو المظفر ، يوسف بن الأمير نجم الدين أيوب بن شاذي بن مروان بن يعقوب ، الدويني ثم التكريتي المولد ... ودوين : بليدة بطرف أذربيجان من جهة أران والكرج ، أهلها أكراد هذبانية ..
كان خليقاً للإمارة ، مهيباً ، شجاعاً حازماً ، مجاهداً كثير الغزو ، عالي الهمة ، كانت دولته نيفاً وعشرين سنة ..
و محاسن صلاح الدين جمة ، لا سيما الجهاد ، فله فيه اليد البيضاء ببذل الأموال والخيل المثمنة لجنده . وله عقل جيد ، وفهم ، وحزم ، وعزم )
قال الموفق عبد اللطيف : ( أتيت ، وصلاح الدين بالقدس ، فرأيت ملكاً يملأ العيون روعة ، والقلوب محبة ، قريباً بعيداً ، سهلاً محبباً ، وأصحابه يتشبهون به ، يتسابقون إلى المعروف كما قال تعالى : (ونزعنا ما في صدورهم من غل إخواناً ) .. وأول ليلة حضرته وجدت مجلسه حفلاً بأهل العلم يتذاكرون ، وهو يحسن الاستماع والمشاركة ، ويأخذ في كيفية بناء الأسوار ، وحفر الخنادق ، ويأتي بكل معنى بديع ، وكان مهتماً في بناء سور بيت المقدس وحفر خندقه ، ويتولى ذلك بنفسه ، وينقل الحجارة على عاتقه ، ويتأسى به الخلق حتى القاضي الفاضل .. )
يقول العماد : ( ما حضر (صلاح الدين ) اللقاء ( الحرب ) إلا استعار فرساً ، ولا يلبس إلا ما يحل لبسه كالكتان والقطن ، نزه المجالس من الهزل ، ومحافله آهلة بالفضلاء ، ويؤثر سماع الحديث بالأسانيد ، حليما ، مقيلا للعثرة ، تقيا نقيا ، وفيا صفيا ، يغضي ولا يغضب ، ما رد سائلا ، ولا خجل قائلا ، كثير البر والصدقات ، وما رأيته صلى إلا في جماعة .
و مات ، فوجد الناس عليه شبيها بما يجدونه على الأنبياء ، وما رأيت ملكا حزن الناس لموته سواه ، لأنه كان محبباً ، يحبه البر والفاجر ، والمسلم والكافر .. )
يقول القاضي ابن شداد الذي لازم السلطان الناصر في مسيرته :
( كان الجهاد و حبه و الشغف به قد استولى على قلبه و سائر جوانحه استيلاءً عظيماً ... بحيث ما كان له حديث إلا فيه و لا نظرٌ إلا في آلته .. و لا اهتمام إلا برجاله .. و لا ميل إلا إلى من يذكره و يحثّ عليه .. و لقد هجر في محبة الجهاد في سبيل الله أهله و أولاده و وطنه و سكنه و سائر ملاذه ... و قنع من الدنيا بالسكون في ظل خيمة تهب بها الرياح يمنةً و يسرة ... )
يقول الرحالة ابن جبير الأندلسي واصفاً محاسن السلطان الناصر صلاح الدين :
( ومما شاهدناه أيضاً من مفاخر هذا السلطان المارستان الذي بمدينة القاهرة. وهو قصر من القصور الرائقة حسناً واتساعاً أبرزه لهذه الفضيلة تأجراً واحتساباً وعين قيماً من أهل المعرفة وضع لديه خزائن العقاقير ومكنه من استعمال الأشربة واقامتها على اختلاف أنواعها. ووضعت في مقاصير ذلك القصر أسرة يتخذها المرضى مضاجع كاملة الكسى. وبين يدي ذلك القيم خدمة يتكفلون بتفقد أحوال المرضى بكرة وعشية، فيقابلون من الأغذية والاشربة بما يليق بهم. وبازاء هذا الموضع موضع مقتطع للنساء المرضى. ولهن أيضاً من يكفلهن. ويتصل بالموضعين المذكورين موضع آخر متسع الفناء فيه مقاصير عليها شبابيك الحديد اتخذت محابس للمجانين. ولهم أيضاً من يتفقد في كل يوم أحوالهم ويقابلها بما يصلح لها. والسلطان يتطلع هذه الأحوال كلها بالبحث والسؤال ويؤكد في الاعناء بها والثابرة عليها غاية التأكيد. وبمصر مارستان آخر على مثل ذلك الرسم بعينه. )
و يقول واصفاً رعايته لأحوال مصر :
( وما منها جامع من الجوامع ولا مسجد من المساجد ولا روضة من الروضات المبنية على القبور ولا محرس من المحارس ولا مدرسة من المدارس إلا وفضل السلطان يعم جميع من يأوي إليها ويلزم السكنى فيها، تهون عليه في ذلك نفقات بيوت الاسوال.
ومن مآثره الكريمة المعربة عن اعتنائه بأمور المسلمين كافة أنه أمر بعمارة محاضر ألزمها معلمين لكتاب الله، عز وجل، يعلمون أبناء الفقراء والأيتام خاصة وتجرى عليهم الجراية الكافية لهم. )
و يقول واصفاً أعمال صلاح الدين في الإسكندرية :
( ومن مفاخر هذا السلطان وآثاره الباقية المنفعة للمسلمين القناطر التي شرع في بنائها بغربي مصر، وعلى مقدار سبعة أميال منها، بعد رصيف أبتدئ به من حيز النيل بازاء مصر كأنه جبل ممدود على الأرض، تسير فيه مقدار ستة أميال حتى يتصل بالقنطرة المذكورة، وهي نحو الأربعين قوساً من أكبر ما يكون من قسي القناطر. والقنطرة متصلة بالصحراء التي يفضي منها الإسكندرية، له في ذلك تدبير عجيب من تدابير الملوك الحزمة اعداداً لحادثة تطرأ من عدو يدهم جهة ثغر الإسكندرية عند فيض النيل وانغمار الأرض به وامتناع سلوك العساكر بسببه. فأعد ذلك مسلكاً في كل وقت إن احتيج ذلك. والله يدفع عن حوزة المسلمين كل متوقع ومحذور بمنه. )
و يتحدث هنا عن رفع صلاح الدين لجور العبيديين ( الفاطميين ) عن الناس و بسطه للأمان و العدل :
( ومن مفاخر هذا السلطان المزلفة من الله تع وآثاره التي أبقاها ذكراً جميلاً للدين والدنيا: إزالته رسم المكس المضروب وظيفة على الحجاج مدة دولة العبيديين. فكان الحجاج يلاقون من الضغط في استيدائها عنتاً مجحفاً ويسامون فيها خطة خسف باهظة. وربما ورد منها من لافضل لديه على نفقته ولا نفقة عنده فيلزم أداء الضريبة المعلومة، وكانت سبعة دنانير ونصف دينار من الدنانير المصرية التي هي خمسة عشر ديناراً مؤمنية على كل رأس، ويعجز عن ذلك، فيتناول بأليم العذاب بعيذاب. كاسمها مفتوحة العين.
وربما اخترع له من أنواع العذاب التعليق من الأنثيين أو غير ذلك من الأمور الشنيعة، نعوذ بالله من سوء قدره. وكان بجدة أمثال هذا التنكيل وأضعافه لمن لم يؤد مكسه بعيذاب ووصل اسمه غير معلم عليه علامة الأداء فمحا هذا السلطان هذا الرسم اللعين ودفع عوضاً منه مايقوم مقامه من أطعمة وسواها،وعين مجبى موضع معين بأسره لذلك، وتكفل بتوصيل جميع ذلك الحجاز لأن الرمس المذكور كان باسم ميرة مكة والمدينة، غمرهما الله، فعوض من ذلك أجمل عوض، وسهل السبيل للحجاج، وكانت في حيز الانقطاع وعدم الاستطلاع، وكفى الله المؤمنين على يدي هذا السلطان العادل حادثاً عظيماً وخطباً أليماً. فترتب الشكر له على كل من الناس أن حج البيت الحرام إحدى القواعد الخمس من الإسلام، حتى يعم جميع الآفاق ويوجب الدعاء له في كل صقع من الأصقاع وبقمة من البقاع، والله من وراء مجازاة المحسنين، وهو، جلت قدرته،لا يضيع أجر من أحسن عملاً . مكوس كانت في البلاد المصرية وسواها ضرائب على كل ما يباع ويشترى مما دق أوجل، حتى كان يؤدى على شرب ماء النيل المكس فضلاً عما سواه. فمحا هذا السلطان هذه البدع اللعينة كلها وبسط العدل ونشر الأمن.
و من عدل هذا السلطان وتأمينه للسبل أن الناس في بلاده لا يخلعون لباس الليل تصرفاً فيما يعنيهم، ولا يستشعرون لسواده هيبة تثنيهم. على مثل ذلك شاهدنا أحوالهم بمصر والإسكندرية حسبما تقدم ذكره .. )
نشر في 01 كانون الأول 2018
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع