1320 مشاهدة
0
0
اكتشاف نوع جديد من البشر في جنوب أفريقيا وهم أوائل أسلاف الإنسان والذي يقع بشكلٍ جميل ضمن جيناتنا كبشر يسرُّني أن أُقدم لكم، هومو ناليدي
اكتشاف نوع جديد من البشر في جنوب أفريقيا!تمالك نفسك: هذا الإكتشاف ضخم. ضخم جدًا لدرجة أن آثارهُ العميقة ستهزّ شجرة العائلة الخاصة بنا. جامعة ويتواترسراند «University of Witwatersrand» وبالتعاون مع ناشيونال جيوغرافيك، فخورون بالإعلان عن قصة رائعة من التُراث الإنساني. اكتشاف أوائل أسلاف الإنسان والذي يقع بشكلٍ جميل ضمن جيناتنا كبشر. يسرُّني أن أُقدم لكم، هومو ناليدي «Homo naledi».
هذا الاكتشاف الأحفوري الرائع يأتي من أغنى تجمُع واحد لأشباه البشر اكتُشف لحد الآن في أفريقيا. هِبة لا تكفُّ عن العطاء، هذه الأنواع لا تكشف لنا فقط عن أصل وتنوّع الإنسان، ولكن يبدو إنها ستكشف عن السلوك الذي أُعتِقد طويلًا أنه فريد من نوعه للبشر. حتى رُبما السِمة المُميزة لجنسنا: التخلُّص عمدًا من قتلاه في غُرفة مُنعزلة. هذا الإكتشاف تمّ نشرُه في ورقتين في مجلة «eLife».
حادث كِتابي-مُستحقّ، "الهومو ناليدي" عُثر عليهم لأول مرة قبل سنتين بواسطة حفّارين هواة خلال استكشافهم لنظام كهفي معروف بإسم "النجم الصاعد" «Rising Star»، والذي يقع ضمن موقع التراث العالمي في جنوب أفريقيا الذي يضمُ أشهر مهد للبشرية. من هذا المُنطلق، ولدت بعثة النجم الصاعد، التي بدأت في تشرين الثاني – نوفمبر 2013 لـ21 يومًا من الاستكشاف شارك فيها 60 عالماً وعدد من الحفّارين المُتطوعين.
متوقعين استرداد هيكل عظمي واحد، خلال ثلاثة أيام فقط اكتشفوا أنهم حصلوا على أكثر من ذلك، كما قال قائد البحث لي بيرجر «Lee Berger» للصحافة: "شيءٌ مُختلف واستثنائي".
هذا الشيء المُختلف اتضح أنهُ ليس مجموعة مُتنوعة، وإنما 15 فردًا من جنس بشري واحد، تمثّلت بأكثر من 1,500 عناصر أحفورية وجدت داخل غرفة واحدة في ظُلمة مُعتمة حوالي 90 مترًا (295 قدم) من المدخل. سُميت نسبةً الى الغُرفة "ناليدي" تعني النجمة باللُغة الجنوب إفريقية "سيسوثو". وبكُل تأكيد، 1,500 تبدو كثيرة، ولكن يعتقد أنّ هُناك الآلاف والآلاف من البقايا التي لا تزال على حالها. أضاف بيرجر: "الأرضية مغطاةٌ فعلًا بعظام هؤلاء الأفراد".
في الواقع، لقد وجدوا الكثير، لدرجة أن تقريبًا كُل عناصر الهيكل العظمي للجسم مثّلت فترات مُتعددة خلال مجاميع زمنية مُختلفة، من الرُضّع إلى المُراهقين، إلى الشباب وكبار السن. تبدو الأنواع وكأنها اختيرت وجمعت بشكلٍ جميل كُلًا من ملامح بدائية وشبيهة بالإنسان. أسلاف الإنسان طويلي القامة بشكلٍ استثنائي، "الهومو نيلادي" ذوو القدمين كانوا حوالي 150 سنتمترًا (5 أقدام) طولًا، كانوا رشيقين بشكلٍ مُميز، مع مفاصل وعضلات قوية. خصائص الإنسان النحيف والسيقان الطويلة التي تمتلكُها من المُرجح أن ترتبط بحقيقة إنه ليس من الضروري لها أن تتحمل الكثير من وزن الجسم، بـ وزن يتراوح حوالي 45 كيلوغرام (100 رطل).
قد يكون هذا النوع طويلًا، ولكن أفرادهُ يتمتعون برؤوس صغيرة بشكلٍ مُدهش. صغيرة لدرجة أنه عقولهم كانت صغيرة بقدر أصغر فرد من الـ "أسترالوبيثكس" (مجموعة من أوائل أشباه البشر المُنقرضين) ، عقل الأُنثى أكبر بقليل من عقل الشمبانزي بحوالي 450-550 سنتمتر مُكعّب (27-34 بوصة مُكعبة). لم يكُن هُناك سوى إختلاف بسيط جدًا بين الذكور والأُناث، ليس فقط من حيث أحجام المُخ ولكن خلال الجسم بأكمله.
قال بيرجر، في الواقع، كُل الأفراد كانوا مُتشابهين بشكلٍ ملحوظ أكثر مما لو كُنت تنظُر الى مجموعة من التوائم المُتطابقة للإنسان. بناءً على ذلك، يُعتقد أنّ الأفراد كانوا مُتقاربين إلى حدٍ كبير، رُبما عائلة مُتعددة الأجيال.
اللافت للنظر أيضًا، هو كيف ييدو انتقال الميزات في الأنواع، من البدائية وحتى التحضُّر، وانت تتحرك إلى أسفل أطرافه. الجزء العلوي من الأطراف –الحوض والكتفين– تكون بدائية، مثل مخروطية جسمهُ الأساسي (من دون الأذرُع والسيقان)، ولكنها تبلُغ ذروتها في الأطراف التي تشبه الأطراف البشرية بشكلٍ مُدهش. اليد تبدو تمامًا كيد الإنسان، فيما عدا الأصابع المُنحنية بشكلٍ كبير: مثالية عند مُحاولتهم مسك الأشياء. ولكن اكتافهم كانت قادرة على الإلتفاف بشكل أكبر من أكتافنا، مما يُشير إلى إنها كانت تُستخدم في التسلُّق. أما الأقدام فيُمكن تمييزُها تقريباً عن أقدامنا، مما يجعل احتكاكها بالأرض بنفس الطريقة.
إذا كيف تمكنت هذه المجموعة من الأفراد في هذا الظلام، المعزول، الصعب للغاية من الوصول إلى هذا الكهف؟ الصعوبة هُنا ليست مفهومًا: أحد أضيق الشقوق كان حوالي 17.5 سنتمترًا عُرضًا، وبقدر ما يُمكن للمجموعة أن تُظهر، لم يكُن هُناك أي مدخل آخر لهذه الغُرفة الصغيرة.
من المُخيّب أنه لم يُعثر هُنا على أية أنواع أخرى، عدا عن عظام بعض القوارض والطيور.
بعد الأخذ بعين الاعتبار كُل السيناريوهات المُحتملة، كالموت الجماعي، والنقل بواسطة المياه والافتراس، تُرك الفريق مع فكرة غير مُحتملة: كان هذا النوع مُتعمدًا، وبشكلٍ مُتكرر، يتخلص من قتلاه في منطقة محمية، بعيدًا عن البيئة الخارجية. قبل الآن، ظننا إنّ هذه الصفة مُحدِدة فقط للإنسان الحديث.
يتساءل بيرجر: "ماذا يعني ذلك بالنسبة لنا؟، هل ورثنا ذلك، هل كانت موجودة هُناك دائمًا في نسبنا، أو أنهم قاموا باختراع ذلك؟" وبالنسبة للأنواع ذوات الدماغ الصغير، الاحتمال الأخير مُحيّر جدًا للعقل.
بالتأكيد، السؤال لا ينتهي هُنا. الغُرفة كانت في ظُلمة مُعتمة. كيف تمكّن هؤلاء الأفراد من التنقُل حول هذه الأنفاق المُتعرجة الضيقة، مع احتمالية الموت من أثر السقوط حول زوايا مُتعددة.
يتساءل بيرجر، مُشيرًا إلى أقرب موقع للتراث الوطني في سوارتكرانس «Swartkrans» "هل هي مُصادفة أنّ أقرب دليل زمني على التحكُّم بالنار كان على بُعد 800 مترًا فقط؟. إنها تكهُنات، ولكن الحيوانات لا تذهب إلى الظلام."
أوضح بيرجر مذهولًا: "بصرف النظر عن أدلة الدفن الشعائرية، ماذا نعرف عن سلوكهم أيضًا؟ لاشيء! يُمكننا أن نستنتج من أجسامهم أنهم كانوا يمشون لمسافات طويلة، ومرة أُخرى هذا الشيء فريد من نوعه تقريبًا للبشر. ومن الواضح جدًا من تلك الأصابع أنهم كانوا يتسلقون، ولكننا لا نعلم ماذا كانوا يتسلقون. هذه ليست يد تسلُّق شجرة".
قال بيرجر، في الوضع الراهن، نحنُ لا نعرف كم عُمر هذه الأحفوريات، ولا نعلم أيضًا إلى متى عاشت هذه الأنواع. لكننا نعلم أن عمرها لا يقل عن مليوني سنة، رُبما أقرب لثلاثة ملايين، وعلى أقل تقدير إنها مُرشحة أن تكون قاعدة جيناتنا.
إذا كُنت تُريد أن ترى محتوى الاكتشاف التاريخي بنفسك؛ فسيتم عرضُ الأحفوريات لشهرٍ كامل في مهد الزائر الرسمي للبشرية، ماروبينج «Maropeng»، في جنوب أفريقيا.
إعداد: Ahmed Alsarrai
تدقيق: Dana Abufarha
تصميم: Ahmed El-Sanhoury
نشر في 11 أيلول 2015