Facebook Pixel
706 مشاهدة
0
1
Whatsapp
Facebook Share

نمط العلاقة التي يعيشها الطفل مع والديه في صغره سوف يعود هو ذاته ليظهر في علاقاته كبالغ، ما هي القدرات التي ممكن أن تطور عند بلوغه؟

نمط العلاقة التي يعيشها الطفل مع والديه في صغره سوف يعود هو ذاته ليظهر في علاقاته كبالغ، خصوصا في علاقته الزوجية (أكثر العلاقات كثافة بين بالغين غريبين). لهذا، قبل أن تلتزم في العلاقة مع شريك حياتك، انظر إلى نوع علاقاته مع من حوله. قد تكون علاقتكم مختلفة في تلك اللحظة، مما يشجعك على الامتناع عن المقارنة والتشبث بفكرة تميزك بالنسبة لشريكك وبتميز علاقتكم. لكن في المستقبل غالبا ما سوف ترى بينكما نفس أنماط علاقته مع من حوله- تماما كما سوف تلاحظ أنك تقوم بذات الشيء وتضيف للعلاقة نفس أنماط علاقاتك السابقة.

هناك ثلاث قدرات شخصية تتطور في مرحلة الطفولة وتؤثر على نوع العلاقات في البلوغ:
1. الملاحظة العاطفية العميقة (Insight): وهي قدرة الإنسان على فهم مشاعره وما يدور في باله، وقدرة تقصي مصدرهم وسببهم. بالإضافة إلى قدرته على فهم مشاعر وأفكار الآخر وسببهم (المشاعر الحالية أو التي يمكن أن تنتج إذا حصل أمر ما). يكتسب الطفل هذه القدرة التي تتطور معه بعد أن يستطيع والديه فهم مشاعره وأفكاره الموجودة ما وراء تصرفاته) ومشاركته بها. وذلك بالإضافة إلى مشاركة والديه له بمشاعرهم وأفكارهم بطريقة ملائمة للواقع ولعمره. القدرة على "قراءة الذات والآخر" ضرورية جدا في تكون العلاقات البشرية بأنواعها في البلوغ، لكنها على ما يبدو الأكثر ضرورة في العلاقات المكثفة كالوالدية والزواج. مثلا، تحتاج الأم أن تملك قدرة فهم المشاعر والدوافع وراء عدم رغبة ابنها في كتابة فروضه (هل هو مرهق؟ يشعر بالملل؟ هل يشعر بالخوف من الفروض أو بعدم الكفاءة؟). الأم التي تملك قدرة الملاحظة العميقة سوف تسأل طفلها عن مشاعره، وسوف تضع له الاحتمالات الممكنة لمشاعره، ليرى أنها تحاول أن تفهمه وأن تبحث في مكنونات نفسه، كما أنها سوف تشاركه بمشاعر البلبلة والخوف أو الغضب الموجودين بداخلها حين لا يقوم بفروضه. حصول هذا (أو عدم حصوله) في علاقات الطفل الأولية مع أفراد عائلته سوف يقرر إذا كان هذا الطفل حين يصبح بالغا ويتزوج، سيهتم بما يدور داخل زوجته، ويستطيع محادثتها والاهتمام بمشاعرها. أو إن كانت الزوجة ستفهم أن زوجها لا يرغب بالخروج من المنزل لأنه مرهق وليس لأنه لا يهتم بها.

2. قدرة "الأخذ والعطاء" (Mutuality): وهي قدرة الشخص على التفكير في الحاجات والمشاعر في داخله وفي داخل غيره، والحفاظ على توازن بينهما. اكتساب هذه القدرة يبدأ حين يلبي الوالدان حاجات طفلهما العاطفية، ومع إنهائه للسنة الأولى من عمره يبدآن بمشاركته بأن لحاجتهما مكان أيضا (وضع الحدود والقدرة على الامتناع عن تلبية جميع طلباته- كأكل مفرط للحلويات مثلا، أو كالسهر واللعب لساعة متأخرة). الطفل يتعلم أن العلاقة عبارة عن أخذ وعطاء وحقوق وواجبات. هو يتعلم أن يطلب، لأنه يثق أن طلباته تلقى آذانا صاغية، ويتعلم أن يلبي الطلبات كي يحافظ على التواصل العاطفي مع الآخر. في هذه المرحلة تتكون انفرادية الطفل، وهو يعلم أن هو ووالديه أشخاص منفصلون ، حاجاتهم قد تختلف، وهم لا يملكون قدرة "قراءة الأفكار والتنبؤ بالحاجات" لهذا عليهم أن يتواصلوا كلاميا. الطفل الذي لم يجتز هذه المرحلة بسلام في طفولته، قد يعاني في البلوغ من مشاكل في علاقاته. مثلا، قد تتوقع الزوجة من زوجها أن يخمن حاجاتها منه دون أن تطلب منه وتوضح له حاجاتها كلاميا. أو قد نرى الزوج الذي لا يحسب أن هناك مكانا لحاجات زوجته، ويطلب منها دائما أن تتأقلم مع حاجاته.

3. قدرة الضبط والتنظيم العاطفي (Emotional Regulation) : وهي القدرة على التجاوب مع الواقع وإظهار العاطفة بطريقة لينة ومقبولة اجتماعيا من أجل منع ردود فعل عفوية وصاخبة أو لتأجيل ردة الفعل لوقت آخر. الطفل الصغير لا يملك قدرة ضبط النفس والتنظيم العاطفي في طفولته، وهو يحتاج للاحتواء من والديه ولتحكمهم بذواتهم أمامه كي يكتسب هذه القدرة. حين يصرخ ويبكي الطفل الصغير دون أن يفهم والده سبب صراخه، هو لا يرد عليه بالصراخ، بل يحضنه ويكلمه ويحاول أن يفهم سبب صراخه وأن يقدم له المساعدة. في هذه الحالة يتعلم الطفل قدرة ضبط النفس من والده، وحين يكبر يستطيع ضبط مشاعره والتعبير عنها بطرق تواصل ناضجة أكثر. في بلوغه يستطيع هذا الطفل أن يخبر زوجته أنه يشعر بالغضب وأن يخبرها الأسباب، دون أن تتفاقم المشكلة لتودي بكليهما لتصرفات مؤذية للطرف الآخر.

هذه القدرات ضرورية جدا لجميع العلاقات الإنسانية، وهي ضرورية بشكل خاص للوالدية والعلاقة الزوجية التي هي أكثر العلاقات كثافة. بالنسبة للتطور الإنساني هناك دائما أمل، والصراعات برغم صعوبتها هي فرصة جديدة للنضوج. لهذا ربما ما لم يتم في العلاقة الأولية مع الوالدين، فرصته الثانية في العلاقة الزوجية وتربية الأطفال.

بسمة سعد
أخصائية نفسية علاجية
الصحة النفسية
نشر في 23 آذار 2017
QR Code
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع