هو موضوع مؤلم من أكثر المواضيع تعقيداً وأكثرها إثارة للقلق والخوف في المجتمع، حسب الجمعية الأمريكية للطب النفسي، وله تأثيرات كبيرة على نفسية الطفل
التأثير النفسي للاعتداء الجنسي على الأطفال
هذا الموضوع المؤلم هو من أكثر المواضيع تعقيدا وأكثرها إثارة للقلق والخوف في المجتمع. حسب الجمعية الأمريكية للطب النفسي (APA- The American Psychiatric Association) أي عمل جنسي بين طفل وبالغ يعتبر غير أخلاقي و إجرامي و يُحاسب عليه البالغ قانونيا ، وعمل كهذا لا يمكن بأي شكل من الأشكال أن يُعدّ طبيعياً أو مقبولاً اجتماعيا .
ما هي إحصائيات الاعتداء الجنسي على الأطفال؟
نسبة التعرض للاعتداء الجنسي على أطفال العالم هي 19.7% على الإناث و7.9% على الذكور. المخيف في الأمر أن معظم الأطفال الذين تعرضوا لاعتداءٍ جنسيّ عرفوا المعتدي من قبل، بحيث أن 30% من المعتدين هم أقارب الطفل من الدرجة الأولى ( أب، أخ، عم، ابن عم ) و 60% منهم هم معارف للعائلة . الغرباء شكّلوا فقط 10% من المعتدين.
أغلب المعتدين على الأطفال هم رجال . لكن أظهرت الأبحاث أن النساء تقترف 14% حتى 40% من الاعتداءات الجنسية بحق الأطفال الذكور ، و 6% من الاعتداءات بحقّ الطفلات.
الاحصائيات عن نسبة الاعتداءات الجنسية لا تصف بشكل دقيق انتشار الظاهرة المؤلم، بسبب سكوت الاطفال عما حصل لهم. معظم الشكاوى تظهر بعد أن يصبح الطفل الذي تعرض للاعتداء بالغا، ويسعى للانتقام من المعتدي إما بنفسه او بمساعدة القانون.
ما هي تأثيرات الاعتداء الجنسي على الأطفال حسب الطب النفسي؟
الاعتداء الجنسي على الاطفال يمكن أن يتسبّب بأضرار جسيمة ، قصيرة أو بعيدة المدى. قد يُصاب الطفل المعتدى عليه بحالات الاكتئاب ، القلق، اضطرابات الأكل، نظرة سلبية للذات ، آلام جسدية لا تفسير طبي لها ، اضطرابات نوم، و إضراب ما بعد الصدمة.
قد يظهر الطفل أيضا بعد الاعتداء تراجعاً في تطوره ويبدأ بمص إصبعه أو تبليل سريره ، و وجدت الأبحاث أن أكبر دلالة على أن الطفل تعرض لاعتداء جنسي هو أن يبدأ بنفسه بالتعرض جنسياً لأطفال آخرين أو إظهار اهتمام زائد بمواضيع جنسية .
بعد الاعتداء قد يتأخر الطفل في دروسه و يرفض الذهاب إلى المدرسة ويصبح انطوائيا. بالإضافة إلى ذلك قد يبدأ الطفل بالقيام بتصرفات غير مقبولة مثل القسوة على الحيوانات و تسبّب الأذى لها.
بعد الاعتداء قد يبدأ الطفل بإظهار حركة مفرطة و رفض للانصياع للطلبات وإرشادات البالغين.
الأطفال الذين تعرضوا لاعتداء جنسي يقومون بأذية أنفسهم أو الإقبال على الانتحار أكثر بأربع مرات من أي طفل لم يتعرض للاعتداء.
ما هي تأثيرات الاعتداء الجنسي على الأطفال حسب علم النفس التحليلي؟
شندور فرنتسي ، محلل نفسي رئيسي في مدرسة التحليل النفسي و أحد المقربين من زيغموند فرويد، بحث الموضوع في أطروحته "بلبلة اللغات بين الطفل والبالغ". حسب رأى فرنتسي إنه لا يمكن تفسير أقوال الطفل الذي يشتكي من اعتداء جنسي على أنها بشكل مطلق خيالاته وتخيلاته (وبهذا هو عارض رأي فرويد). السبب حسب أقوال فرنتسي هو الكمية الكبيرة من اعترافات المرضى في علاجهم النفسي، على أنهم اعتدوا بشكل فعلي على أطفال. يقول فرنتسي : " إن الطفل من ضمن أفكاره الطفولية يطلب أحيانا من البالغ أن يلعب معه ، لكن أحيانا هذا البالغ قد يفسّر طلب اللعب بطريقة منحرفة و يعتدي عليه. مثلا ، قد تطلب طفلة صغيرة من والدها أن يلعب معها أنه زوجها و والد لعبتها، وتطلب أن ينام بجانبها. الأب الذي فقد سيطرته بسبب نواياه المنحرفة أو مرض نفسي يعاني منه، يمكن أن يعتدي جنسيا على طفلته. حسب رأي فرنتسي من الصعب جدا وصف الوضع النفسي لطفل بعد اعتداء كهذا. كنا نتوقع أن تكون ردة الفعل البدائية للطفل الرفض والصراخ، لكن لا يجب أن ننسى أنه في تلك اللحظات يكون الطفل مشلولا بشكل كامل من فرط صدمته. بالإضافة إلى ذلك ، يشعر الطفل أنه ضعيف لا حول له و لا قوة نفسيا و جسديا، لأنه لم يصل إلى النضوج النفسي الكامل حتى يعترض ولو حتى في أفكاره على ما يفعل المعتدي به. بالأخص أمام معتدٍ بالغ وقوي وصاحب سلطة. الأصعب من ذلك، أنه إذا وصلت درجة الخوف والصدمة الى أقصاها، فهي تجبر الأطفال على استعباد أنفسهم بشكل كامل لطلبات المعتدي، منفصلين تماما عن ألمهم وخوفهم.
عندما ينتهي الاعتداء، يشعر الطفل ببلبلة شديدة ويقع بين مشاعر متناقضة. من جهة يعلم الطفل أنه كان ضحية، لكنه يضع أيضا الذنب على نفسه ويرى أنه هو من قام بأمر ما يستحق العقاب الشديد. ثقة الطفل بنفسه وبحواسه تتدمر بشكل كامل ، خصوصا لأن البالغ المعتدي كثيرا ما يعبر عن أسفه وغضبه بعد ما قام به، مما يجعل الطفل يشعر أكثر بالمسؤولية والذنب والخجل من نفسه. في أغلب الأحيان يتصرف المعتدي على أن شيئا لم يحصل، ويهدّئ نفسه بفكرة "إنه مجرد طفل، ولا يفهم شيئا، سوف ينسى ما حصل". في أحيان أخرى يصبح المعتدي كردة فعل على ما حصل متدينا ومتزمتا، بل وأنه قد يحاول "تهذيب" الطفل وإنقاذ روحة بواسطة وسائل تربية قاسية جدا ومتصلبة.
ما الذي يحصل في البلاد العربية؟
خلال بحثي في إحصائيات و أبحاث عن الاعتداء الجنسي على الأطفال في البلاد العربية وجدت فقط معلومات قليلة لم أستطع التأكد من مصدرها. لم أجد بحثا رسميا يتحدث عن الظاهرة، وأعتقد أن الأمر مقلق جدا.
لا يسعني سوى أن أفكر بالأطفال العرب الذين يتعرضون للاعتداء، وأن أتساءل إن كان التعامل الاجتماعي معهم مشابهاً للتعامل مع النساء اللواتي تعرضن للاغتصاب. هل هنا أيضا يبرئ المجتمع الجاني ويعاقب الضحية؟ هل يتم إخفاء هذه الجرائم خوفا من كلام الناس والعواقب الاجتماعية؟
هذه التساؤلات تخيفني وتقلقني، وأتمنى أن تلقى الظاهرة في المستقبل الوعي الاجتماعي اللائق، كي يتحمل المجتمع العربي مسؤولية حماية أطفاله.
بسمة
متخصصة في علم النفس العلاجي
#بسمة_متخصصة_علم_نفس_علاجي
#الصحة_النفسية