1559 مشاهدة
0
1
كثيرا ما أشعر أن والديّ الطفل المتعالج يتسائلون إذا كانت بالفعل جلسات من اللعب تُعد علاج نفسي، أحياناً هم يشككون في كون العلاج النفسي بالفعل يساعد طفلهم، أم أنه تضييع للوقت والمال!
كثيرا ما أشعر أن والديّ الطفل المتعالج يتسائلون إذا كانت بالفعل جلسات من "اللعب" تُعد علاج نفسي/عاطفي. أحياناً هم يشككون في كون العلاج النفسي بالفعل يساعد طفلهم، أم أنه تضييع للوقت والمال.هذه تساؤلات طبيعية ومشروعة، وهي تميز بداية العلاج، قبل أن يتم بناء الثقة والشعور بالراحة داخل العلاقة العلاجية التي تمكن الوالدين من طرح تساؤلاتهم وفهم آلية العلاج النفسي من خلال تجربتهم في صيرورة العلاج. في هذا المقال أود أن أناقش اللعب كأداة علاجية، وما هي المفاهيم النظرية والعلاجية من وراءها.
اللعب يأخذ حيزاً كبيراً جداً في نظرية العلاج النفسي الدينامي، منذ السنوات الأولى لتطور العلاج النفسي للأطفال. دونالد وينيكوت، محلل نفسي ذو أهمية كبيرة في حقل علم النفس، رأى أن اللعب يتواجد في مكان ما في المنطقة الوسطى التي تفصل بين الواقع والخيال. أطلق وينيكوت على هذه المنطقة اسم "المجال الافتراضي" (The potential space). هذه المنطقة لا تتبع بشكل كلي للواقع، ولا تتبع بشكل كلي للخيال، وفي داخلها يتم اللعب. هناك مثال جميل في أحد النصوص النظرية عن اللعب، يشرح ماهية اللعب الرمزي في السنوات الأولى من حياة الطفل. في هذا المثال تحاول أم جاهدة أن تغسل طفلها، لكنه يبكي ويصرخ ويرفض أن يبقى في الماء. بعد جهود كبيرة وقبل أن تفقد صبرها، تأخذ الأم وعاء وتملأه من حوض استحمام الطفل، ثم تقربه من شفتيها وتتظاهر بأنها تشرب، ثم تقول "ممممم كم هو لذيذ هذا الشاي. هو دافئ، ليس بارد جداً ولا حار جداً". يسكت الطفل وينظر لأمه بفضول. تتابع الأم وتقول "هل نشرب الشاي سوية؟ هل تحضر لي الشاي؟". يبتسم الطفل ويبدأ باللعب مع أمه بعد أن زال قلقه. في ذهن كليهما "هذا ليس شاي بل ماء، لكنه أصبح الآن شاي ويتم التعامل معه في الواقع على أنه شاي". في هذا المكان الوسطي بين الواقع والخيال يلعب الطفل بعفوية ويستعمل خياله، لكنه لا يفقد تواصله مع الواقع.
في اللعب يعبر الطفل عمّا يدور في عالمه الداخلي. تجاربه، تفسيراته لأحداث حياته، صدماته، قلقه وتصوراته للعلاقات البشرية يظهرون في محتوى لعبه. القدرة على اللعب تُعد إحدى أهم القدرات النفسية والنمائية عند الأطفال، ومن أكثر الأمور المثيرة للقلق بالنسبة لتطور الطفل هي عدم القدرة أو عدم الرغبة في اللعب.
اللعب يساعد الطفل على تهدئة قلقه واستيعاب "وهضم" أحداث حياته. في حياة الطفل اليومية يجب أن يأخذ اللعب حيزاً كبيراً، في حين تتوفر له الألعاب اللازمة ومن يشاركه أحياناً في اللعب بها. اللعب مع الأطفال ليس عملية تقنية او أمر يمكن التظاهر به كي ينشغل الطفل، بل هو يتطلب من البالغ الذي يلعب مع الطفل أن يكون واعياً وحاضراً ومستمتعاً، وأن يلعب مع الطفل بطريقة تلائم عمره ومستوى تطوره (Playfulness) .
طفل تعرض لصدمة شديدة سوف يعبر عن أحداث صدمته في لعبه تارة تلو الأخرى، ولعبه سوف يكون انفعالياً ومتكرراً مع احداث عنيفة ومؤلمة. عند غالبية الأطفال الذين تعرضوا للصدمة اللعب سوف يفقد قدرته على تهدئتهم، وسوف يبقون عالقين في لعب تكراري يزيد انفعالهم وقلقهم. في هذه الحالة من الضروري جداً التوجه للعلاج النفسي، الذي عن طريقه تقوم المعالِجة بتدخلات علاجية تساعد الطفل على استيعاب صدمته واسترجاع قدرته على اللعب بطريقة صحية وسليمة. يختلف العلاج النفسي عن "مجرد لعب" بأنه يستطيع فهم الطفل عن طريق اللعب، ويحتوي على التدخلات العلاجية المدروسة التي تُساعد الطفل على ترتيب عالمه الداخلي والتقدم نحو المسار التطوري السليم. هذا العمل الدقيق مع الأطفال يتطلب سنوات من الدراسة والتدريب.
اللعب هام لأبعد الحدود في حياة الطفل اليومية وكأداة علاجية. ابتعاد الأطفال في السنوات الأخيرة عن اللعب الطبيعي والرمزي وإدمانهم على اللعب الالكتروني وقضاءهم وقت كبير أمام الشاشات سوف يكون له آثار وخيمة في السنوات القادمة، بدأنا برؤيتها اليوم في غرف العلاج.
بسمة سعد
أخصائية نفسية علاجية
نشر في 25 تموز 2018
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع