6335 مشاهدة
0
0
معلومات وتساؤلات في العلوم، ما هي المشاعر وكيف يصنعها الدماغ؟ وهل لدى الحيوانات القدرة على الشعور بالعواطف الواعية؟
ما هي المشاعر وكيف يصنعها الدماغ؟هل لدى الحيوانات القدرة على الشعور بالعواطف الواعية؟
بقلم:- جوزيف إي ليدوكس - ترجمة : ندى محمد
للعقل البشري ركيزتان نفسيتان أساسيتان، تجسد مقولة ديكارت الشهيرة "أنا أفكر، إذن أنا موجود" أحدها في حين تجسد عبارة ميلفيل " آهاب لا يفكر أبداً، إنه يشعر ويشعر ويشعر" الركيزة الثانية. ففي الوقت الذي تجعلنا توجهاتنا العقلانية نبحث عن اليقين (أي الحقيقة الموضوعية)، تعمل العواطف بداخلنا على إشراك الذات العاطفية. يدرك علم النفس وعلم الأعصاب هذا التمييز. الإدراك والعاطفة هما الفئتان الرئيسيتان للعقل والتي يعمل الباحثون على دراستها، ولكن لم تكن الأمور كذلك سابقاً.
لطالما عُومل الفكر العقلاني على إنه نتاج للعقل، بينما ينظر إلى المشاعر على إنها تنتمي للجسد. ولدى ديكارت، ومن قبله أفلاطون، رأي في ذلك، وهو أن البشر يختلفون عن الحيوانات بأن لديهم عقل عقلاني (روح) ويتشابهون مع الحيوانات بأن لديها مشاعر جسدية (عواطف) والتي تتداخل بدورها مع العقل. ولكن تغيرت النظرة الحديثة وأصبحت أكثر تكاملاً. حيث بدأنا نعتبر العواطف البشرية حالات عقلية، بل وبدأ الكثيرون يعزون الحالات العقلية بما في ذلك الأفكار والمشاعر إلى الحيوانات. على سبيل المثال كان دارون ينظر إلى العواطف على أنها "حالة ذهنية" بعضها مشترك بين البشر والحيوانات الاخرى. أما اليوم ينظر إلى العواطف على إنها حالات ذهنية يُشعر بها عندما يتأثر الجسد بطريقة ما. نشعر بالخوف عند التهديد والغضب عند الإحباط والفرح عندما تسير الأمور بشكل جيد والحزن عندما نفقد صديقاً أو حبيباً ونشعر بالإختناق عندما نرى شخصاً ما يعاني.
لو افترضنا بأن العواطف هي مشاعر وأن المشاعر هي حالات وعي وأن حالات الوعي عبارة عن تجارب داخلية خاصة تستند إلى الوعي بالنشاط الفعلي للمرء، هنا ستبرز أسئلة حول الدراسة العلمية لآليات الدماغ المسؤولة عن المشاعر في الحيوانات. إن دراسة العواطف والحالات الأخرى للوعي في البشر ممكنة إلى حد ما، بينما تشكل دراستها في الحيوانات تحدياً، مع ذلك لا يمكن إجراء هكذا دراسات على البشر لأسباب قد تكون أخلاقية أو تقنية لذلك يتم الاعتماد على الدراسات المجراة على الحيوانات رغم كونها صعبة.
إن أحد الركائز الأساسية في الدراسات المختبرية للخوف وآليات الدماغ المسؤولة عنه هي إجراء ما يسمى بتكيف بافلوفان. ففي ظروف التهديد، يحدث حافز ضئيل مثل نغمة بالتزامن مع حافز مُكره مثل وقع أقدام. من خلال هذا الاقتران تُكسب النغمة نفسها القدرة على استثارة سلوك التجمد (وهو سلوك دفاعي مضاد للمفترس يبقى فيه الحيوان بلا حراك لغرض تجنب الكشف أو التقليل من احتمالية الهجوم) وكذلك دعم الاستجابات الفسيولوجية مثل التغير في معدل ضربات القلب وضغط الدم وغيرها من التعديلات في النظام العصبي اللاإرادي والتي تساعد الكائن على مواجهة الخطر الوشيك.
تتضمن دراسات أخرى ما يعرف بالسلوك العاطفي في الحيوانات حيث يتم فيها استخدام منبهات مثل (الصدمات والطعام والشراب والدفء والتحفيز الجنسي) لتحفيز الاستجابات التي تساعد الحيوان على التعامل مع المنبهات والاستفادة منها. عندما يختبر البشر هذه الاحداث يولد ذلك شعور، مثلاً الشعور بالخوف قليلاً عند التهديد أو المتعة عند الأكل والشرب وممارسة الجنس أو الشعور بالدفء عند التعرض للبرد. هذه السلوكيات والمشاعر متشابكة جداً وغالباً ما نصفها بالسلوكيات العاطفية.
عند النزول في الشجرة التطورية بحثاً عن أصول هذه السلوكيات العاطفية المزعومة وصولاً إلى جذر الشجرة سنجد أن كل كائن حي من الأقدم إلى الأحدث عليه أن يفعل بعض الأشياء ليبقى على قيد الحياة ويمرر جيناته إلى نسله. مثلاً يجب عليه التعرف على الخطر والتعرف على العناصر المغذية ومصادر الطاقة واستهلاكها وأن يوازن السوائل في جسمه عن طريق تناولها. أنتم تفعلون هذه الأشياء وكذلك الخلايا البكتيرية التي تعيش في الأمعاء الدقيقة.
أن هذا الإدراك يقلب اللغة العلمية للعاطفة رأساً على عقب. وما تسمى وظائف العاطفة في البشر والحيوانات ليست وظائف عاطفة على الإطلاق بل هي مجرد وظائف ضرورية للبقاء واستمرار حياة الفرد والأنواع. ولكن بالنسبة للبشر تكون دارات البقاء في بعض الأحيان مرتبطة بالمشاعر. مع ذلك تعمل الأنظمة التي تكمن وراء هذه الوظائف بشكل مستقل عن المشاعر. أي إن الدارات التي تتحكم بما يسمى ردود أفعال الخوف ليست نفسها مصدر مشاعر الخوف وهذا يثير سؤال وهو كيفية ظهور مشاعر الخوف أو العواطف الأخرى.
اشتهر عالم الأعصاب مايكل جازانيجا في أواخر السبعينات بعمله على مرضى الانقسام الدماغي، وهم مرضى يتم فصل الارتباط بين نصفي أدمغتهم الأيسر والأيمن في محاولة للسيطرة على نوبات الصرع المستعصية. وتوصل إلى العديد من الاكتشافات حيث طور نظريته في الوعي والتي تفيد على أن الوعي وسيلة نطور بها قصة ذاتية نستخدمها لفهم الدوافع والإجراءات التي تنشأ من العمليات غير الواعية في أدمغتنا. ووفقاً لوجهة نظره فأن الكثير مما نقوم به في الحياة يتم التحكم فيه من خلال عمليات غير واعية لا نفهمها إلا من خلال مراقبة وتفسير آثارها في السلوك أو في حالات الجسم الأخرى.
في العقود الأخيرة، أزداد الاهتمام بالوعي من الناحية العلمية وتم إحراز تقدم كبير في متابعة الارتباطات العصبية للوعي، خاصة من خلال التركيز على كيفية خلق الدماغ لمفاهيم واعية استجابة لمنبهات بصرية. ويبدو أن معظم الباحثين في هذا المجال يجمعون على أننا غير واعين بالتمثيلات التي تحدث في القشرة البصرية الأساسية.
غالباً ما يقال أن هذه التمثيلات التي يسيطر عليها الانتباه والتي تتضمن كائنات وذكريات تحدث في مساحة تعرف أحياناً (بالذاكرة العاملة) وتمثل القدرة على الاحتفاظ بالمعلومات بشكل مؤقت في العقل أثناء القيام بالأنشطة العقلية. هناك نظريات مختلفة لتفسير كيفية تحول المعلومات التي تدخل إلى الذاكرة العاملة إلى وعي. إن فهمنا للوعي سيقود إلى فهم ماهية المشاعر. مثلاً مجرد ما يتم توجيه معلومات حول وجود تهديد إلى الذاكرة العاملة سيولد ذلك شعور واعي - قد يكون عاطفة مثل الخوف - لذلك معظم التجارب الواعية تعتمد على الذاكرة العاملة.
لذا دعونا نتابع فكرة أن العواطف البشرية هي تجارب واعية تحدث عندما يقوم المنبه بتوجيه معلومات تتضمن تشغيل عمليات غير واعية إلى الذاكرة العاملة. إن فئة مهمة من العمليات غير الواعية التي تساهم في توليد الشعور هي تلك المرتبطة بوظائف البقاء (وظائف متعلقة بالدفاع ، إدارة الطاقة ، توازن السوائل ، التنظيم الحراري ، التكاثر). وتسمى دارات الدماغ التي تعمل على استباق هذه الوظائف بدارات البقاء. ولكن كيف يمكن أن يؤدي تشغيل نظام البقاء على قيد الحياة في ظروف الخطر الدفاع وبالتالي توليد شعور واعي نسميه الخوف.
إن القدرة على اكتشاف التهديدات والاستجابة لها هي آلية قديمة للبقاء موجودة في جميع الحيوانات ، ومن المحتمل أنها تطور كل من القدرة على الوعي بالخطر والقدرة على تجربة الشعور الداخلي بالخوف استجابة إلى التهديد. إن الدارات التي تكتشف التهديدات وتستجيب لها في ادمغتنا ليست دارات الخوف ولا دارات عاطفية كما أنها لا تصنع المشاعر. غالباً ما توصف الدارات المسؤولة عن البقاء خطأ بأنها دارات عاطفية. لكن هذه الدارات لم تتطور لصنع المشاعر بل وجدت لمساعدة الحيوانات على البقاء على قيد الحياة وبصحة جيدة.
عندما ينشط التهديد أحد هذه الدارات تنشأ حالة تحفيزية في الكائن الحي وتنتشر بجميع أنحاء الدماغ والجسم لتهيئة الكائن للتعامل مع الخطر، كما أن أية احتياجات أو أهداف غير مرتبطة بالتهديد تحل محلها متطلبات الوضع الراهن. وإن الدافع الوحيد هو الحفاظ على الذات. لا تحدث الحالات المحفزة في الثديات فقط، بل حتى في الفقاريات الأخرى واللافقاريات ، وإن تفعيل الدارات الدفاعية يؤثر بشكل كبير على الأنشطة السلوكية وعندما تكون حالة الدافع ذات صلة بالخطر يصبح الكائن حساس ومتجاوب للغاية مع المحفز ويحدث الأمر نفسه إذا كان الحافز متعلق بالطعام أو الشراب أو الجنس.
جميعنا نعلم بأن دماغ الإنسان يمكن أن يواجه المشاعر بالتزامن مع الدوافع ، مع ذلك كل ما نعلمه عن الحيوانات الأخرى هو أن ادمغتها وأجسامها يستجيبان بطرق محددة للمحفز وهذا ما يجعل البعض يعتقد بأنه يمكننا معرفه مشاعر الحيوانات من خلال سلوكها. ولكن كما ذكرنا سابقاً يمكن ان تُحفز حالات دفاعية واستجابات جسدية في البشر دون حدوث مشاعر. أحد الأسباب التي تجعلنا نريد معرفة الوعي لدى الحيوانات هو أن لدينا دوافع لتفسير سلوك الآخرين عندما نتصرف بطريقة معينة وهذا يخدمنا في تعاملنا مع معظم البشر الآخرين. ولأنه لا توجد لدينا طريقة لمعرفة ما الذي يشعرون به وكذلك الحال بالنسبة للأطفال الرضع. تتطور الدارات تحت القشرية التي تتحكم في السلوكيات العاطفية (البقاء على قيد الحياة) في وقت مبكر عن الدارات المعرفية للقشرة ويعتقد الباحثون أن الرضع يتصرفون بعاطفية قبل أن يشعرون بالعواطف فعلاً في حين يجادل البعض بأنه من المستحيل معرفة ما يشعر به الرضع.
حتى إن لم تحل مسألة امتلاك الحيوانات مشاعر خوف أو قلق فأن التقدم في كيفية خلق التهديدات لحالات دفاعية غير واعية في الحيوانات وكيف يمكن تنظيمها من خلال العقاقير أو معالجات سلوكية يمكن أن تساعد العديد من الناس. إن التنظيم الناجح لحالة التحفيز يقلل من الحساسية للمحفز كما يقلل من التفاعل المفرط لمثل هذه المحفزات والذي يحدث في اضطرابات القلق.
لقد كان دارون محقاً عندما قال بأننا قد ورثنا داراتنا من اسلافنا الحيوانات وهي دارات البقاء ويتلخص عملها في كشف حالات معينة والتحكم بالسلوكيات التي تبقينا على قيد الحياة في مواجهة التحديات وتساعدنا على النجاح في ظل وجود الفرص. ولكنه كان مخطئاً بأننا ورثنا حالات عاطفية عقلية مثل مشاعر الخوف من الحيوانات الأخرى. إن المشاعر حالة طفيلية على الوعي والذي يعتمد على العمليات المعرفية المتعلقة بالاهتمام والذاكرة العاملة وجعلها ممكنة من خلال الدوائر القشرية.
لفهم كيفية صنع الدماغ للمشاعر سنأخذ مثالاً لتقريب الصورة وهو طبخ حساء. إن المكونات الشائعة لمعظم أنواع الحساء هي الملح الفلفل والثوم والماء. والآن إذا وضعنا دجاج سيصبح الحساء حساء دجاج من حيث التعريف. وإن كمية الملح والفلفل ستضيف طعم ولكن لا تحدث تغيير جذري في الحساء. يمكن إضافة مكونات أخرى مثل الكرفس والبندورة مع ذلك يبقى الحساء حساء دجاج. في حين أن معجون الكاري سيدفع الطعم بأتجاه مختلف. وان استبدال الدجاج بالروبيان سيغير طابع الحساء مرة أخرى. لاشي من هذه المكونات هي مكونات حساء بحد ذاتها. بل هي أشياء موجودة بشكل مستقل عن الحساء. وكذلك الأمر بالنسبة للمشاعر العاطفية المنبثقة من مكونات غير عاطفية خاصة أنها تنبثق من التحام مكونات غير عاطفية في الوعي. تحدد هذه المكونات وكميتها طبيعة الشعور. وإن الوعاء الذي يتم فيه طهو المشاعر هي الذاكرة العاملة.
إن المكونات الرئيسية للخوف هي المدخلات المباشرة من اللوزة المخية إلى المناطق القشرية ومن ثم إثارة الدماغ بعد ذلك تنتج ردود فعل الجسم ويبدأ السلوك الموجه نحو الهدف. عندما تتجمع معلومات هذه الانشطة المختلفة وخصائصها المشفرة عصبياً في الذاكرة العاملة عن طريق التحكم بالانتباه إلى جانب المعلومات حول التحفيز الخارجي والذكريات طويلة الأمد حول ما يعنيه هذا الحافز سوف ينتج شعور الخوف. سواء كنا نشعر بالقلق أو الخوف أو الرعب أو القلق أو الذعر يعتمد ذلك على خصائص معينة للعوامل الداخلية التي تثار في الدماغ وعوامل من الجسم ومعلومات عن الحافز وسياقه. في وجود هذه المكونات العصبية تظهر المشاعر في وعي مماثل للطريقة التي ينبثق بها جوهر الحساء من مكوناته.
تظهر العواطف الناتجة عن حالات تحفيز غير واعية داخل الوعي من الأسفل إلى الأعلى. ولكن يمكن أن تُبنى العواطف من عمليات معرفية من الأعلى إلى الأسفل دون تدخل مكونات الحافز وهو ما يسمى بالمشاعر الاجتماعية كالرحمة والكرامة والعار. في حين يعتبر الخوف عاطفة من الأسفل إلى الأعلى ولكن يمكن أن تنشأ من الأعلى إلى الأسفل إذا فكرنا بطريقة معينة تنشط حالة الخوف. بالإضافة إلى ذلك يمكن أن يكون لدينا مخاوف فكرية مثل الخوف من الفشل في الحياة أو موتنا النهائي أو الاختطاف من قبل كائنات فضائية.
لكي نفهم مشاعر مثل الخوف والغضب والحزن والمتعة، علينا أولاً أن نفهم كيف تتداخل المكونات غير الواعية والواعية ضمن عملية الوعي. في الوقت الذي يكون فيه الوعي مشكلة صعبة، فليس علينا الانتظار لحلها من أجل احراز تقدم في فهم المشاعر بل هناك الكثير لنتعلمه حول المكونات غير العاطفية وغير الواعية التي تشترك بتكوين المشاعر الواعية لأنها تتشارك إلى حد ما في البشر والحيوانات. يمكننا دراسة هذه العمليات بمختلف الأنواع بغض النظر إن كان لدى هذه الأنواع القدرة على الوعي أو لا. إن السؤال عن مدى امتلاك باقي الحيوانات مشاعر يمكن اختزاله للسؤال التالي: هل تمتلك الحيونات آلية تسمح لها أن تكون واعية بحالة دماغها.
ربما لن نستطيع الإجابة على هذا السؤال ولكن لدينا الكثير لنتعلمه عن مشاعر البشر من خلال معرفة الدعامات غير الواعية في أدمغة الحيوانات الشبيهة بأدمغة البشر .
نشر في 12 آب 2018
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع