1584 مشاهدة
0
0
ينشأ كل إنسان وينشأ خوفه معه ، فهو إحدى السمّات التي تشترك مع السعادة والحزن والدافع والحب والغيرة وغيرهم في بناء الكيان الجمالي الداخلي الذي نتميز به نحن البشر، لكن ما هو الأصل السيكولوجي للخوف؟
تعرف على القصة الجميلة عن جنسنا التي يخبرنا بها شعورنا بالخوف !ينشأ كل إنسان وينشأ خوفه معه ، فهو إحدى السمّات التي تشترك مع السعادة والحزن والدافع والحب والغيرة وغيرهم في بناء الكيان الجمالي الداخلي الذي نتميز به نحن البشر ، لقد خلقنا آلاف الأساطير والقصائد والقصص التي نستخدم بها هذه الهبّات الرائعة من المشاعر المتنوعة ، في الواقع لسنا الوحيدين الذين يمتلكون هذه الخصائص الرائعة إنما نحن نشترك بها مع العديد من اسلافنا كالرئيسيات لكننا امتلكنا القدرات التي يمكننا من خلالها تحويل هذه السمّات الطبيعية إلى كيانات منقسمة وراء كلٍ منها كمّ هائل من القصص المعبرة والأساطير والافكار الفلسفية والانتاجات الشعرية مما أضاف لها نكهتنا الخاصة وجعلنا نتخيلها خاصة بنا فقط
سنتكلم اليوم عن الخوف ، هذا السلوك الذي يبدأ بلعب دوره في حياتنا منذ لحظة ولادتنا وصولا إلى لحظة موتنا ، متزامناً بأشكال مختلفة حسب مراحل حياتنا من الطفولة إلى ما بعد البلوغ
على مدى تاريخنا التطوري ، عاش أسلافنا من الثدييات صراعاً طويلاً مع الطبيعة للبقاء ، لقد عشنا حرب بيولوجية عالمية استمرت قرابة 220 مليون سنة ، واجه أسلافنا بها المخاطر العديدة التي تؤدي إلى الموت الذي يؤدي بدوره إلى الانقراض ، خطر الإفتراس من الحيوانات التي كنا وجبة أساسية لها كالديناصورات كما واجه اسلافنا من البشر اسلافهم من الثدييات آكلات اللحوم ايضاً ، الأوبئة الفتاكة التي تنتقل بين المجاميع عن طريق الحشرات ، الموت بسبب الزواحف والحشرات السامّة كالافاعي والعناكب المنتشرين في مناطق نفوذنا ، السقوط من المرتفعات الذي ظهر مع اسلافنا من الرئيسيات ، الظلام الذي كان مصدر تهديد بسبب استغلال المفترسات والمجاميع الأخرى له من أجل النيّل منا ، الأطعمة التي تنفعنا والأطعمة التي تقتلنا ، الكوارث المناخية المتكررة ، فقدان المكانة الإجتماعية والنبذ من المجموعة وعدم الحصول على شريك للتزواج من اجل ضمان البقاء عن طريق تمرير الجينات ، الهجمات المفاجئة من المجاميع المنافسة ضمن صراع البقاء
خلقّت هذه الضغوط التطورية خطر كبير على فرص بقاء أسلافنا مما جعلهم مقيدين بالانتقاء الطبيعي الذي يسلب فرصة بقاء الأفراد الذين لم يستطيعوا النجاة من هذه المخاطر في بيئة الإسلاف ثم يمنحها إلى الأفراد الذين استطاعوا التكيّف مع هذه الصعاب
لم نكّن نملك نظام تحذيري أولي ضد هذه المخاطر غير نظام الألم الذي يعمل على إرسال رسالة تحذيرية لنا تجعلنا لا نكرر فعل الأمر المسبب له ، لكن الألم لا ينفعنا عندما نكون على لحظات بيننا وبين الموت او عندما يفاجئنا الموت بلا ألم تحذيري مسبق ، يلعب الألم دوره في حالات مثلما تحاول إصلاح الكهرباء بلا وسائل حماية وبالتالي تصاب بصعقة كهربائية يترجمها جهازك العصبي إلى ألم لكي تتعلم درسك وتستخدم وسائل الحماية مستقبلاً ، أما لو كنت تمتلك خوف غريزي مقابل للألم تجاه الكهرباء كنت ستستعمل الحماية من البداية لأنك تملك خوف غريزي ، فلا تنتظر أن يخبرك الألم بذلك او تموت !
إنتهت هذه الضغوط المهددة للبقاء بتطويرنا نظاماً يدعى " الخوف " قد إستطاع الأحتفاظ بمحاولات أسلافنا للتكيف لكي يكون لدينا علم مسبق بالتهديدات التي تهدد حياتنا ، هذا العِلم المسبق ليس مجموعة معلومات تلمح لنا بخطر هذا الشيء إنما آلية غريزية مرتبطة بأستجابة لا إرادية مع نظامنا العصبي - الكيميائي تجعلنا نشعر بشعور بدائي يقول إلينا
" أحمي نفسك ! لا تذهب هناك ! لا تنظر للأسفل ! لا تقترب من هذا الحيوان ! لا تتناول ذلك ! ذلك مقرف ! '' حتى لو كنا لم نعيش أي تجربة واقعية مسبقة تفعل مخاوفنا
في عالمنا الحديث اليوم لدينا الكثير من العوامل المهددة لنا ، لكننا ما زلنا مقيدين بالهيئة التي صممنا عليها التطور في مسيرتنا للوجود ، في عام 2007 قام مجلس السلامة الوطني في الولايات المتحدة بأعداد قائمة عن المسببات المحتملة للموت وكانت احتمالات موت شخص بحادث مروري هي 1 من اصل 88 ، اما احتمالية موتنا من العناكب هي 1 من اصل 483.457 اما احتمالية موتنا من الافاعي والسحالي فهي1 من أصل 552.522 ، يجب أن نخاف فطرياً من السيارات بدل خوفنا من العناكب والحشرات ومن الكهرباء بدل من الأفاعي والسحالي في عالمنا اليوم ، لكن ادمغتنا ما زالت مبرمجة على التعامل مع التهديدات التي كانت قاتلة لنا في بيئتنا القديمة بدون أي مبرر عقلاني بعيد عن نظام الغريزة ، ولسنا الوحيدين بلّ حتى القردة والكلاب والفئران يشتركون معنا بأغلب مخاوفنا ويظهرون إستجابة مماثلة ، لكننا نتملك ميزة خاصة هي " الثقافة " التي تخلق أسطورة وراء كل شعور خوف منا ثم تورثها عن طريق اللغة مثل القصص التي رويّت عن ما يحدث في الظلام رغم كونّه عبارة عن غياب جسيمات الضوء ( الفوتونات ) ضمن المدى الحساس للبصر ( 400 -700 نانومتر ) التي تكون موجودة أيضاً في الظلام لكن بمدى آخر غير حساس لنا
يمكننا قراءة قصة كوننا عن طريق الضوء الذي ينقلنا بسفرة زمنية إلى الماضي ، ويمكننا ايضاً قراءة قصة مغامرات جنسنا في مسيرتهم نحو الوجود عن طريق ملاحظة مخاوفنا اليوم التي تعكس لنا ما عشناه في ماضينا التطوري
فإن إختلاف مخاوفنا بالتزامن مع مرحلتنا العمرية مرتبط بالمخاطر التي كنا نعيشها قبل ملايين السنين !
بالأيام الأولى : يشعر الأطفال الرضع الغير قادرين على الحركة والدفاع عن أنفسهم بالخوف نتيجة خطر غياب مقدمي رعاية ووجود غرباء معاديين
سِن الرابعة إلى السادسة : يطورون الأطفال خوفهم من المرتفعات والهوّس بالخوف من الموت والوحوش المختبئة بالظلام وقلق الافتراس من الحيوانات ، الخوف من الأشكال الغريبة الذي ربما كان موروث من أيام صراع اسلافنا من الثدييات الأولى ضد الديناصورات ، كانت نسبة نجاة الاطفال في الماضي ضئيلة بسبب هذه المخاطر مما غرسها بداخلنا لليوم
منتصف الطفولة المتأخرة : تظهر المخاوف من العدوى والأمراض والإصابات والحوادث
في فترة المراهقة : هذه الفترة هي مرحلة مصيرية لأسلافنا في الماضي لأن الفرد الذي حظى بالنجاة من مخاطر الموت في طفولته يبدأ في بناء مستقبل بقائه من خلال بمجموعته الإجتماعية التي يكون المراهق بها مشروع فرد إنتاجي جديد ، حيث يجب أن يثبت تميزه على الآخرين وأن يخلق علاقات إجتماعية واسعة وأن يمتلك المهارات التي ينفع بها مجموعته لكي يكون له مكانة إجتماعية مقبولة تمكنه من إيجاد شريكة للتزاوج ، أن الجانب المناقض لهذه النجاحات هو فقدان المكانة الإجتماعية والنبذ من المجموعة وعدم إيجاد الشريك المحتمل مما يجعل المراهق خاسراً في مسابقة البقاء ، يحمل مراهقين اليوم هذه السلوكيات نفسها مما يجعلهم يصارعون دوماً من أجل الحفاظ على أصدقائهم وابراز انفسهم بين مجموعتهم ومحاولاتهم نحو جذب الإنتباه
إن مخاوفنا هي اشباح تعيش في جهازنا العصبي لكي تروي لنا قصص ملاحم أجدادنا في حربهم من أجل" ترياق الخلود " الذي هلك كلكامش باحثاً عنه ، في الليلة القادمة التي تكون فيها وحيد بمنزلك وتسمع اصواتاً غريبة تذكر إنها اصوات أشياء سخيفة مثل الرياح او قطرات ماء من صنبور أو جهاز كهربائي لكن الجزء البدائي من دماغك ترجمها إلى مفترسات محتملة قريبة منك ثم ترجمتها معرفتك الثقافية على إنها اشباح او جن او أرواح ، سخّر شعور خوفك للتفكير بما عانّاه أسلافنا في لياليهم الطويلة مع مخاطر موتهم .
إعداد المقال : مهدي أحمد - تصميم : Tommas Alshmani
نشر في 01 تشرين الثاني 2018
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع