Facebook Pixel
522 مشاهدة
0
0
Whatsapp
Facebook Share

فكرة أن يأمر الإنسان فيطاع وينهى فينزجر الآخرون، هي فكرة لذيذة، وإحساس رائع بالقوة والتفوق على الآخرين لا يمكننا إنكاره

مهما حاولنا ادعاء التواضع.. فلا شكّ أننا جميعا نفرح عندما نحصل على سلطة ما.. ولو كانت مجرد سلطة على عشرة أطفال في حضانة في قرية نائية.. فكرة أن يأمر الإنسان فيطاع وينهى فينزجر الآخرون، هي فكرة لذيذة، وإحساس رائع بالقوة والتفوق على الآخرين لا يمكننا إنكاره..

لكن المشكلة تكمن في أن السلطة لا تأتي منفردة.. إنَّما تأتي وهي ممسكة بالمسؤولية يدا بيد.. وهذا ما يعكّر نوعا ما استمتاعنا بالسلطة.. لأنه في حال فشل أولئك الذين تحت سلطتنا.. أو أخطأوا خطأ ما، فسنتحمّل نحن المسؤولية عنهم.. وهذا مزعج جدا.. ومع ذلك، ومع إدراكنا لجزئية المسؤولية هذه، إلا أننا دائما ما نسعى للسلطة بأيدينا وأرجلنا..

حالة أخرى من العلاقات بين البشر.. تكون فيها السلطة مخففة قليلا، وبالطبع مقابل مَسؤولية أخف .. وهي حالة الرقابة.. مثل عريف الصف الدراسي (الطالب المسؤول عن النظام في غياب الأستاذ).. في هذه الحالة، تكون مسؤولية العريف، في أن يطلب من الطلاب التزام الهدوء.. وإن لم يلتزموا فله سلطة تسجيل أسمائهم على السبّورة.. الآن سواء التزم الطلاب أم لم يلتزموا.. فالعريف فعل ما عليه.. ولا يلام كثيرا.. قد يوبّخه الأستاذ قليلا لكن هذا كل شيء.. المسؤول في الأول والآخر هم الطلاب.. ومع ذلك، نحبّ هذه السلطة المخففة أيضا ونتسابق عليها..

الحالة الأخف من هاتين، والتي هي فحوى هذا المقال، هي حالة الرسالة.. وهي أن يتم تكليفك بنقل رسالة معينة إلى أناس معينين ولا شيء غير ذلك.. مسؤوليتك فقط هي نقل الرسالة.. ولا يضيرك.. عمل الناس بفحوى الرسالة أم لم يعملوا .. وليس عليك حتى تسجيل أسمائهم كما في حالة العريف.. فقط، قل كلمتك وامش على رأي خاشقجي.. وعلى الرغم من خلوّ هذه الحالة من أي سلطة حقيقية، إلا أننا نحبّها كبشر.. لأنها تعفينا من أي أثر من المسؤولية وتعطينا نوعا من التفوق الأخلاقي والمعرفي على الناس..

إذا ما أخذنا الحالة الأخيرة في الحسبان، وقررنا ملاحظة سيرة محمد عليه السلام كرسول .. نجد الأمر مختلفا قليلا.. فعلى الرغم من إزاحة كافة المسؤولية عن كاهله، وحقيقة أن القرآن الكريم يمتلئ بآيات من قبيل "ليس عليك هداهم" "لست عليهم بمسيطر" "ما على الرسول إلا البلاغ".. نجد أن الرجل كان يحمّل نفسه كافة المسؤولية عن هداية الناس.. ولم يكن يغمض له جفن ليلا أو نهارا في سبيل هداية الناس.. وإنقاذهم من الضلال الذي هم فيه.. لدرجة أن الله عزّ وجل في آيات عديدة يشفق على هذا النبي مما يفعله بنفسه.. ويطلب منه أن لا يحمّل نفسه ما لا يطيق "فلعلّك باخع نفسك على آثارهم " "طه.. ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى"..

إِلَّا أن المشهد الأبرز في مخيلتي، الذي يُبين العظمة الحقيقية لهذا النبي ويكمل رسم شخصيته، هو ما تسرده آية 41 من سورة النساء.. "فكيف إذا جئنا من كل أُمَّة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا".. تخيل معي.. أنا وأنت ومن نعرفهم ومن لا نعرفهم والبشر الموجودون الآن ومن ماتوا ، ومن سيأتوا لاحقا .. كل هؤلاء المليارات في كفة.. والنبي عليه السلام في كفّة .. وليس هذا فحسب ، بل شهيدا عليهم.. والخطاب الرباني غير موجه للبشر.. بل موجه له هو ، ومقدّم عليهم في الخطاب.. "وجئنا بك على هؤلاء شهيدا"..

هل تخيّلت مكانة هذا النبي عند رَبِّهِ؟ هل تخيلت الفخر الذي قد يصيب إنسانا يوضع في هذا الموضع؟ فماذا كانت ردّة فعله عندما سمع هذه الآية يقرأها صحابي.. يقول الصحابي "فنظرت فإذا عيناه تذرفان"..

في المرة القادمة التي يفكّر فيه شخص بالتقليل من مكانة النبي عليه السلام أو السخرية منه - كما نرى الآن - ، فعليه ربّما أن يستحضر هذا الموقف.. ليرى أين يقف هو ومن في الأرض جميعا.. وأين يقف النبي..

#ديك_الجن
كتابات ديك الجن
نشر في 04 كانون الأول 2018
QR Code
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع