1277 مشاهدة
0
0
إحسان الظن إلى درجة اعتقاد أن جميع الناس ملائكة سذاجة ما بعدها سذاجة! وإساءة الظن إلى درجة اعتقاد أن جميع الناس شياطين خبث ما بعده خبث!
من سرقَ الفأس ؟يقول الراوي:
لم أعثر على فأسي، فاشتبهتُ بأن جاري قد سرقه مني، فبدأتُ أراقبه عن كثب! كانت مشيته مشية سارق فأس، وكلامه كلام سارق فأس! حتى حركاته وإشارات يده توحي أن لا أحد غيره قد سرقَ فأسي!
أمضيتُ تلك الليلة حزيناً ولم أعرف كيف أنام وأنا أفكر بأي طريقة أواجهه، ولكني في الصباح الباكر عثرتُ على فأسي، كان ابني الصغير قد وضع كومة من القش فوقه!
نظرتُ إلى جاري في اليوم التالي، فلم أجد فيه شيئاً يشبه سارق فأس، لا مشيته ولا كلامه ولا إشارات يديه، كان كالأبرياء تماماً!
فأدركتُ لحظتذاك بأني أنا من كان اللص، لقد سرقتُ من جاري أمانتت وذمته، وسرقتُ من عمري ليلة كاملة أمضيتها ساهراً أفكِّر كيف أواجه بالتهمة رجلاً بريئاً منها!
من هذه القصة يمكن أن نستخلص عدة دروس، أهمها:
الدرس الأول:
مشاعرنا تحكم على نظرتنا إلى الحياة! نحن عندما نحب لا نرى إلا حسنات الذين نحبهم، أو لعلنا حين نرى السيئات نوهم أنفسنا بأننا لا نرى، وعندما نكره لا نرى إلا السيئات، حتى عندما نرى الخير نوهم أنفسنا أيضاً بأننا لا نرى، الحقيقة التي نتجاهلها جميعاً ونحاول أن نهرب منها هي أننا نرى العالم بقلوبنا أكثر مما نراه بعقولنا وعيوننا!
الدرس الثاني:
لحظة شك بأن الجار هو سارق الفأس جعلته يبدو كذلك فعلاً، ولحظة يقين تبين بعدها أنه ليس السارق جعلته يبدو بريئاً! في كثير من الأحيان نحن نصنع أوهامنا، ونحن الذين نصنع قيودنا وأغلالنا، لو تأملنا في كثير من مشاكلنا لاكتشفنا أننا ضحايا أنفسنا!
الدرس الثالث:
الإنسان حين يصدر حكماً على قضية ما، فإنه لا يشرح للآخرين حقيقة هذه القضية بقدر ما يشرح لهم حقيقته هو! نحن نصدر أحكامنا بناءً على مبادئنا وأفكارنا وقيمنا ومعتقداتنا، لهذا بالضبط تختلف أحكام الناس في قضية واحدة! القضية هي القضية ولكن المسطرة التي يقيس بها الناس تختلف، لهذا لا تحدثني عن نفسك، مواقفك من قضايا الآخرين تخبرني أي إنسان أنت!
الدرس الرابع:
إحسان الظن إلى درجة اعتقاد أن جميع الناس ملائكة سذاجة ما بعدها سذاجة! وإساءة الظن إلى درجة اعتقاد أن جميع الناس شياطين خبث ما بعده خبث! بل على الإنسان أن يعيش بظنه بين قولين، قول الله تعالى، وقول العرب، يقول الله تعالى "إن بعض الظن إثم" ولم يقل كله، لأنه أرادنا أن لا نكون ساذجين ولا خبثاء! وتقول العرب: سوء الظن من حُسن الفِطن! وهم يقصدون بهذا أن الإنسان عليه أن يلتقط الإشارات ويتأمل في الناس ويتفرس، فمن شاهدته قد غدر بغيرك فلا تأمن له فهذا من حُسن العقل وتمام الفطنة ولا يقصدون بها أن كُن مريضاً ذكياً لا تأمن من الناس أحداً!
أدهم شرقاوي / صحيفة الوطن القطرية
30. 12. 2018
http://www.al-watan.com/Writer/id/11593
.
نشر في 30 كانون الأول 2018
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع