Facebook Pixel
عدو أم مختلف
976 مشاهدة
0
0
Whatsapp
Facebook Share

باتت قضية الرأي وحرية الاعتقاد مسألة مقدسة وعلامة فارقة لتمييز الدول المتحضرة عن الدول المتخلفة، وحتى لتمييز الإنسان الواعي المتزن المنفتح عن الإنسان المتشدد الرافض

عدو أم مختلف

قتل المرتد: يكاد يكون حكم قتل المرتد من أكثر الإشكالات التي يتم رمي الجيل الباحث عن مغزى وجوهر الرسالة بها، خاصة في بيئة متعددة الثقافات والديانات

باتت قضية الرأي وحرية الاعتقاد مسألة مقدسة وعلامة فارقة لتمييز الدول المتحضرة عن الدول المتخلفة، وحتى لتمييز الإنسان الواعي المتزن المنفتح عن الإنسان المتشدد الرافض لكل ماهو مختلف عنه وفق معايير هذا الزمان

سمعت حواراً طيباً بين أحد الشباب الذين لايزال هذا السؤال ملحاً في ذهنهم، وبين رجل آخر، فالشاب يرى بعينه المجال الواسع لحرية الاعتقاد التي يحظى بها في أوروبا مقارنةً بحكم واضح بقتل المرتد
قال الشاب: قرأت كثيراً عن فحوى الحكم، وكيف يجب إمهال المرتد ثلاثة أيام، ومناظرته والإجابة على أسئلته، وقرأت شروحاً طويلةً تصوّر خطر المرتد على الأمة ككيان كامل، وتصوّر قتله ضرورة ملحة بل وتضعه في خانة الخيانة العظمى التي تقوم الدول اليوم بإعدام من يقوم بها
ولكن التشبيه ظالم وغير مقنع، ويحيط عملية القتل بهالة لتنعيم صورتها وجعلها منطقية، ولكن في نهاية الأمر أنت تريد قتل من قرر ترك الإسلام!
ولو أتيحت الفرصة لنا كمسلمين لقتلناه!
وكيف نجمع هذا الحكم، مع كل آيات التخيير في القرآن الكريم! وهل من المعقول أن تكون الدعوة بالحسنى والموعظة وبدون إكراه، وما إن يستجيب لها أحد نقتله إن خرج؟

أجابه الرجل:
المسألة على مرحتلين، المرحلة الأولى حكم المرتد في ذاك العصر، الدول وقتها كانت تقوم على أسس دينية/عرقية لا جغرافية أو سياسية
فالقبائل التي كانت على الوثنية دخلت تلقائياً في حلف قريش، والقبائل التي اعتنقت الإسلام دخلت في حلف المدينة
الدولة البيزنطية كانت مسيحية، والفرس كانوا مجوساً وهكذا
إذاً فتشبيه المسألة بالخيانة وقتها كان صحيحاً

بالمقابل، كانت الصراعات تأخذ شكلاً دينياً، منذ ذلك العصر وووصولاً للحرب العالمية الأولى، فالمسلمون والفرس كانوا في حالة حرب، وحتى بعد سقوط دولة الفرس قام أبو لؤلؤة المجوسي بقتل سيدنا عمر
والانتقال مثلاً من الإسلام للمجوسية، كان انتقالاً من معسكر إلى معسكر خصم مقاتل، انتقال إلى صفوف العدو، فالدين كان يحدد العدو المرحلي وقتها

والمسلمون كانوا في حالة حرب مع الوثنيين، والانتقال من الإسلام إلى الوثنية ينقلك تلقائياً إلى المعسكر الآخر ويفرض عليك حرب المسلمين
ولاتنسى أن الوثني الذي كان يعتنق الإسلام يتعرض للقتل والتعذيب من قبل المشركين، فقتل المرتد في تلك الحقبة كان منطقياً وطبيعياً بل ومن سنن ذلك العصر

أما اليوم، هل الأديان في حالة حرب؟
هل شاهدت فلم american history x؟
الفلم يحكي حقبة الصراع العرقي العنصري بين البيض والسود في أمريكا، وحين دخل إدوارد السجن، كان هناك مجموعتان متحاربتان من البيض والسود بالإضافة لنزلاء عاديين وقطاع طرق وتجار مخدرات
وفي اللحظة التي خلع فيها إدوارد قميصه لتظهر وشوم النازية على جسده فقد انتقل تلقائياً إلى معسكر البيض المقاتل لمجموعة السود، وليصبح هدفاً مشروعاً للسود
الانتماء العرقي في الفلم كان يحدد المعسكر الذي تنتمي له ولتدخل مباشرة في المعركة القائمة

هذا كان حال ذلك العصر، الدين يحدد العدو والمعركة
أما اليوم، فالصراع ليس دينياً أبداً، مهما حاولوا إقناعك بذلك! فالصراع سياسي وعلى الموارد والثروات، كثير من دول إفريقيا المسيحية تم سحقها ونهب ثرواتها من قبل دول أوروبية مسيحية

هذه هي المرحلة الأولى من المسالة، أما الثانية تقودنا للسؤال، هل الانتقال الديني اليوم ينقلك من معسكر إلى آخر؟ أو يجعلك هدفاً مشروعاً لغير معتنقي هذا الدين؟ بل ويجبرك على قتال الأديان الأخرى؟
هل من غير دينه بات عدواً أم مختلفاً؟
هل كان معك على رقعة الشطرنج وانتقل إلى الجهة المقابلة؟ أم انتقل إلى رقعة أخرى تماماً فيها خصومها وأعداؤها دون أن يرفع راية العداء عليك؟

لاتبحث عن جواب، بل أجب نفسك بنفسك، لن يجرؤ أحد على تعطيل مسألة كحكم المرتد، إلا في حال أراد أحد الملوك في بلد ما ذلك، فسيجتمع مجلس الشيوخ في هذا البلد ليحذفوا كل فتاوي قتل المرتد من مراجعهم

ابحث عن جواب يتماشى مع ما تعتقده وتتبناه، ولئن تلقى الله بجواب بذلت مجهوداً في الحصول عليه وكان خاطئاً
خير ألف مرة من أن تلقى الله بجواب تلقفته من مرجعية وأنت غير مقتنع به، وكان خاطئاً

وربما تلك المرجعية التي استمتّ بالأخذ عنها، تظهر على العلن يوماً ما لتنكص كل خير وعلم قدمته، على مذبح حاكم أو ملك!
من التفكر في الغار
نشر في 16 تشرين الأول 2018
QR Code
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع