Facebook Pixel
2572 مشاهدة
1
0
Whatsapp
Facebook Share

تأملات في سورة طه من أروع ما يكون، الشقاء موجود في هذا العالم كجزء منه، وهو موجود قبل أن يتنزل القرآن وبعد أن تنزل وسيبقى كذلك إلى أن تقوم القيامة

"طه، ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى..."
لكن هذا العالم مليء بالشقاء والتعاسة يا رب..
ماذا عنه؟ كيف نتعامل معه؟
الشقاء موجود في هذا العالم، كجزء منه. هو موجود قبل أن يتنزل القرآن وبعد أن تنزل وفي الغالب سيبقى كذلك إلى أن تقوم القيامة.
الشقاء والسعادة والمرض والصحة والجهل والمعرفة والكفر والإيمان والحب والحقد ، كل شيء وضده موجود......كل شيء موجود في هذا العالم ، كلها تشكل هذا العالم كما نعرفه. ربما النسب ليست متساوية، ربما الشقاء أوضح في الكثير من الأحيان..هذه هي الحياة، للأسف....
لكن ماذا عن القرآن؟ لماذا تبدأ السورة هكذا، بنفي ارتباط القرآن بالشقاء... هل هناك شك في هذا؟ هل هناك ما أوحى إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، أو إلى المسلمين من حوله، بذلك؟
غالبا نعم...
السورة نزلت في الفترة المكية كما هو معلوم...وكان المسلمون قد تعرضوا في هذه الفترة إلى الكثير من الشدة والتضييق وصولا إلى التعذيب المباشر...
ولعل الأمر بدأ من كفار قريش وهم يقولون للمسلمين: لقد اشقاكم هذا القرآن...
ولعل البعض من المسلمين كان ينظر إلى الأمور، ..ويخيل له أن هذا الشقاء أمر ملازم للإيمان...
السورة تقول في مطلعها أن لا نتمادى في ذلك. الشقاء قد يحدث. لكنه ليس هدفا بحد ذاته ولا مقصدا، هو محض نتيجة عارضة وعابرة.
يسهل على البعض أن يعيش الدور، دور الشقي المظلوم، يبرر لنفسه البقاء فيه بهذه الحجة أو تلك..كي يبقى في الدور..في عدم المواجهة..هناك من ظلمه ..هناك من يتوجه له باللوم...
السورة تقول لنا، لكل من يستسهل العيش في دور المظلوم والضحية: كف عن هذا. اخرج عن هذا الدور. واجه..
السورة- بالمناسبة- لا تقول لنا أن القرآن قد تنزل لكي يجعلنا نشعر بالسعادة..
السعادة يمكن أن تحدث، بل هي تحدث لكثيرين بالفعل، يقدم القرآن لهم مصدرا من مصادر الطمأنينة والسعادة..
لكن هذا مرة أخرى، ليس الهدف منه، بل هو مجرد نتيجة،..
القرآن نزل " تذكرة لمن يخشى"...
وسيكون هناك، في خاتمة السورة تقريبا، شيء آخر عن هذا...
*******
أول مواجهة تعقدها السورة هي مع سيدنا موسى.
موسى كان طريدا بسبب قتل سابق..وكان يمكن أن يبقى داخل هذا الدور، دور القاتل الذي لم يتعمد القتل، المظلوم بـ"حظ سيء" أو بسرعة غضب، المذنب " بالخطأ" الذي سيبقى طريدا منفيا طيلة عمره...
لكن الوحي يأتيه، أن أخلع نعليك أنك بالواد المقدس طوى..
يخرجه الوحي من دوره القديم، دور القاتل المظلوم، ويقدم له دورا مختلفا تماما، دور النبي صاحب الرسالة...ويطلب من هذا " المظلوم سابقا" ..أن يواجه فرعون نفسه...
أعطاه الوحي دوره الجديد، وأعطى لعصاه دورا جديدا أيضا..
*****
لا بد أن صدر موسى قد كان فيه ما فيه وهو يخرج من دور المذنب المظلوم إلى مهمة النبي الرسول...
لا بد ان صدره ضاق الأمر...
وكان الدعاء...دعاء المواجهة...أي مواجهة..
"قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي . وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي . وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي . يَفْقَهُوا قَوْلِي...
أن يتقبل صدره الأمر الذي يطالب به...وأن يكون واضحا في بيان حجته..
وأن يطلب التيسير من الله...
******
لم يكن هذا أول خروج من "مظلومية" في حياة سيدنا موسى..
فقد ولد في مرحلة قتل أطفال بني إسرائيل..ألقته أمه في اليم...ومن ثم سارت الأمور بحيث صار في قصر فرعون..
"ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى.."
دوما هناك قدر يمكن أن يخرجنا من مظلوميتنا..
علينا أن نقبل به..ونتحمله..
******
حتى سحرة فرعون...عندما آمنوا برب موسى، وهددهم فرعون بالتعذيب والصلب...
قالوا له.. "إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ."..كانوا مجبرين على السحر..خرجوا من ظلمهم وواجهوا فرعون...دفعوا الثمن حتما...لكن لكل شيء مهم في الحياة ثمن...وثمن باهظ أحيانا...
لكنهم لم يبقوا أسرى في دور مظلومي فرعون..
******
وعندما عاد موسى إلى قومه، ووجدهم يعبدون العجل الذي صنعه السامري...
هم اتهموا السامري بأنه السبب، وهارون قال أنه لم يفعل شيئا كي لا يفرق بين بني إسرائيل..
حتى السامري، أدعى أنه رأى ما يشبه الملاك، وبعدها سولت له نفسه...
لم يتحمل أحد المسؤولية..
الكل ضحية...
******
منذ أن وسوس إبليس لآدم وزوجه، وهناك من يجد أن الحل هو أن يكون ضحية مظلوما كي يتخلى عن مسؤوليته..
لكن عندما أخرجا من الجنة "قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى"...
لا يضل ولا يشقى...
ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى...
على العكس..
من اتبعه..لا يضل، ولا يشقى..
يمر بالشدائد والصعاب...لكن نظرته لها لن تكون كشقاء...
بل كضريبة..كامتحان...
من اتبعه، لن يضل في دوره، ويبقى في دور الشقي.....
بل سيبحث عن الدور كما جاء في هذا " الهدي"....

#القرآن_360_درجة
#أحمد_خيري_العمري
د.أحمد خيري العمري
نشر في 31 أيّار 2018
QR Code
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع