Facebook Pixel
النصر والعاقبة
1602 مشاهدة
0
0
Whatsapp
Facebook Share

إننا ننظر لأي صعود إسلامي عبر التاريخ، وننسب أنفسنا إليه لنغطي الهزائم والأخطاء، ولكي نظهر بمظهر المنتصر دوماً في النهاية!

النصر والعاقبة:
التاسع من صفر عام 656 هـ
الموافق ل 10 شباط 1258 م

المغول يدخلون بغداد بعد إسقاطهم لدولة الخوارزميين قبلها، ليسقط الخليفة العباسي وتُستباح البلاد
توقف المد المغولي عام 1260 حين استطاع المماليك هزيمة جيشهم وإيقاف تقدمهم في عين جالوت

ونجد نحن كمسلمين عزاءً كبيراً وإغلاقاً لدائرة الظلم حين نقرأ خبر هزيمة المغول في مرحلة لاحقة وطردهم من البلاد

وتزداد رسائل التبشير ورفع المعنويات عند كل هزيمة حاضرة، بتذكيرنا بحوادث تاريخية مشابهة وكيف أننا عدنا وانتصرنا واسترجعنا حقوقنا

إلا أن النظرة الدقيقة للتاريخ تكشف أمراً مخالفاً تماماً، فهزيمة العباسيين مثلاً أنهت وجودهم وسلبت حكمهم ومن أتى لينتصر لاحقاً كانوا من المماليك أي أنهم قوم مختلفون أصلاً، ونصل هنا للسؤال المحوري: هل انتصار المماليك يغسل هزيمة العباسيين كون المماليك مسلمين أيضاً كالعباسيين؟

هل هزيمة العباسيين هي "هزيمة للمسلمين" ومن ثم انتصار المماليك هو "انتصار للمسلمين" وبالتالي هذا الانتصار يمحو تلك الهزيمة؟

وهل يسقط ذنب كل من خان وقصّر من حكّام العباسيين وتسبب بالهزيمة وسمح بحدوث المجازر كون المماليك انتصروا لاحقاً؟

هل يُعفى من المسؤولية والذنب كل قائد عسكري عباسي لم يعد العدة اللازمة وقصّر في واجبه بل وربما خان وسلم المدن دون قتال لتُستباح ذلك لأن المماليك انتصروا لاحقاً؟

الجيل الذي خسر بغداد له وقفة وحساب عسير، فكلّ من قصر قيد شعرة ستكون عاقبته وخيمة وسيحمل دماء الأبرياء في رقبته، أما من بذل ما يستطيع وقاتل وخسر فذلك فقط من لا وزر عليه

الجيل الذي خسر بغداد مسؤول تاريخياً عن هذه الهزيمة النكراء، وانتصار المماليك اللاحق لا يمحو ما اقترفوه، ولا يغسل الدماء التي سالت في شوارع المدن العبّاسية على الإطلاق

حتى لو كان العباسيون هم من رتبوا صفوفهم وأعادوا الهجوم وحرروا مدنهم من المغول فهل سيشفع لهم ذلك مئات آلاف الأرواح التي أزهقها المغول حين دخلوا؟
فما بالك بأن من هزم المغول قوم آخرون أصلاً، وبأن العباسيين انتهوا حرفياً وتم سحقهم إلى غير رجعة بعد دخول المغول

وكذلك الحال مع الجيل الذي خسر القدس ضد الصليبيين، وكذلك الحال مع جيلنا الذي خسر بغداد والقدس والكثير من العواصم والحواضر العربية

حتى لو أتى قوم آخرون بعد سنوات، وانتصروا، فهذا الإنتصار لا يمحي هزيمة اليوم، ولايعفي أي مسؤول من مسؤوليته، ولا يشفع لأي مقصّر في تقصيره

نعم لكل ظالم نهاية، والأدق لكل دولة قوية نهاية، فكما حمل التاريخ نهاية المغول، حمل نهاية العباسيين كذلك! وكما حمل نهاية الحملات الصليبية حمل نهاية المماليك كذلك، فالأمم في صعود ونزول، إلا أننا ننظر لأي صعود إسلامي عبر التاريخ، وننسب أنفسنا إليه لنغطي الهزائم والأخطاء، ولكي نظهر بمظهر المنتصر دوماً في النهاية!
كما يمكن لعدونا أن ينظر إلى التاريخ بطريقة معاكسة أيضاً، مثلاً يقول بأن القدس كانت تحت السيطرة الرومانية، ثم غزاها المسلمون في عهد عمر بن الخطاب، إلا أن الحملات الصليبية استعادتها، ومن ثم غزاها صلاح الدين، إلا أن الإنكليز "أحفاد الرومانيين" استعادوها من جديد

يمكن لي عنق الأحداث التاريخية بسهولة، وتدوير سياقها ليخدم أي فكرة، وليخدم مفهوم "النصر الحتمي" الذي قد يأتي..وقد لا يأتي في هذه الدنيا، ولذلك جعل الله الدار الآخرة لكي ينتصر لمن ظُلم في الدنيا
من التفكر في الغار
نشر في 19 كانون الأول 2017
QR Code
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع