Facebook Pixel
مشكلة توقيت
923 مشاهدة
1
1
Whatsapp
Facebook Share

كل إنسان في العالم يحمل ساعة تعطي قراءة مختلفة عن الآخر، يبدو أن هذه ظاهرة عامة مذهلة، ويبدو لي أن الساعات الوحيدة الدقيقة هي تلك الساعات الذرية التي تعمل بالإيريديوم أو الراديوم أو شيء من هذا القبيل.. ساعات تقيس الفمتو ثانية

نُشر في: 31 أغسطس 2013

أعتقد أن هناك ثلاثة أشياء في العالم لا تتماثل أبداً، ولكل منها شخصية فريدة. بصمات الأصابع لا تتكرر أبداً، ولهذا لم يعد علم البحث الجنائي قبل البصمات كما كان قبله.. بصمة العين لا تتكرر أبداً وهذا يعرفه كل ضابط جوازات في العالم.. أما الشيء الثالث الذي لا يتطابق أبداً فهو ساعات معصم الناس، كل إنسان في العالم يحمل ساعة تعطي قراءة مختلفة عن الآخر، يبدو أن هذه ظاهرة عامة مذهلة، ويبدو لي أن الساعات الوحيدة الدقيقة هي تلك الساعات الذرية التي تعمل بالإيريديوم أو الراديوم أو شيء من هذا القبيل.. ساعات تقيس الفمتو ثانية..

أما بالنسبة لنا نحن رجال الشارع فلنا الله، لأن الساعات تفرقنا بشكل مذهل..

أمس ذهبت لمحطة القطار للسفر.. توجهت إلى الرصيف وساعتي تشير إلى أن القطار لن يصل قبل ربع ساعة.. قالوا لي في حسرة إن القطار جاء ورحل منذ خمس دقائق، وقالوا لي إن ساعتي تالفة بالتأكيد، هذا يحدث كثيراً.. لكن للأسف كانت ساعة المحطة العتيقة التي يبدو أن رمسيس الثاني هو الذي بناها.. كانت تشير إلى أن القطار يصل بعد نصف ساعة.. قصدت متجراً لبيع الساعات لإصلاح هذا الخلل.. عند الواجهة وجدت في هلع أن كل ساعة معروضة تشير لوقت مختلف. قام صانع الساعات بضبط ساعتي وأكد لي أن هذا هو توقيت ساعة الراديو.. ليس عليّ أن أقلق.. جاء موعد لقائي مع حبيبتي.. إنه في الثالثة عصراً بالضبط في أكثر بقاع المدينة حراً وحيث الشمس عمودية تماماً، هي ترى أن هذا رومانسي لأنه يذكرها بعبدالحليم حافظ في فيلم (موعد غرام)، ذهبت هناك ووقفت أنتظر حتى بدأ الدهن في عنقي يذوب.. أم أن هذا هو مخي يسيل تحت الجلد؟ يمكنهم الآن أن يأخذوا مني طاقة حرارية تشغل مفاعلاً.. نصف ساعة بلا جدوى. سألت أحد المارة عن الساعة لأنني توقعت أن ساعتي غير دقيقة، فقال لي إنها الرابعة، اتصلت بحبيبتي فانطلقت في فيض من السباب الذي لا يمكن نشره هنا، ثم صارحتني أنها عرفت شاباً لطيفاً عاكسها وهي تنتظرني وقد انصرفت معه، وعلى الأرجح سوف يتزوجان يوم الخميس القادم. حصلت على موعد في عيادة الطبيب لأن الشمس أذابت مخي.. لا أعرف معنى ضربة شمس لكن لابد أنها ما أشعر به الآن، قمت بضبط ساعتي من جديد وذهبت لعيادة الطبيب قبل الموعد بنصف ساعة، تأخر الطبيب ساعتين، ثم ظهر وهو يجري مرتبكاً وهتف معتذراً:
- «معذرة.. إنها الساعة اللعينة.. أخبرتني أن الوقت ما زال مبكراً»

ظللت أنتظر بعض الوقت.. هنا اقتحم المكان شاب نحيل يضع جورب أمه على رأسه وفي يده مسدس، وصاح بصوت مرتعش:

- «لا يتحركن أحد وإلا قمنا بتصفيته.. لقد جئنا لنسطو على هذه العيادة».

سطو على عيادة؟.. غريب بعض الشيء، ظلت الممرضة تنظر له في برود مع نوع من الدهشة باعتباره أحمق، وسألته:

- «تسطون؟.. من أنتم؟»

نظر حوله في جنون ثم نظر لساعته، وضرب خده:

- «الحمقى!.. لقد اتفقنا على السابعة مساء لتنفيذ العملية.. لم يأت أحدهم بعد».

- «إنها السادسة والنصف يا نور عيني.. هل تحب أن تنتظر قدوم رفاقك؟»

- «لا داعي..».

وانطلق يركض هارباً بعد ما فقد حماسته.. لابد أنه يعاني نوعاً من الخجل يمنعه من القيام بعملية سطو وحده، الافتقار للثقة بالنفس خطير فعلاً ويضع منك فرصاً ممتازة، انشغلت الممرضة بطلب الشرطة من أجل البلهاء الذين سيأتون في السابعة لو كانت ساعاتهم مضبوطة، فوعدوها أن يأتوا خلال ربع ساعة.. بالطبع استغرق هذا ساعة، وأنت تعرف أن ساعة اللصوص لم تكن دقيقة بدورها، هكذا جاءوا بعد غلق العيادة، وهكذا لم يجدوا ما يفعلون فتناولوا عشاء دسماً في مطعم الشطائر تحت العيادة وعادوا لبيوتهم.

قرأت في صحف المساء أن عملية إرهابية مروعة قد وقعت.. انفجرت قنبلة زمنية وضعت تحت سيارة مرفق المجاري المتوقفة، وقد تناثرت المجاري في كل صوب لتغرق الحي. قال الشهود إنهم رأوا رجلاً يضرب الآخر علقة ساخنة بجوار موقع الانفجار.. كان يقول له:

- «حمار!... قلت إن سيارة وزير الإشعاعات الكونية ستتوقف هنا في تمام العاشرة مساء!.. لقد أخطأت في ضبط الساعة!»

قلت لك إن الساعات مشكلة حقيقية.. أنا أنتظر عودة حبيبتي لي عندما تدرك أن حبيبها الجديد لم يأت في موعد الزفاف.. من قال إن ساعته سليمة هو الآخر ؟.
روايات مصريـة
نشر في 26 آب 2019
QR Code
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع