Facebook Pixel
مذكرات مخرج إعلانات
1158 مشاهدة
0
0
Whatsapp
Facebook Share

أنا عبقري بالتأكيد أنا كذلك ولكن عبقريتي هذه تربك الجميع فلا أحد يمكنه فهم أسلوبي المبتكر ولا حاستي المرهفة ، ولا أحد يستوعب إصراري الشديد علي الواقعية الإعلانية

السبت 26 ديسمبر

- أنا عبقري ..
بالتأكيد أنا كذلك ..
ولكن عبقريتي هذه تربك الجميع فلا أحد يمكنه فهم أسلوبي المبتكر ولا حاستي
المرهفة ، ولا أحد يستوعب إصراري الشديد علي الواقعية الإعلانية (وهذا
المصطلح الأخير من ابتكاري شخصيا).
ولهذا أراد تصوير مشهد سقوط البطلة ، من الدور التاسع ، داخل الأستوديو مع
وضع خلفية سينمائية لمشهد الشارع ولكنني رفضت هذا رفضاً باتاً - بصفتي مساعده
.. وقلت إن الواقعية تقتضى إلقاء البطلة من الدور التاسع بالفعل ووضع وسادة
كبيرة أو مرتبة قوية أسفل البناية لاستقبالها ...
وكانت الكارثة ..
قال الأستاذ صلاح إنني معتوه وقالت البطلة: إننى سادي وحشي وكلمات أخرى لم
أفهمها ، ولكنني أظنها نوعا من السباب أو الشتائم ..
المهم أن كلا منا قد أصر علي رأيه ولم يحتمل المخرج (أبو خنجر) أن أتفوق
عليه فنيا فطردني من العمل ..
ولكن هذا لا يهمني ..
سأثبت لهم أنني الأفضل ، وسأفتتح شركة إعلانات خاصة ..
وسنرى من الأفضل..

* * *

الثلاثاء 29 ديسمبر

اليوم افتتحت المكتب الذي استنفذت كل ثروتي في استئجاره والإعلان عنه في
الصحف..
الآن فقط ستبرز موهبتي وعبقريتي ويعلم العالم كله من أنا ..
ولقد وقعت اليوم ، وبعد ساعة واحدة من افتتاح المكتب أو عقد لعمل إعلانى
تليفزيوني ، لحساب شركة مستحضرات تجميل جديدة ..
وقررت دخول المعركة بكل قواي ..
سأثبت لهم أنني عبقري الإعلانات ..
وسيرون ..

* * *

الأربعاء 30 ديسمبر

اليوم بدأت تصوير أول إعلاناتي المبتكرة وهو إعلان فكرته العبقرية - كمعظم
أفكاري - فسترتدي فتاة الإعلان (لولو) ثوب سهرة ، وترش شعرها بمثبت الشعر
الجديد الذي أنتجته شركة (الوجه الحسن) لمستحضرات التجميل ثم تتجه إلى
البحر وتقفز فيه وتسبح وسط الأمواج وهي مبتسمة ثم تخرج من البحر وتشير إلى
شعرها بابتسامة جذابة قائلة:
- انظروا .. مازالت تصفيفة شعري كما هي ..
إعلان عبقري .. أليس كذلك؟
وطلبت من (لولو) أن تستعد لتصوير المشهد علي شاطئ البحر ولكنها اعترضت
وراحت تلقي الحجج الواهية ..
السماء تمطر .. الطقس شديد البرودة ..
كلها حجج تشف عن التكاسل والتقاعس
ولكن هيهات ..
لابد أن يكون الإعلان واقعيا طبيعياً..
وحاول مساعدي أن يتدخل وراح يرجوني أن نستخدم خلفية سينمائية مع بعض الماء
الدافئ ولكنني رفضت في إصرار وحملت كل الأدوات - مع (لولو) - إلى البحر ..
وعلي الرغم من اعتراضات (لولو) لم يكن إمامها مفر من أن ترتدي ثوب السهرة
وترش شعرها بمثبت (الوجه الحسن) للشعر ثم قرأت الشهادتين وألقت نفسها في
البحر وخرجت منه تقول :
- إن .. إن .. انظروا .. مازال .. زال .. زالت .. تص .. تص ..
- (ستوب) .. ما معنى هذا ؟
أضاعت (لولو) وقتا ثمينا آخر لكي تشرح لي بصوت مرتجف وأسنان تصطك بعضها
ببعض أنها تكاد تتجمد برداً وأن كلماتها ترتجف .. و..
رفضت هذا المنطق المدلل في إصرار واعدت تصوير المشهد وفي هذه المرة خرجت
(لولو) وابتسمت في صعوبة وهي تقول :
- انظروا .. مازالت تصفيفة شعري .. اتشو.
صرخت مرة أخرى:
- (ستوب) .. هذه العطسة أفسدت المشهد .. سنعيد التصوير.
غطست (لولو) مرة ثانية في البحر وخرجت بابتسامة باهتة وراحت تتطوح علي نحو
سخيف حتى وصلت إلى النقطة المطلوبة وقالت :
- انظروا .. مازالت تصفيفة شعري كما ..
صرخت مقاطعاً:
- (ستوب).
هتفت في غضب:
- أنت قاطعتني هذه المرة .. كنت سأقول الجملة الصحيحة.
تجاهلت اعتراضها وأنا أسألها في حدة:
- لماذا تضعين طلاء شفاه أزرق اللون؟
قالت في حدة مماثلة:
- لقد ذاب طلاء الشفاه في الماء وشفتي زرقاء من شدة البرد.
لم يقنعني منطقها وطالبتها بوضع طلاء شفاه وردي ثم عادت تغطس مرة أخرى في
الماء ، ولكنها خرجت من البحر زائغة العينين ولم تستطع ان تقول أكثر من :
- أنظروا .. مازالت تص .. تص ..
ثم سقطت علي وجهها ..
وكدت انفجر غيظا من هذا الإهمال وطالبتها بإعادة المشهد مرة أخرى وعاونها
مساعدي ومدير التصوير علي النهوض واتجهت مترنحة نحو البحر وغطست واستعدت
آلات التصوير لالتقاط مشهد خروج (لولو) من الماء ..
وانتظرنا ..
ولم تخرج (لولو) ..
وثرت ورحت ألعن الجميع واعتبرت أن (لولو) متهربة من التصوير برغم تقاضيها
نصف أجرها مقدماً في حين بدا الجميع شديدي القلق (ولست أدري لماذا) ولم يكن
أمامنا في النهاية إلا أن نؤجل التصوير إلى اليوم التالي..

* * *

الخميس 31 ديسمبر

مازالت (لولو) مفقودة ، وقد أبلغت الشرطة لأسترجع نصف الأجر الذي دفعته قبل
التصوير ولكنني كنت احتاج إلى فتاة إعلان أخرى ولقد أحضر مساعدي فتاة إعلان
جديدة اسمها (فوفي) ولكنه همس لي أنها مصابة بحساسية شديدة من مياه البحار
والأنهار والبرك والمستنقعات وكل أنواع المياه الأخرى ..
ولم يكن أمامي سوى تغيير فكرة الإعلان ..
ولقد وضعت فكرة عبقرية جديدة علي الفور..
فتاة تنشر الغسيل فوق السطح ، ثم يصعد إليها حبيبها وعندما تتقدم منه
مبتسمة يهوى علي وجهها بصفة قوية ولكنها تظل مبتسمة وتقول :
- فليكن يا حبيبي .. حتى لو صفعتني ستبقى تصفيفة شعري كما هي .
إعلان عبقري ومبتكر ..
وبدأنا التصوير فوق سطح منزل من طابقين واستعنت بشاب إعلاني وسيم له عضلات
مفتولة يدعي (برعي) وبدأت (فوفي) تنشر الغسيل ثم صعد إليها (برعي) فاتجهت
إليه مبتسمة وهوى (برعي) علي وجهها بصفعة قوية كما طلبت منه ..
وفجأة اختفت (فوفي) من كادر التصوير ..
وصرخت في غضب:
- أين بطلة الإعلان؟
رأيتها تنهض من الطرف الآخر للسطوح ، وخدها احمر في لون الدم وادعت أن صفعة
(برعي) هي التي ألقت بها هناك ، ولكنني أفهمتها أنني رجل جاد ولست أحب تلك
الأعذار الواهية ، فطلبت مني أن يتظاهر (برعي) بصفعها فحسب ، ولكنني ثرت ،
وقلت لها أنني مخرج واقعي ..
ولم يكن أمامها سوى الرضوخ..
وفي المرة الثانية هوى (برعي) علي وجهها فاختفت أيضا من الكادر ووجدناها
هذه المرة في عشة فراخ قريبة ..
وهنا تفتق ذهني العبقري عن فكرة رائعة ..
طلبت من (برعي) أن يمسك ذراعها بيده اليسرى ويصفعها بيده اليمنى حتى لا
يمكنها الخروج من الكادر ..
وأطاعني (برعي) كعادته..
ممتاز هذا الشاب ..
وهوى علي وجه (فوفي) بصفعة هائلة ، وهو يمسك ذراعها بيده اليسرى في إحكام ،
ولم تخرج الفتاة من الكادر ، فصرخت أنا في حماس :
- رائع يا (برعي) .. رائع.
وانتقل الحماس إلى (برعي) فصفعها مرة ثانية وثالثة ورابعة ثم لكمها في
أنفها وحملها بين ذراعيه وألقاها من الطابق الثاني ..
واستغلت (فوفي) هذا الخطأ البسيط لترفض استكمال تصوير الإعلان بل لقد تمادت
في عنادها وتظاهرت بأن ساقيها قد كسرتا واتقانا للحجة وضعت ساقيها في الجبس
بالفعل..
ولكن هيهات..
سأبلغ الشرطة عنها أيضا وأستعيد نصف الأجر ..
أنه حقي ..

* * *

السبت 2 يناير

لست أدري لماذا ترفض جميع فتيات الإعلانات العمل معي !!
إنها مؤامرة بالتأكيد ..
لقد غار الجميع من عبقريتي ونقلوا حقدهم هذا إلى فتيات الإعلانات ..
ولكن هذا لا يهمني ..
لست احتاج إلى فتاة إعلان محترفة سأستعين بأية فتاة عادية وأجعل منها فتاة
إعلان لأثبت لهم أن عبقريتي وحدها تصنع النجاح ..
ولقد عثرت صباح اليوم علي ضالتي ..
اسمها (نفيسة)..
(نفيسة العمشة) ، ولكن هذا الاسم لا يروق لي ..
إنه ليس متألقاً أو جذاباً ، من الناحية الفنية ، ولقد طلبت منها تغييره
ووافقت بالطبع واسمها منذ اليوم هو (نفوسة العمشة) ..
اسم سينمائي جذاب..
و(نفوسة) هذه فتاة رائعة ستصبح أشهر فتاة إعلان في الشرق الأوسط كله ..
صحيح أنها قصيرة ممتلئة وشعرها مجعد بشدة وأنفها كبير وعيناها ضيقتان
وشفتاها غليظتان ولكنها باستثناء هذه الأشياء رائعة بكل المقاييس..
واليوم بدأت تصوير أول إعلان مع (نفوسة) ..
إعلان مثبت (الوجه الحسن) للشعر..
و(نفوسة) موهوبة في هذا المجال فالوسيلة الوحيدة لتغيير تصفيفة شعرها
المجعد هي استخدام المطرقة والأزميل أو المنشار الكهربي ..
ولهذا كان الإعلان سهلا ..
لقد رشت (نفوسة) شعرها بمثبت (الوجه الحسن) للشعر ثم سارت في طريق مظلم
وهناك هاجمها بعض اللصوص وراحوا يجذبونها من شعرها ويضربون الأرض برأسها ثم
تركوها وانصرفوا ونهضت وهي تبتسم دون أن تهتز شعرة واحدة من رأسها ..
ونجح تصوير الإعلان في مرتين فحسب وكان من الممكن أن ينجح من المرة الأولى
لولا ذلك الرعب الذي أصاب اللصوص في المرة الأولى عندما رأوا وجه (نفوسة)
في الظلام..
وبدأت تصوير الإعلان الثاني ..
إعلان طلاء الشفاه ..
و(نفوسة) موهوبة أيضا في هذا المجال فشفتها السفلى كبيرة ممطوطة حتى أن
بعضهم يؤكد أنها كانت تسبب لها بعض الصعوبة في طفولتها إذ كانت تتعثر فيها
كلما حاولت المشي ..
المهم أن (نفوسة) قد طلت شفتيها بطلاء (الوجه الحسن) للشفاه واستهلكت في
هذا نصف دستة من أصابع طلاء الشفاه ثم بدأ تصوير الإعلان..
وبدأ الإعلان بلقطة شديدة القرب لشفة (نفوسة) السفلى ثم راحت آلة التصوير
تبتعد في بطء حتى تبرز وجه (نفوسة) كله ..
وأصيب مدير التصوير بالملل وكل ما يملأ الشاشة مجرد لون أحمر ..
وأخيرا ظهر وجه (نفوسة)
وأنفها ..
وبصوتها المميز ، قالت نفوسة:
- طلاء (الوجه الحسن) للشفاه .. هو الطلاء الذي استعمله .
وانتهى تصوير الإعلان ..

* * *

الثلاثاء 5 يناير

انتظرت - في شغف - العرض علي شاشات التليفزيون ..
وعندما تم عرض الإعلان كانت ردود الفعل قوية للغاية فمع طول اللقطة المقربة
لشفة (نفوسة) تصور جميع المشاهدين أن أجهزة التليفزيون قد أصيبت بعطب ..
ثم فجأة ظهر أنف (نفوسة) ليملأ الشاشة كلها وأنطلق صوتها يقول العبارة
المميزة ..
وتفجر الموقف كله ..
صرخ الأطفال ، وفقدت النساء وعيهن وأصيب العجائز بنوبات قلبية..
وأصبح الإعلان حديث مصر كلها
وهذا هو النجاح
الإعلان العبقري هو الإعلان الذي يتحدث عنه الجميع ..
لقد اثبت عبقريتي ..
ونجح الإعلان نجاحاً مبهراً ..
ولكن شركة (الوجه الحسن) لمستحضرات التجميل أفلست ..
يبدو أن منتجاتها لم تكن بالمستوى المناسب..
المهم أنني اجلس الآن في انتظار توقيع عقد الإعلانات التالي ولست اشك في أن
العقود ستنهال علي وعلي (نفوسة)..

* * *

الأربعاء 13 يناير

مازالت انتظر توقيع العقد ..

* * *

السبت 17 أبريل

مازالت انتظر توقيع العقد ..

* * *

الأربعاء 31 يوليو

(نفوسة) أصيبت بانهيار عصبي وأنا مازالت انتظر توقيع العقد ..

* * *

السبت 22 سبتمبر

عرض علي الأستاذ (صلاح أبو خنجر) العمل كساع في مكتبه الجديد ولكنني رفضت
في كبرياء ومازالت انتظر توقيع العقد ..

* * *

الخميس 7 نوفمبر

(نفوسة) انتحرت ومازالت انتظر توقيع العقد ..

* * *

الاثنين 26 ديسمبر

قبلت وظيفة الساعي في مكتب (صلاح بك أبو خنجر)

توقيع/
مخرج إعلانات (سابقا) ..
روايات مصريـة
نشر في 29 أيلول 2016
QR Code
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع