Facebook Pixel
رواية الجن
2084 مشاهدة
0
0
Whatsapp
Facebook Share

هذا تحذير أخير لك، أيها الجنى المشاغب إياك أن تقدم على حماقة أخرى، وإلا كان هذا نهاية وجودك على الأرض أومأ برأسه، دون أن يجيب فأشار مسئول الجن بيده ، صائحاً هيا عد واعتبر هذا إنذارك الأخير

" أنت إذن تقوم بتحضير الجن ..."
قالها ذلك القادم ، فى سخرية ملحوظة ، فرفع الدكتور (فهمى) عينيه إليه ، قائلًا فى صرامة غاضبة :
ـ لا تسخر مما تعجز عن فهمه يا هذا .
اتسعت ابتسامة الرجل الساخرة ، وهو يقول :
ـ أتفهمه أنت ؟!
اعتدل الدكتور (فهمى) ، وعدَّل منظاره الطبى على أنفه ، وهو يقول فى صرامة :
ـ أنت تقف أمام أشهر عالم ، فى فيزياء ما فوق الطبيعيات ، فى جميع المحافل العلمية ...
هزَّ الرجل كتفيه فى استهتار ، وجلس دون أن يدعوه الدكتور (فهمى) لهذا ، وأشار بيده ، قائلًا :
ـ لا داع لتقديم نفسك ... لقد حضرت كل محاضراتك .
قال الدكتور (فهمى) فى دهشة :
ـ كلها ؟!
أومأ الرجل برأسه إيجابًا :
ـ نعم ... كلها .
جذب الدكتور (فهمى) نفسًا عميقًا ، كمن يستعد لخوض نزال ، وهو يقول :
ـ هذا مستحيل ! .... علميًا .
هزَّ الرجل كتفيه مرة أخرى ، قائلًا :
ـ ولم ؟!
أجابه الدكتور (فهمى) متحديًا :
ـ أنا ألقى محاضراتى منذ نصف قرن ، وعمرك ـ حسبما يبدو ـ ولم يتجاوز الأربعين بعد .
التقط الرجل نفسًا عميقًا ، وقال :
ـ شبكة الإنترنت صارت أشبه بآلة زمن .
غمغم الدكتور (فهمى) فى حذر :
ـ أتعنى أن ...
قبل أن يتم تساؤله ، أومأ الرجل برأسه إيجابًا ، وأكمل :
ـ نعم ... لقد طالعت كل محاضراتك ، على شبكة الإنترنت .
صمت الدكتور (فهمى) يتأمله لحظات ، قبل أن يسأله :
ـ ولماذا تهتم بالجن ، ما دمت لا تؤمن بوجودهم ؟!
ابتسم الرجل ابتسامة باهتة ، وهو يقول :
ـ على العكس .. أنا أؤمن بوجودهم تمامًا .
تراجع الدكتور (فهمى) فى دهشة :
ـ ماذا إذن ؟!
بدت له ابتسامة الرجل مخيفة ، وهو يقول :
ـ أنا أؤمن بالجن ، ولكننى لا أؤمن بك أنت .
التقى حاجبا الدكتور (فهمى) ، وهو يغمغم فى حذر شديد :
ـ لماذا أنت هنا إذن ؟!
لوَّح الرجل بذراعه كلها :
ـ لأكشفك .
حدَّق به الدكتور (فهمى) لحظات مستنكرًا ، ثم تراجع فى مقعده ، مرددًا :
ـ تكشفنى ؟! .. أنت ؟!
اعتدل الرجل فى حركة حادة ، وهو يقول فى صرامة :
ـ ولن تكون أول من أكشف خداعه .
تأمَّله الدكتور (فهمى) لحظات فى صمت ، ثم عقد كفيه أمامه ، وتراجع فى مقعده ، وهو يقول :
ـ أرنى كيف ستفعل !
ابتسم الرجل ابتسامة واثقة ، وهو يقول :
ـ أرنى أنت ما تفعله .
صمت الدكتور (فهمى) لحظات أخرى ، ثم قال :
ـ ماذا أخبروك أننى أفعله ؟!
أجابه فى تحد :
ـ تدَّعى تحضير الجن .
هزَّ الدكتور (فهمى) رأسه نفيًا فى بطء :
ـ لم أدع هذا قط .
عاد الرجل يتراجع فى مقعده :
ـ قلت : إنك خبير فى عالم الجن .
أومأ الدكتور (فهمى) برأسه إيجابًا :
ـ هذا صحيح .
قهقه الرجل ضاحكًا فى سخرية ، قبل أن يقول :
ـ وكيف لك هذا ؟! .. هل التقيت شخصيًا بأحد من الجن من قبل ؟!
التقط الدكتور (فهمى) نفسًا عميقًا وقال فى صبر :
ـ ما من عالم فلكى غاص بنفسه فى قلب الشمس ، ولكن عشرات من علماء الفلك ، يستطيعون أن يصفوا بدقة ما يحدث فى قلب الشمس .
أشار الرجل بيده ، قائلًا :
ـ فارق كبير بين هذا وذاك ؛ فالشمس يمكن رؤيتها ، بوساطة المناظير الفلكية ، ومقاييس الطيف ، والنماذج ثلاثية الأبعاد ، وهذا لا ينطبق على عالم الجن .
استغرق الدكتور (فهمى) فى التفكير لحظات ، قبل أن يقول :
ـ وماذا عن قلب الذَّرة ؟! .. جسيمات عديدة تم وصفها بدقة ، قبل أن تراها الميكروسكوبات الإليكترونية بأعوام .
قال الرجل متحديًا :
ـ كانت هناك حسابات رياضية .
هتف الدكتور (فهمى) فى ظفر :
ـ وهذا ينطبق على عالم الجن .
نهض الرجل ، يقول فى حزم صارم :
ـ مستحيل ! .. لأنه ما من معطيات أوَّلية ، يمكن استخدامها ؛ لوضع القوانين الأساسية ... بل ليس هناك من رأى الجن فعليًا .
أجابه الدكتور (فهمى) فى سرعة :
ـ سيدنا (سليمان) عليه السلام فعل .
هزَّ كتفيه ، قائلًا :
ـ إنه نبى .. ثم إنه لم يمنحنا أية معطيات أساسية .
رفع الدكتور (فهمى) سبابته ، قائلًا فى حزم :
ـ فى هذا تخطىء ، وتثبت جهلك يا رجل ... قصة سيدنا (سليمان) أعطتنا الكثير من المعلومات والمعطيات الأساسية ، عن عالم الجن .
بدا الاهتمام على الرجل ، وهو يعاود الجلوس ، متسائلًا :
ـ مثل ماذا ؟!
أجابه الدكتور (فهمى) ، وقد راوده شعور بقرب الانتصار :
ـ مثل أن تواجد الإنس والجن فى مكان واحد ممكن ، كما كان فى بلاط (سليمان) عليه السلام ، وهم يتباحثون فى شأن عرش (بلقيس) .
تراجع الرجل فى مقعده ، وهو يقول فى اهتمام :
ـ هذا صحيح .
واصل الدكتور (فهمى) فى حماس :
ـ الواقعة تثبت أن لديهم علومًا متطورة ؛ بدليل أن أحدهم قال : إنه يستطيع أن يأتى بعرش (بلقيس) ، قبل أن يقوم سيدنا (سليمان) عليه السلام من مكانه .
هزَّ الرجل كتفيه ، قائلًا :
ـ هذا أمر بسيط .
مال الدكتور (فهمى) نحوه ، مردفًا فى حماس :
ـ وهم ليسوا خارقين أو منيعين ؛ لأنه عليه السلام كان يعاقبهم ، وليست لديهم قدرة على معرفة الغيب ؛ لأنه عندما مات ، لم يعلموا إلا عندما أكل النمل عصاه .
ران الصمت عليهما لحظات ، ثم قال الرجل فى استخفاف :
ـ أهذا كل ما تستند إليه ؟!
انعقد حاجبا الدكتور (فهمى) ، وهو يغمغم :
ـ هناك أمور أخرى ، تعجز عن فهمها .
انطلقت ضحكة الرجل عالية ، ساخرة ، مستفزة ، قبل أن ينظر إلى الدكتور (فهمى) ، قائلًا :
ـ أمور أعجز عن فهمها !! ... نفس ما سمعته من كل النصابين .
انتفض جسد الدكتور (فهمى) ، وهو يقول :
ـ إياك أن تصفنى بهذا .
نهض الرجل فى حركة حادة ، وهو يقول فى شراسة :
ـ بم ينبغى أن أصفك إذن ؟! .. بأنك محتال ؟!
هتف الدكتور (فهمى) :
ـ لست محتالًا .
اقترب منه الرجل :
ـ بم تصف نفسك إذن ؟!
صاح الدكتور (فهمى) ، وهو يتراجع :
ـ أنا أحد أشهر علماء هذا المجال .
اقترب الرجل أكثر ، وهو يقول فى لهجة مخيفة :
ـ أى مجال ؟! .. خداع الجهلاء ؟!
تراجع الدكتور (فهمى) ، وهو يقول فى توتر :
ـ من أنت ؟! .. وماذا تريد منى ؟!
واصل الرجل اقترابه ، وحملت عيناه لمحة وحشية ، وهو يقول :
ـ أخبرتك من قبل ... أنا خبير فى كشف أمثالك !
هتف الدكتور (فهمى) ، وهو يلتصق بالجدار :
ـ قلت لك : إننى عالم محترم .
اقترب الرجل منه ، حتى صارت أنفاسه تختلط بأنفاس الدكتور (فهمى) ، ووضع راحتيه على الجدار ، إلى يمين رأسه ويساره ، وهو يقول فى شراسة عجيبة :
ـ كلهم قالوا هذا .
ازدرد الدكتور (فهمى) لعابه فى صعوبة ، وهو يقول فى صوت مبحوح :
ـ سأستدعى الأمن .
قال الرجل فى تحد :
ـ افعل .
غمغم فى توتر شديد :
ـ سيتهمونك بالاعتداء على أستاذ جامعى ، أثناء تأدية عمله .
ابتسم الرجل فى سخرية مرعبة :
ـ ليس لديك عمل اليوم ... لقد راجعت جدولك ، ولست أدرى حقًا ماذا تفعل هنا !!
شعر الدكتور (فهمى) بتوتر شديد يسرى فى كيانه ، وهو يغمغم فى صوت مبحوح :
ـ ما تفعله يندرج تحت بند مخالفة القانون .
اتسعت ابتسامته الشرسة المخيفة :
ـ وماذا عما تفعله أنت ؟!
ثم مال نحوه أكثر :
وأكثر ...
وأكثر ...
وضاقت عيناه فى شدة ...
و ...
" ماذا فعلت أيها التعس ؟!.."
هتف بها الجنى ، المسئول عن العلاقات البشرية ، فغمغم الواقف أمامه فى صرامة :
ـ لقد استفزنى .
بدا لحظة وكأنه سيكتفى بهذا القول ، إلا أنه أضاف فى عصبية :
ـ وتحدانى .
قال مسئول الجن فى غضب :
ـ أيعنى هذا أن تحرقه ؟!
قال الواقف أمامه فى عصبية :
ـ لم يكن أمامى سوى هذا ... ولكن اطمئن ... جثته احترقت عن آخرها ، ولم يبق منها أثر .
قال المسئول فى حدة :
ـ وماذا لو أنه هناك آخرون ؟!
لم يجب ، فاستطرد المسئول فى صرامة :
ـ هذا تحذير أخير لك ، أيها الجنى المشاغب ... إياك أن تقدم على حماقة أخرى ، وإلا كان هذا نهاية وجودك على الأرض .
أومأ برأسه ، دون أن يجيب ، فأشار مسئول الجن بيده ، صائحًا :
ـ هيا ... عد ... واعتبر هذا إنذارك الأخير .
التقط نفسًا عميقًا ، واستدار يواجه الجدار ...
عليه أن يكون حذرًا فى المرات القادمة ...
وأن يتمالك أعصابه ...
عبر الجدار فى خفة ، استعاد بعدها هيئته البشرية ، التى اعتادها ...
هيئة الدكتور (فهمى) .
***
(تمت بحمد الله)
بقلم : د. نبيل فاروق
#قصة_كل_ليلة
روايات مصريـة
نشر في 19 آب 2018
QR Code
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع