Facebook Pixel
260 مشاهدة
0
0
Whatsapp
Facebook Share

العرَّاب أديبنا الراحل صاحب الأساطير الرجل الذي صنع بنفسه أسطورته "الإنسانية" الخالدة مع أناس أحبهم وأحبوه، عرفهم وعرفوه، صادقهم وصادقوه، وأدخلوه بيوتهم بكل ثقة وحب

#من_رسائل_الصفحة
أحمد خالد توفيق .. وأسطورته بين الشباب

العرَّاب .. أديبنا الراحل .. صاحب الأساطير .. الرجل الذي صنع بنفسه أسطورته "الإنسانية" الخالدة مع أناس أحبهم وأحبوه، عرفهم وعرفوه، صادقهم وصادقوه، وأدخلوه بيوتهم بكل ثقة وحب، وقد لا يكونوا في واقع الأمر قد تقابلوا ولو لمرة واحدة في حياتهم.
أديبنا الراحل، سيرته وحياته ومؤلفاته وبداياته وحتى رحيله رحمه الله، كلها أشياء أضحت الآن معروفة للجميع، ولكن في نفس السياق، وفي مشهد جنازته المهيب، يطل علينا السؤال الكبير، لماذا أحبه الشباب لهذه الدرجة؟ ولماذا أعتبره معظمنا، وأنا هنا أتحدث عن نفسي بصفتي واحد من هؤلاء الشباب الذين عاصروه منذ البدايات، لماذا أعتبره معظمنا فرداً عزيزاً من عائلتنا البسيطة، بل أحد المقربين، والذي يوم رحيله أضحينا كمن فقد جانباً من حياته؟

البداية:
أتذكر في يوم ما، أنا وزملائي بالفصل، كنا بالفرقة الإعدادية، وكان لي أكثر من زميل يأتون دائماً إلى المدرسة وهم يحملون في "شنطة" المدرسة كتب الدراسة بجانب اعداد مختلفة من "روايات مصرية للجيب"، وأعتقد كان في كتير جداً من شباب هذه المرحلة يصنعون مثل هذا الفعل، المهم، وجدت زميلي يقول لي:
ـ النهارده جبت لك حاجة جديدة خالص!
فسألته بكل حماس عن هذا الجديد، فأجابني بأنه هناك سلسلة جديدة ظهرت في الأسواق وتدعى "ما وراء الطبيعة" وهي سلسلة "مرعبة" كما قال لي زميلي!
طالعت العدد الأول من هذه السلسة ولم أطق صبراً حتى أصل إلى المنزل، فالتهمته سريعاً وطلعت بخلاصة بسيطة مفادها: هناك كاتب جديد مميز أعلن عن نفسه للتو.

تطور الأمر:
استلهم د.(توفيق) الأفكار الأولية لسلسلته من رموز الرعب الأشهر في التاريخ البشري، ومن الأساطير الخرافية التاريخية، التي حيرت العالم وأبهرته على حدٍ سواء.
في هذا الوقت كان السوق الأدبي لا يحوي مفردات أدب الرعب بالشكل المتعارف عليه، وإنما كانت أعمال لأدباء سبقوه منذ سنوات، ولم تكن بالشهرة او النجاح الكافي لترسخ في أذهان القراء.
وعندما فرض د.(أحمد خالد توفيق) نفسه من خلال سلسلته "ما وراء الطبيعة" في السوق الأدبي، أصبح هناك نمط أدبي جديد متاحاً بين أيدي القراء، ألا وهو أدب الرعب، وأصبح هناك "عرَّاباً" له .. وكان هو أديبنا الراحل ذلك "العرَّاب".
بالرغم من كون السلاسل الأدبية لروايات مصرية للجيب وقتها، كل أبطالها من المدهشين الخارقين، الذين يطيرون ويركلون ويصنعون المستحيل، اختار د.(توفيق) لسلسلته بطلاً طبيباً، طاعناً في السن، واهن الجسد، يمتليء جسده بالعديد من الأمراض، لا يقو على فعل شيء باستثناء "التفكير"، د.(أحمد) جعل بطله ذو ذهن حاد متقد وعقلاً مميزاً يحسن استخدامه، فكان هناك (رفعت إسماعيل)، الكهل الأسطوري، ومن هنا كان الإختلاف والتجديد في أدب (أحمد خالد توفيق).
أخذ نجم (توفيق) يسطع أكثر فأكثر بعد ذلك، وغدت سلسلته "ما وراء الطبيعة" أحد أهم الأعمال المقروءة لدى الشباب، ليبدأ بعدها في صياغة سلسلة أخرى وهي سلسلة "فانتازيا"، وهي لفتاة لا تملك أي ميزة نسبية عن أي بنت سوى أنها لديها عقل مميز تجيد استخدامه، مثقفة، كثيرة القراءة والإطلاع، وذهن حالم بديع يستطيع أن يبحر بكل عذوبة في بحار الفانتازيا.
وكأنما (أحمد خالد توفيق) يلعب على أهم أوتار لدى الشباب من الجنسين، ففي أبطال أعماله يبرز أن القوة ليست كل شيء، وأن العقل الواعي والذهن المتقد المستنير أهم وأفضل الأشياء، وهي التي تصنع البطل الحقيقي، أيضاً يحاول أن يبرز تيمة أن الثقافة والقراءة هي أعظم الأشياء، فكلما كنت مثقفاً كلما كنت بطلاً، وأن العقل المتميز المستنير أعظم مليون مرة من الجمال الثلجي السطحي الذي يخفي تحت قناعه جهل وسطحية قميئة، وهذا ما ظهر بجلاء في (عبير) بطلة سلسلته (فانتازيا).
وبانتشار سلسلة (فانتازيا) بدأ (توفيق) يصنع سلسلة أخرى، يحاول فيها أن يضيف فيها نكهة التخصص الأصلي له، ألا وهو "طب المناطق الحارة" فهو كان أستاذاً لطب المناطق الحارة بجامعة طنطا، فظهرت سلسلته "سافاري" لذلك الطبيب الشاب (علاء عبد العظيم)، الذي يشبه إلى حدٍ بعيد (رفعت إسماعيل) بطل سلسلة (ما وراء الطبيعة).
وفي هذه السلسلة أراد (توفيق) أن يضيف العلم المفيد الذي يعرفه ويعمل به إلى السياق الأدبي، ليصنع روايات قيمة ومفيدة علمياً، تضيف لقارئها الكثير، وفي نفس الوقت لا يمل قارئها من الإبحار أدبياً بها.
في غمرة كل هذا لا نستطيع أن ننسى دوره البالغ الأهمية في ترجمة وإعادة صياغة الأدب العالمي، ليصدر أيضاً من المؤسسة العربية الحديثة تحت عنوان "روايات عالمية للجيب"، فكان (توفيق) ينتقي أفضل الروايات وأقيمها ويختصرها بشكل فريد، ويصيغها في قالب أدبي مميز يحمل بصمته، حتى يقرأها الشباب باستمتاع ولا يملُّون منها.
إذن فهو كاتب يرى أن العقل هو الأساس، يبتعد تماماً عن صناعة البطل الهرقلي الأسطوري الذي يصنع المستحيل ويطوع اللا معقول، بل على العكس، كان يرى في أبطاله أن الثقافة والعلم والذهن المتقد هما الأساس في صناعة أي بطل، وهنا كان بيت القصيد.

التأقلم مع متغيرات المجتمع:
كانت كتابات (توفيق) موجهة بشكل رئيس إلى فئة الشباب، فكان يكتب لهم السلاسل، التي أبطالها عبارة عن أفراد عاديون مثلهم، يشبهونهم في كل شيء، ضعفاء مثلهم، مفتقدون إلى الكثير من الأشياء الحياتية مثلهم، حالمون مثلهم.
لم يتوقف (توفيق) عند ذلك، فقد ترجم للشباب الأعمال الأدبية العالمية في شكل مختصر بسيط شيق، حتى يقرأوه ولا يملُّوا، باختصار هذا الرجل استطاع أن يجعل الشباب يقرأون.
في مقالاته أيضاً كانت معظم كتاباته موجهة بشكل خاص إلى الشباب، أذكر منها مجموعة المقالات التي جُمعت في كتاب بعنوان "قهوة باليورانيوم" وكيف كان يتحدث عن الشباب وأحلامهم، وصاغ ذلك على لسان أحدهم، حيث كان أحد الشباب يقول: "أنا حطيت كل أحلامي على الديسك توب.. معنديش أحلام مؤجلة. بس بأقلب أحلامي زي ما بنقلب الوصلة.. كل شوية أجرب حلم جديد".
كذلك لم ينس في بعض المقالات أن يسرد وبلغة الحنين التي يجيدها، أيام طفولته، وكيف أثَّر أبيه على تكوين شخصيته، وكيف يرى هو الجيل الحالي ومفرداته في جو من المرح وبأسلوب الأب الذي يخاطب أولاده وأحبائه، وأذكر من هذه النوعية مقال بعنوان "نوستالجيا" والذي قال فيه جملته المشهورة: "هل فهمت الآن الحكمة من كون عمر الإنسان لا يتجاوز الثمانين على الأغلب؟ لو عاش الإنسان مائتي عام لجنّ من فرط الحنين إلى أشياء لم يعد لها مكان."
كذلك في رواياته التي كان كل أبطالها من الشباب، وكان يرى هذا الشباب المحطم البائس الذي أثقلته الطموحات وفتنة الأحلام، إلا أنه لم يجد طريق مضيء يصل به إلى تحقيقها، فكانت هناك "يوتوبيا" تلك الرواية الخالدة، أو الديستوبيا المؤلمة والتي ظهرت عام 2008، وكذلك كانت هناك روايات "السنجة" وفي ممر الفئران، ومثل إيكاروس.
لتأتي كل أعماله وكأنما يداعب أحلام الشباب حبيسة الصدور والتي تريد أن تنسم عبير النور، وترتل ترانيم الحياة.
كان يرى في رواياته أن الشباب واقعٌ بين شقي رحى متمثل في أحلام وطموحات بسيطة مثل (السكن والعيش والزواج وخلافه) وبين واقع مؤلم مرير لا يسمح لهم بتحقيق مثل هذه الأماني البسيطة.

توفيق بين الرأي والمبدأ:
على هذا الدرب كان يسير أديبنا الراحل، مخاطباً الشباب في جُل صنيعه. حتى جاءت ثورة يناير 2011 لتكون فرقان كبير في حياة الكثيرين.
منذ اللحظة الأولى لقيام ثورة يناير وأديبنا الراحل قد أخذ موقفه الواضح والصريح منها، فقد أيد موقف الشباب في الثورة، ودافع عن أحلامهم وطموحاتهم في حياة كريمة طيبة، بها عدالة اجتماعية وشفافية في الأمر، بها العدل والمساواة بين جميع طوائف المجتمع.
وعليه فقد كان رحمه الله هذا مبدأه في التعامل مع إرهاصات الثورة، فأخذ على عاتقه تبني موقف الشباب والإنحياز إليهم في كل كتاباته، حتى وإن تسبب ذلك في نقم وسخط البعض عليه، فهذا الرجل لم يتخل عن موقفه ابداً من أجل التقرب من شخوص أو من أجل الفوز بمتاع زائف واه، وعليه فقد آمن به كل من تبعه من الشباب وصدقوه، وأضحى في عيونهم رمزاً وقيمة تعبر عن مكنونات صدورهم.
كان (أحمد خالد توفيق) من القلائل في أرض المحروسة الذين لم تغويهم ندَّاهة القاهرة، فقد ظل على عهده بحب مدينته ومسقط رأسه "طنطا" بمحافظة الغربية، منذ ميلاده وحتى وفاته رحمه الله، بل كان لا يعجبه فرط الزحام في القاهرة، وكان يشفق على قاطنيها من فرط الصخب والإزعاج الدائم وإرتفاع معدلات التلوث بها.

وفي يوم الاثنين الثاني من أبريل من عام 2018 رحل عن عالمنا عرَّاب أدب الرعب (أحمد خالد توفيق) نتيجة مروره بأزمة صحية، وفي الحقيقة لا أجد خيرُ من الكلمات التي خطها هو بنفسه في العدد رقم 53 من سلسلة "ما وراء الطبيعة" والتي تقول:
وداعاً أيها الغريب
كانت إقامتك قصيرة..
لكنها كانت رائعة
عسى أن تجد جنتك التى فتشت عنها كثيراً
نعم فقد رحل عن دنيانا في سلام مخلفاً وراءه معين لا ينضب من الأدب والثقافة، عسى أن يكون قبساً من نور لأجيال وأجيال، لتعرف قصة هذا الرجل وما أحدثه من فارق كبير في خريطة الأدب المصري، خاصةً بين الشباب، أنه الرجل الذي بحق .. جعل الشباب يقرأون.
رحل في سلام وكأنما أخذ من حياتنا جزءاً مع رحيله، فقد كان نعم الصديق والرفيق، حتى وإن لم نلتق.
أرقد في سلام يا عرّاب، وتأكد أننا لن ننساك ما حيينا، لأنك غرست في أرواح الشباب .. أثراً لا يزول .. أبد الدهر

د. أحمد مروان
Ahmed Marwan
#من_رسائل_الصفحة
روايات مصريـة
روايات مصريـة
نشر في 13 نيسان 2018
QR Code
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع