Facebook Pixel
رواية الظلام دامس
1063 مشاهدة
0
0
Whatsapp
Facebook Share

الظلام دامس ويحيط به من كل جانب وعلى الرغم من انعدام الرؤية التام، فقد راح يسير ويسير ويسير بلا هدى وبلا هدف لم يفهم حتى لماذا يفعل هذا؟!

الظلام دامس..
ويحيط به من كل جانب..
وعلى الرغم من انعدام الرؤية التام، فقد راح يسير..
ويسير..
ويسير..
بلا هدى..
وبلا هدف..
لم يفهم حتى لماذا يفعل هذا؟!
لماذا يسير، وهو يجهل حتى أين هو؟!
لماذا؟!
ولكن ما البديل؟!
أن يقف في مكانه بلا حراك؟!
بالطبع لا..
لو اختار ما بين الثبات والحركة، فسيختار حتما الحركة..
هذه طبيعته..
وهذه شخصيته..
ولكن الموقف كله عجيب..
وغريب..
وغامض..
فهو لا يعلم كيف وصل إلى هذا المكان!
ولا متى!
لقد نام في فراشه كالمعتاد، ثم استيقظ ليجد نفسه في هذا المكان..
وعليه الآن أن يعرف..
ويفهم..
ويسير..
فقط يسير..
في هذا الظلام الدامس، لا يملك سوى أن يفعل هذا..
أو..
توقف كثيرا عند " أو " هذه..
ففي أعمق أعماقه، بدا شعور عجيب يتوّلد..
شعور بأنه لا يسير وسط هذا الظلام بإرادته..
شخص ما، أو شيء ما، يسيطر على إرادته، ويدفعه إلى هذا..
وعقله يدرك الأمر..
ولكنه يقاومه..
يقاومه لأنه أمر أشبه بالخيال منه بالواقع..
فما الذي يمكن أن يسيطر على عقله وإرادته؟!
ولماذا؟!
لماذا؟!
طرح السؤال الأخير على نفسه أكثر من مرة..
بلا جواب..
فعندما يتجاوز أمر ما، حدود معارف الإنسان، أو قدرته على الفهم والاستيعاب، يكون من المستحيل عليه أن يصل إلى جواب..
أي جواب..
ولهذا، فعلى الرغم من عدد المرات، التي طرح فيها على نفسه هذا السؤال، لم يحصل قط على جواب..
ولكن أيا كان الجواب، فهو يواصل السير..
ويواصل..
ويواصل..
ومع كل خطوة يخطوها، كان ذلك الشعور في أعماقه يتصاعد.
ويعظم..
ويكبر..
ويتعملق..
هناك شيء ما بالفعل، يسيطر على عقله وإرادته، ويدفعه إلى السير على هذا النحو، دون هدف واضح..
شيء قوى..
جبار..
مسيطر..
وبشدة..
ومع مرور الوقت، لم يعد الأمر مجرّد شعور..
بل صار أشبه باليقين..
وهو أصبح واثقا من فكرة السيطرة هذه..
وتمام الثقة..
ـ " إذن فقد أدركت وجودنا أخيرا ".
تردّد هذا الهمس في رأسه، فانتفض جسده في عنف، وهو يهتف:
ـ من أنت؟! من المتحّدث؟!
لم يأته أي جواب، فراح يتلفّت حوله مذعورا، على الرغم من الظلام الدامس، الذي انعدمت فيه الرؤية، في كل الاتجاهات..
ومع يأسه وخوفه، عاد يهتف:
– أين أنت؟! وماذا تريدين مني؟!
مرة أخرى أتاه ذلك الهمس:
– لا تخف.. لا نريد بك شرا.
انتفض جسده مرة أخرى، وصاح بكل توتره:
– من أنتم؟! من أين تتحدّثون؟!
أتاه الجواب مخيفا:
– نحن هنا.
عاد يتلفّت حوله بلا جدوى، وهو يصيح:
– أين؟!
أجابه ذلك الهمس، في عقله مباشرة:
– حولك.
أصابه هلع شديد، جعله يدور حول نفسه، وتضاعف هذا الهلع، مع إضافة الهمس:
– في كل مكان حولك.
كان يرتجف، من شدة الخوف والانفعال، وهو يصرخ:
– لماذا أتيتم بي هنا؟! وماذا تريدون مني؟!
كان ذلك الهمس يأتيه هادئا رصينا:
– نحن لم نأت بك.
صرخ:
– أي قول أحمق هذا؟! أنتم كاذبون.
وبنفس الهدوء، أتاه ذلك الهمس:
– ولماذا نكذب؟! نحن نسيطر عليك تماما، ولسنا بحاجة إلى الكذب.
صرخ:
– لا أحد يمكنه السيطرة عليّ.
كان يعلم أنه كاذب، وأنهم يسيطرون عليه بالفعل، أيا كانت ماهيتهم، ولكنه أطلق صرخته، محاولا إقناع نفسه بفحواها..
أو لبث قليلا من الثقة في نفسه..
أو..
" اجلس ".
كان الهمس صارما هذه المرة..
وآمرا..
وبلا داعٍ، وجد نفسه يطيع كحيوان أليف، ويجلس أرضا دون مناقشة..
وكان هذا هو الدليل الحاسم..
ولم يعد هناك بد من الاعتراف..
إنهم يسيطرون عليه سيطرة كاملة..
تحوّل خوفه وذعره إلى حالة من اليأس والإحباط، جعلت الدموع تقفز إلى عينيه، وصوته يخفت بشدة، وهو يقول، في لهجة أقرب إلى البكاء:
– ماذا تريدون مني؟!
صمت ذلك الهمس بضع لحظات، بدت له أشبه بدهر كامل، قبل أن يأتي إلى رأسه، قائلا:
– بداية، نحن بالفعل لم نحضرك إلينا.. ولم نسع حتى لهذا.. أنت أتيت بنفسك.
بكى بالفعل، وهو يسأل:
– ومن أنتم؟!
أجابه الهمس:
– نحن الذين وُجِدنا قبل أن توجدوا.. الذين نشأوا مع نشأة الكون والزمن..
وصمت الهمس لحظة، ثم أضاف:
– تستطيع أن تقول إننا هنا منذ الأزل.
تساءل، وهو على شفا انهيار:
– ولماذا الظلام؟!
أجابه الهمس بنفس الهدوء:
– لأنك لن تستسيغ رؤيتنا، ولن ترتاح لمرآنا.
همس:
– أليس أجسادكم كأجسادنا؟!
أتاه الجواب صادما:
– ليست لنا أي أجساد.
انتفض جسده في عنف للجواب، وهتف مذعورا:
– وكيف هذا؟!
جاء الجواب أكثر صدما:
– لن يمكنك استيعاب هذا.
عاوده ذلك الشعور باليأس والإحباط والعجز، وعاد صوته يخفت، وهو يكرّر ذلك السؤال، الذي يسأله منذ البداية:
– ماذا تريدون مني؟!
أتاه الجواب همسا، وبنفس الهدوء:
– لا شيء.. أنت أتيت إلينا.. وعبر الأزل، لم يحدث هذا سوى ثلاث مرات، وأنت الحالة الرابعة.
عادت الدموع تملأ عينيه، وهو يسأل في مرارة:
– لماذا أبقى هنا وسط الظلام إذن؟!
أجابه الهمس:
– لا شيء يجبرك على البقاء.. يمكنك الرحيل في أي لحظة.
غمغم في يأس:
– كيف، وأنا لا أرى شيئا، وسط هذا الظلام الدامس؟!
أجابه الهمس في هدوء:
– اتجِه نحو الضوء.
ومع نهاية همسه، ظهرت لمحة من الضوء من بعيد، فجّرت كل الأمل في نفسه، فنهض هاتفا:
– يا إلهي! أهذا حقيقي؟!
أجابه الهمس في رصانة:
– اتبع الضوء، وارحل.
انطلق يسير في سرعة، نحو لمحة الضوء..
ثم سرعان ما صار سيره عدوا.
ولمحة الضوء تقترب..
وتقترب..
وتقترب..
وهو يلهث..
ويلهث..
ويلهث..
و..
يستيقظ!
لم يكن لهاثه قد توقف، حتى وهو يجلس على فراشه، متسائلا وجسده كله يرتجف..
ماذا كان هذا بالضبط؟!
أكان خيالا؟!
أم كابوسا؟!
أم..
هزّ رأسه في قوة، ليطرد منه الاحتمال الثالث والأخير..
فقد بدا له احتمالا مخيفا..
وإلى أقصى حد.
***
(تمت بحمد الله)
بقلم : د. نبيل فاروق
روايات مصريـة
نشر في 09 كانون الثاني 2019
QR Code
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع