Facebook Pixel
لست وحدك الذي يعاني
611 مشاهدة
0
0
Whatsapp
Facebook Share

عند بائع الكتب العجوز ، كتاب يبكى لأن غلافه ممزق ، يشعر أنه عريان ولا أحد يراه تتبعثر منه الكليمات على الأرض، ويفقد كل حين جزء منه

عند بائع الكتب العجوز ، كتاب يبكى لأن غلافه ممزق ، يشعر أنه عريان ولا أحد يراه ..
تتبعثر منه الكليمات على الأرض ، ويفقد كل حين جزء منه .
ها هي ورقة ضعيفة أخرى من أوراقة يتطايرها الهواء ، إنها تكاد أن تتمزق وتغادره .
يتشبث بها بكل قوته لكن تلك الأيادي العنيفة لا ترحم .
هنا يتدخل أحد أصدقاءة من الكتب لكن غلافه قوى ، يحاول المساعدة ويرتمي عليه .
يشعر الكتاب المُمزق بشيء من الارتياح المؤقت ، لكن مشكلته لم تُحل .. فغدا ستتلقفه الأيادى من جديد وستسوء حالته أكثر .
لم يعد لدية إستعداد لفقد المزيد من أوراقه .
الآن يأتي الليل .. وقت الصمت والظلام المُريح .. يغمض عينيه ويحاول الاسترخاء .
يحلم أن لا يأتي الصباح ، لكنه في النهاية يأتي ، الرصيف ينتظره ، أيضا تلك السُحب .. كم يكره المياه والرياح .
يوم آخر شاق ..
قدرته على التحمل تراجعت .. يعرف أنه سيستسلم قريبا .. !
لكن عند تلك اللحظة .. يظهر ذلك الشاب الذى تبدو علية معالم الاحتياج ..
هادئ .. رقيق .. خجول ..
أصبح يفهم في البشر ..
يلتقط الشاب الكتاب الممزق بحدز ويقلب أوراقه ، يشعر الكتاب بمتعه كبيرة .. فهو لم يجرب ذلك الإحساس منذ زمن بعيد ..
لقد ذكره الشاب بالماضي .. أشعره أنه مازال حي وله قيمة .. !
-" بكم هذا الكتاب .. "
تنساب قطرات من المطر ..
يقترب البائع .. في حين يحتضن الشاب الكتاب ..
يبدو انه مصمم عليه ..
-" عشرة جنيهات .. "
يحزن الكتاب ويردد بمرارة :
-" لقد كنت يوما أغلى ثمنا من ذلك !.. كيف وصلت لهذا السعر ؟ "
يرد الشاب بحذر :
-" خمسة جنيهات .. "
-" لا .. "
يلتقط البائع الكتاب بغلظة ويُلقيه عند تَل الكتب ..
ضربة قاسية ..
تنفصل الورقة التي جاهد الكتاب كثيرا للحفاظ عليها ..
كل الكتب تصمت .. وتنظر له بإشفاق ..
الشاب يحوم قليلا بالجوار يعبث بجيوبه ..
يُخرج جنيهين آخرين ويعود للبائع ..
-" سبعة جنيهات هم كل ما معي .. "
يفكر البائع قليلا ..
-" ماشى يا أستاذ .. "
هلل جميع الكتب بسعادة .. والشاب يعود لالتقاط الكتاب بحنان .. !
تأمله قليلا فى يده وكاد أن ينصرف ، لكن شيئا ما بداخله جعله يقف ويلتقط تلك الورقة الممزقة منه ويضعها بين أحضانه .
بكى الكتاب .. وبكت الورقة ..وبكى الجميع ..
إنه يرى كل أصدقائه من ذلك الموقع ..
-" وداعا .. قد نلتقي يوما .. "
لوح له الجميع قبل أن تغطيهم فراشة حماية المطر ..
عاد الشاب لبيته الصغير .. قابلته الأم ..
لماذا تأخرت هكذا .. "
-" أتيت ماشيا .. "
-" لماذا .. أين فلوس المواصلات .. "
بتردد يقول الشاب الصغير ..
-" اشتريت هذا الكتاب .. "
ابتسمت الأم .. وتركته وذهبت لاهتماماتها ..
الآن يُخرج الكتاب ..
كم هو دافئ هذا المكان ..
الأمطار تزداد شده بالخارج .. القشعريرة تنتابه .. !
يضعه فوق المكتب ..وبعد فترة تبدأ العناية ..
مقص .. غرة خشب بيضاء .. غلاف سميك ..
تألم الكتاب قليلا ..
لكنه سرعان ما شعر بالارتياح بعدها .. !
الآن يُوضع بين أصدقاء جدد ..
هذا الرف يناسبه ..
ذهب الشاب للمذاكرة وتركه ..
تُرحب به كتب المكتبة ..
يردد كتاب مغامرات شقي ..
-" أهلا أيها الجديد .. "
كتاب إسلامي بوقار ..
-" مرحبا .. "
كتاب تاريخ أصفر ..
-" ستبقى معنا كثيرا .. أنا هنا منذ مائة عام .. "
كتاب قصة ..
-" تبدو عليك المعاناة .. "
كتاب سياسي لئيم ..
-" أنت غامض بالنسبة لي .. ليس لديك عنوان .. ترى ما هو نشاطك .. "
ضحك الجميع .. وكتاب علم نفس يتدخل ..
-" دعه الآن .. فلن ينتزع سلطتك .. "
يعاود الجميع الضحك .. ثم سريعا ما يذهبون للنوم ..
يتأملهم الكتاب بحب .. ويحتضن ورقته التي عادت له ..
-" أنا كتاب شعر .. "
بعدها يغمض عينيه بأمان ..
ويروح في سبات عميق .. !
(تمت بحمد الله)
بقلم : د. سيد زهران Dr-Sayed Zahran
روايات مصريـة
نشر في 21 آذار 2019
QR Code
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع