Facebook Pixel
503 مشاهدة
0
0
Whatsapp
Facebook Share

سرطان السخرية هذا الذي ينتشر بيننا وكأنه من الرائع أن تسخر من الناس لتحصل على بعض الضحك الرخيص وحفنة من الإعجابات يجب أن يتوقف لأن كل شخص فينا معرض له

-------

----

الإغتيال

ربما من أهم احتياجات الإنسان النفسية هي قبوله في مجتمعه.. وأن يكون محط تقدير واهتمام وحب .. من أسرته أولا.. ومن مجتمعه الكبير ثانيا.. لذلك دائما ما نجد أنفسنا بحاجة دائمة للإحتضان والحب والتشجيع والكلام الطيب .. سواء كنا أطفالا رضع.. مراهقين.. وحتى كهولا وعجائز.. هذه الحاجة للحب والقبول لا تختفي.. ولا تزول بمرور السنين.. وتأتي بحسب ماسلو في المرتبة الثالثة بعد الحاجات الجسدية والشعور بالأمان.. وتمر هذه الحاجة بثلاث حالات أساسية..

الحالة الأولى والمثالية وهي الإشباع.. وهي أن تحصل على كل الحب والتقدير من أسرتك , شريك حياتك, أصدقاءك.. أطفالك.. إلخ.. وعندما يصل إليها الإنسان يكون في قمة سعادته وحبوره.. الحالة الثانية هي الإنعدام.. أي أن يعيش الإنسان كأنه شفاف أو مختفي.. لا يهتم به أحد.. لا يسأل عليه أحد.. لا يحتضنه أحد.. وكأنه لا وجود له.. طبعا هذه الحالة قد تسبب الوفاة عند الرضع.. ولكن يمكن تحملها في مراحل لاحقة وتترجم على شكل إكتئاب..

الحالة الثالثة وهي الأهم وهي موضوع المقال .. أن تكون مرفوضا من مجتمعك..سواء لعيب خلقي.. أو خُلُقي أو لأي سبب آخر.. وهنا يمارس هذا المجتمع رفضه لك بالضحك عليك.. أو السخرية منك.. ولعل أوضح مثال على ذلك والمثال الذي أجبرني على الكتابة هي حالة صالون سلوى زايد.. وهي كما اتضح سيدة بسيطة تملك صالون تجميل منذ حوالي عشر سنوات في منطقة العقبة.. وصدف أن قام أحد مريضي النفوس بنشر صور زبائنها .. لتبدأ سلسلة عملاقة من السخرية والإغتيال للمرأة وزبائنها بسبب أنهم يرون المكياج سيئا.. مما إضطر السيدة بعد أن واجهت ما لا يعلم به إلا الله.. أن تغلق صفحتها على الفيس بوك.. لكن هذا لم يمنع من إستمرار السخرية..

والشاهد هنا أنه بغض النظر عن المبرر الذي سمح به هؤلاء لأنفسهم بهذا التصرف الحيواني والسخرية من إمرأة لا تعرفهم ولا يعرفونها.. ونشر صورها وصور زبائنها بدون وجه حق.. إلا ان هذه ليست الحالة الأولى ولا الأخيرة التي تحدث في الأردن.. فقبل سنتين أو ثلاثة.. قام طفل عمره ثماني سنوات في الأردن بالإنتحار لأنه لم يحتمل تنمر الأطفال عليه كونه ولد بلا أصابع في يديه.. وإذا كان من الممكن تصنيف تلك الحالة كفردية.. مع أنها ليست فردية.. إلا أن حالة ملكة جمال الأردن في السنة الماضية .. ثم حالة حارس النادي الفيصلي .. ثم حالة هذه المرأة.. أثبتت بما لا يدع مجال للشك أن هذا شذوذ فكري مستشري.. مرض نفسي مجتمعي يحتاج إلى علاج.. وهو شيء لا إنساني.. بل إن أقرب تصرف شبيه له هو حالة الحيواتات التي تقتل مواليدها المختلفين جوعا وإهمالا..

يقول الفيلسوف الفرنسي هنري برجسون أن السخرية من الناس هي طريقة لتفريغ غضبنا منهم.. لأنهم مختلفون.. لأننا نعتقد أننا متفوقون عليهم.. ونكرههم لهذا السبب ونود إختفاءهم.. .. لكننا نخفي هذا الكره والرفض بالسخرية.. فالموضوع في أساسه هنا هو عقدة نقص شديدة تجاه الآخرين.. لذلك فأنت تختلق أي مناسبة للسخرية منهم وتبيان أنك أفضل.. مع أنك لو قمت بتحقيق عن عمل هؤلاء الذين يعيبون "عمل" هذه المرأة.. لوجدت معظمهم مهملين فشلة.. وبدون عمل أصلا.. أي أنها طرف منتج أكثر منهم.. ومع ذلك يسخرون منها..

وربما ما سبب تفاقم مثل هذه الحالات المرضية هو ما عبر عنه السيناريست المصري مصطفى حلمي .. بمدى خسة ونذالة بعض مستخدمي الشبكات .. إذا أصبح بإمكان أي منهم أن يسب إنسان و يحقره من وراء شاشة.. ثم يغلق هذه الشاشة بدون تحمل أي عواقب ولا شعور بالذنب فهو لم يؤذ أحدا بشكل جسدي.. بينما هو لايستطيع ذلك في الحقيقة.. لأنه لا يود تحمل العواقب.. التي قد تكون كلامية أو جسدية..

سرطان السخرية هذا الذي ينتشر بيننا وكأنه من الرائع أن تسخر من الناس لتحصل على بعض الضحك الرخيص وحفنة من الإعجابات يجب أن يتوقف.. لأن كل شخص فينا معرض له.. أنت معرض لأن يلتقط لك أي سافل صورة في وضع محرج.. وربما غير مقصود.. لتتحول عبر ساعات إلى مادة دسمة للسخرية من مجتمع بأكمله.. ولتدخل بعدها الثقافة المجتمعية كما دخلته سلوى زايد مرادفة للمكياج السيء..

هذا التنمر الإلكتروني عبارة عن إغتيال إجتماعي.. قد يودي بضحيته للإنتحار.. وحدثت عدة حالات موثقة في الولايات المتحدة وأوروبا بشكل عام.. وما لم يفهم مهرجوا الإنترنت أن هذا نقيصة خلقية وذنب عظيم فنحن في مشكلة حقيقية.. ولا أعتقد هنا أن مقالا كهذا قد يكون الحل.. على الأقل ليس مقالا واحدا وليس عدة مقالات.. بل أن يجب أن يكون هنالك إجراءات قانونية تمنع هذا التنمر في المدارس.. الجامعات.. أماكن العمل.. والأهم في هذا المجتمع الرقمي المريض الذي يدعي أفراده أنهم يضحكون فقط.. ولم يؤذوا أحدا.. وحجتهم أن الجميع يفعل ذلك..

وهنا تحضرني قصة شكلت ولا زالت تشكل جزءا كبيرا من وعيي الديني والفكري والتشريعي.. وهي قصة مذكورة في كتب التراث.. تقول القصة أن إمرأة في اليمن, سافر عنها زوجها.. وترك عندها إبنا صغيرا له من زوجة سابقة.. ولما كانت هذه المرأة لعوبا.. رأت أن هذا الطفل قد يكشف أمرها.. فطلبت من عشاقها.. وهم سبعة تقريبا.. أن يقوموا بقتل الطفل.. وبعد شد وجذب.. وافقوا.. وقاموا بقتل الطفل ورميه في بئر.. بعد التحقيق وإنكشاف الأمر وإعتراف القتلة.. إحتار والي اليمن في كيفية تنفيذ القصاص.. فالقتيل واحد والقتلة كثر.. فكتب إلى عمر بن الخطاب يستشيره.. فكان رد الخليفة العادل.. أقتلهم جميعا به.. ثم أضاف مقولته التاريخية.. "والله لو تمالأ عليه أهل صنعاء.. لقتلتهم جميعا" ..

هذه القصة تريك أن الحق والمجد قد يكون مع جثة طفل في بئر.. والخزي والعار قد يكون لمدينة.. أو لمجتمع كامل.. ولقد مات عمر.. ولكن رب عمر موجود.. وهو شاهد على كل حرف وكل صورة وكل تعليق.. وسيحضركم جميعا للقصاص من سخريتكم على هذه المرأة وغيرها.. وتوبوا أو لا تتوبوا.. لا توبة في حقوق.. وإنتظروا.. إني معكم من المنتظرين..

#سلوى_زايد

#كتابات_ديك_الجن

كتابات ديك الجن
نشر في 06 آب 2015
QR Code
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع