Facebook Pixel
511 مشاهدة
0
0
Whatsapp
Facebook Share

الركوع يختص بالإنسان، إنه صاحب العقل، والعقل هو ما ميّزه وأهَّله ليكون خليفة الله على الأرض فإن فعالية هذا العقل، وتميزه، ستكون عندما توجه إلى فتح مغاليق الكون!

في القرآن الكريم.. جاء الركوع حصريا للإنسان..
لفظ السجود جاءَ لكل ما خلقه الله عز وجل.
{وَلِلَّهِ يَسْجُدُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الأَرْضِ} [النحل: 16/49].
{وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالأَرْضِ طَوْعاً وكَرْهاً} [الرعد: 13/15].
{وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدانِ} [الرحمن: 55/6].
كل ما خلق الله؛ النجم، والشجر، والكواكب، والملائكة.. وناهيك عن القول: البشر..
أما الركوع، فلم يأت تحديداً إلا مع البشر..
في المرّات الـ (13) التي جاءت فيها مشتقات الفعل ركع، كلها كانت تدور حول الإنسان، فرداً أو جماعة..
لكن ليس بقية المخلوقات..
ولا نجم، ولا شجر، ولا عبارة واسعة تضم كل ما خلق الله مثل: {ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الأَرْضِ}.. ولا حتى الملائكة..
البشر حصرياً، يمكنهم الركوع..
بينما الكون كله، وكل ما فيه، بما فيه من بشر كذلك، يمكن له السجود.. لكن الركوع للبشر فقط..
* * *
هل يمكن أن يكون هذا بلا معنى؟..
هل يمكن إلا أن يكون مليئاً بالمعاني؟.. كما كل شيء مع الكتاب الخاتم.. وهل يمكن أن يكون هذا المعنى منفصلاً عن معنى الركوع الأصلي..
خفض الرأس؟..
ما وراء الرأس
ليس كل ما في السماوات وما في الأرض، لديه رأس.. وهذا بالتأكيد، يجعل من الركوع إما مستبعداً لما ليس له رأس..
لكن الدواب لها رؤوس.. وهي من مخلوقات الله عز وجل، إنها مشمولة ضمن الطيف الواسع من {وَما فِي الأَرْضِ}.. وهي، بانقيادها للسنن والقوانين الإلهية إنما تمارس سجودها له عز وجل..
لكن لا ركوع بالنسبة للدواب، رغم الرؤوس التي تمتلكها.. وحده الإنسان، يتشرف بالركوع، لله عز وجل..
إذن ليس الأمر في "الرأس" تحديداً..
بل هو في "ما وراء" هذا الرأس..
في شيء يستخدم العدة الموجودة داخل هذا الرأس، يكون ما هو أعمق من أن يحدد بالرأس..
إنه "العقل"، الذي هو حتماً ليس الدماغ بالمعنى المباشر، لكنه يستخدم وظائف الدماغ، وإمكاناته ليكون ما هو أكبر من مجرد عضو فيزيائي..
إنه العقل، عقل الإنسان، أهم ما فيه، وأكثر ما يميزه عن غيره من المخلوقات، يعلن، عبر الركوع، إنه خاضع لله..
حدود العقل : حكاية الركوع
هذا العقل لا يمكنه أن يركع إلا لله، لأنه ببساطة يمكنه أن يسبر أغوار الكون كله، والمخلوقات كلها، يفتح أسرارها كلها، ويغوص في أعماقها، ينقب في مغاورها وفي مجاهلها.. كل كتاب مغلق يمكن أن يفتح بواسطة هذا العقل.. العالم كله حقل مفتوح، أو محتمل، لهذا العقل.. لا حدَّ لهذا العقل، إلا حدّ واحد، يقف عنده: هنا لا أستطيع أن أعمل، هنا لا أستطيع أن أفتح ما هو مغلق، هنا لا مجال لي، ولا أدوات..
لا حدود هناك أمام العقل الإنساني، إلا حدّ واحد، لا يستطيع العقل اقتحامه إلا متوهماً، ولا يستطيع فتح أسراره ولو تسللاً، إنه ذلك الغيب الإلهي الذي لا مجال لمعرفته إلا عبر ما صدر عن هذا الغيب..
كل الكون يتحدى العقل الإنساني، والعقل الإنساني، يرد التحدي بالمثل، الكون يتحدى بكون مغاليقه تستفز العقل الإنساني، والعقل الإنساني يرد التحدي بفتح هذه المغاليق..
كل شيء إلا واحد..
هو الواحد.. الله..
* * *
ولهذا فإن "الركوع" يختص بالإنسان، إنه صاحب العقل، والعقل هو ما ميّزه وأهَّله ليكون خليفة الله على الأرض..
فعالية هذا العقل، وتميزه، ستكون عندما توجه إلى فتح مغاليق الكون.. لكن هناك حدّ واحد عليه أن يخضع أمامه، عليه أن يقرّ أنه سيكون عاجزاً أمامه..
سيحني (الرأس) تجاهه، علامة الخضوع والاستسلام، استسلام من لا يودّ أن تنفد طاقته في مهمة لم يصمم أصلاً على الدخول فيها، بل يركز في المهمة – الأصل: مهمة الاستخلاف في الكون..
هذا هو المعنى، وراء "هيئة الركوع"..

#فيزياء_المعاني
#كيمياء_الصلاة
#أحمد_خيري_العمري
د.أحمد خيري العمري
نشر في 12 كانون الأول 2018
QR Code
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع