Facebook Pixel
هل يمكننا التفكير بدون استخدام اللغة؟
3095 مشاهدة
0
0
Whatsapp
Facebook Share

تخيّل الفكر بدون مفاهيم محددة، والأغراض بدون ألفاظ مُسبق الاتفاق عليها، والأفكار حائمة في عقلك بدون أداة للتعبير عنها

هل يمكننا التفكير بدون استخدام اللغة؟
تخيّل الفكر بدون مفاهيم محددة، والأغراض بدون ألفاظ مُسبق الاتفاق عليها، والأفكار حائمة في عقلك بدون أداة للتعبير عنها. كل التخيّلات السابقة تعتبر حقائق إدراكية يصعب على العقل البشري الطبيعي تخيّلها؛ حيث تعتبر اللغة جزءًا لا يتجزأ من نسيج حياتنا اليومية، ومن الصعب تخيّل كيف كان سيكون الحال بدونها. كما أن معظمنا تمّ تشكيل عملية تفكيره عن طريق دمج اللغة مع عالمنا الإدراكي، فالفكر الإنساني ليس نتاج هندستنا العصبية المتطورة فقط، بل نتاج استعارة المصادر الرمزية والثقافية المتوفرة في اللغة أيضًا. إذًا هل يمكننا حقًا أن نفكر بدون اللغة؟
الإجابة عن هذا السؤال، تكمن في تعريفك للفكر ذات نفسه. هل يمكن أن تختبر الأحاسيس والانطباعات والمشاعر بدون استخدام اللغة؟ بالطبع، وهناك القليلون مِن مَن يختلفون على ذلك، ولكن هناك فرق بين قدرتك على الشعور بالألم أو الإحساس بالضوء واستيعاب المفاهيم التي تختبرها مثل «الضوء» أو «الألم».
يصف العديد من العلماء والفنانين عمليتهم الفكرية أثناء حل مشكلة ما بأنها عملية تصورية أكثر منها لغوية، حيث يقومون باستخدام الصور بدلًا من الكلمات لحل المشكلات. كمثال بسيط، تشرح الكاتبة المصابة بالتوحّد تمبل جراندين Temple Grandin))، كيف أنها تفكر بشكل تصوري، فتقول أن المفاهيم عندها عبارة عن مجموعة من الصور. مفهومها عن الكلب كمثال مرتبط بكل كلب عرفته في حياتها. كما لو أنها تمتلك كتالوج للكلاب التي رأتها، ويزداد الكتالوج بازدياد الكلاب التي تراها.
هناك أيضًا دليل على أن الأشخاص الذين يعانون من الصمم المعزولين عن اللغة سواء منطوقة كانت أو لغة إشارة، باستطاعتهم التفكير في أفكار معقّدة قبل أن يتعرضوا للغة. وعندما يتعلمون اللغة لاحقًا، باستطاعتهم وصف الخبرات التي مرّوا بها. نأخذ كمثال الصبي ذو الخمسة عشر عامًا الذي كتب في عام 1836 بعد أن تعلّم اللغة عن تجربة له قبل التعلّم: «اعتقدت أن القمر هو الآله، ولكني لم أكن متأكدًا، ولم أعرف كيف يمكن للآله أن يعيش في السماء. ثم ظننت أن القمر لربما يضربني، وفكرت أن والداي أقوياء، وسيحاربون القمر، وسيفشل القمر، وسأسخر منه».
أما عن الحالات الجماعية، فنجد مبتغانا في دولة نيكاراجوا Nicaragua)) حيث أقيمت مدرسة انضم إليها 400 من الأطفال الصّم، ولكن لم تلق المدرسة نجاحًا كبيرًا بسبب فشل الطلاب في فهم مدلول الكلمات. لكن على الرغم من ذلك، وفرت المدرسة والفناء والباص أرضًا خصبة للتواصل مع بعضهم البعض. مع مرور الأيام، وعن طريق جمع بعض الإشارات المألوفة والدلالات؛ ولدت لغة بدائية جديدة. لم يقتصر الأمر على هذا فقط، لاحظت باحثة أمريكية أن الطلاب الأصغر سنًا قد طوروا لغة الإشارة التي أخذوها عن أقرانهم الأكبر سنًا، وأدخلوا عليها قواعد مختلفة، وهذه اللغة هي ما يعرف الآن باسم لغة الإشارة النيكاراغوية.
حالات أشدّ حدّة:
في عام 1797، وعلى حافة غابة، رأى صيادون طفلًا يمشي على أربع وينطق بأصوات حلقية فقط، فقاموا بإمساكه. وبعد تنقّلات عديدة؛ انتهى به الأمر في رعاية الطبيب جان ايتارد (Jean Itard). أصبح الطفل معروفًا باسم فيكتور من أفيرون(Victor of Aveyron) ، ولم يظهر أي اكتراث ناحية الصوت الإنساني، ولم يستطع إصدار أصوات الكلام. قُدّر عمره حينها بحوالي 12 أو 13 عامًا. هناك أيضًا نسخة أخرى مقاربة من تلك الظروف، ففي عام 1970 تم اكتشاف الفتاة جيني (Genie) ذات الخمسة عشر عامًا، والتي كانت محتجزة في عليّة منزلها من قبل والدها لفترة طويلة. لم تستطع جيني التحدّث ولاحتى تمييز اللغة المنطوقة لمدة شهور بعد تحريرها من سجنها المأساوي. الحالة الثالثة والأخيرة هي لرجل مسكسيكي أصم يدعى الديفونسو Ildefonso)) ذو 27 عامًا، عاش طفولته بدون نموذج لغوي يتبعه، كما أنه لم يستطع تعلّم لغة أهله، ونتيجة لعيشه في أحد المناطق النائية بالمكسيك؛ لم تكن حتى لغة الإشارة خيارًا متاحًا له. نستعرض هنا دلائل وجود الفكر في الثلاث حالات قبل اللغة:
1- فيكتور من أفيرون (Victor of Aveyron): على الرغم من أن فيكتور لم يستطع تعلّم أي لغة، إلا أنه أظهر علامات تدل على وجود التفكير. يقول جان إيتارد: «إنه يتنهد ويبكي ويصرخ صرخات عالية، ويقطّع ملابسه، وفي بعض الأحيان يصل به الأمر إلى خدش أو عض نفسه، ولكن حتى عندما يخضع للغضب للأعمى الذي يصيبه ولا يستطيع التحكم به، نجد دلائل على الشعور بالندم ورغبة في تقبيل يد أو ذراع من عض».

2- جيني (Genie): تعرّضت جيني لطفولة من جحيم. اعتقد والدها أنها مصابة بالتخلّف العقلي، فقام بعزلها عن العالم بأكمله في غرفة مظلمة بالطابق العلوي من المنزل، ولم يكتفِ بذلك؛ فقد قام أيضًا بربط جيني إلى مرحاض للأطفال. وإذا حاولت التكلم، ضربها أو قلّد صوت كلب شرس من خارج غرفتها حتى تخاف وتصمت. نتيجة لذلك، فقدت جيني قدرتها على الحركة بشكل سليم والتحدّث، ولكن بعد فترة علاج طويلة استعادت بعض المهارات الأساسية. وقالت عن الفترة قبل إنقاذها بعض الجمل القصيرة مثل: «أبي يضرب ذراع. خشبة كبيرة. جيني تبكي. لا تبصق. أب. يضرب عصى كبيرة. أبي غاضب. أبي يضرب جيني عصى كبيرة. أبي يأخذ قطعة خشب يضرب. أبي يبكيني. أبي ميت». وهنا نلاحظ أنها بالفعل كانت تفكّر في ذاك الحين واستطاعت التعبير عندما اكتسبت اللغة.

3- الديفونسو Ildefonso)): يختلف الديفونسو عن جيني وفيكتور في أنه على الرغم من عدم اكتسابه للغة، إلا أنه قد احتكّ بالبشر، واشترك -بشكلٍ أو بآخر- في إيقاع الحياة الاجتماعي. تبدأ قصة الديفونسو عندما وجدته الطالبة سوزان شالر (Susan Schaller) في صف لدراسة لغة الإشارة الأمريكية. قالت سوزان أنه بدا مرتعبًا وكان يدرس أفواه الناس، وكان واضحًا أنه ليس باستطاعته استخدام لغة الاشارة. اهتمت سوزان به كثيرًا وبدأت بتعليمه لغة الاشارة، ولكن في البدء، لم يفلح الأمر حيث كان يقوم الديفونسو بتقليد حركاتها فقط، ولكن بعد أسبوعين، حدث تطوّر كبير حيث استوعب الديفنسو أن سوزان تحاول أن تعلّمه أن لكل غرض اسمًا معينًا متفق عليه ويعرفه جميع من يتحدث تلك اللغة. كانت تلك نقطة بداية تعلّم الديفونسو للغة واستيعابه للمفاهيم، ولكن هل كان يستطيع أن يفكّر قبل أن يتعلم اللغة؟ سألته سوزان مرارًا وتكرارًا عن تلك الفترة، ولكن في كل مرة كان يغيّر ملامح وجهه، ويتصنّع ملامح الأبله ويشير بيده كأنه يقول: «لا أدري ماذا يجري». ولكن بالتأكيد امتلك الديفونسو نوعًا من الفكر مكّنه من البقاء على قيد الحياة طيلة هذه السنوات.

إذًا يمكننا أن نقول أن هناك أنواعًا معينة ممكنة من التفكير بدون استخدام اللغة، ولكن هناك أنواعًا أخرى من التفكير تصبح متاحة من خلال اللغة فقط، فاللغة تعطينا رموزًا نستخدمها لنعطي الأفكار قوالب محددة تمكننا لاحقًا من مناقشة تلك الأفكار وتغييرها وإجراء أي تعديل نوده عليها. تسمح لنا اللغة أيضًا بدرجة من التفكير التجريدي يستحيل وجوده بدونها. التفكير بدون لغة كمشاهدة فيلم ناطق بلغة أجنبية لا تفهمها، قد تشعر بالحزن عند مشاهدة مشهد حزين وبالفرح عند مشاهدة مشهد سعيد، وقد تتمكّن من فهم بعض ما يجري، ولكن لن يكون باستطاعتك فهم الصورة الأشمل.

ترجمة وإعداد: أحمد اشرف
مراجعة: Dana Abufarha
تصميم: بثن محمود
#الباحثون_المصريون
Libyan sci club - النادي الليبي للعلوم
نشر في 28 تشرين الأول 2015
QR Code
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع