Facebook Pixel
ما هي وظيفتنا العالمية؟
1139 مشاهدة
0
0
Whatsapp
Facebook Share

الإسلام أمة ورسالة، أما الرسالة فهى الهدى الإلهي، وأما الأمة فهي الجماعة التى تنقل التوجيه الإلهى من ميدان النظر إلى ميدان التطبيق

كتاب : علل وأدوية - بقلم : الشيخ محمد الغزالي

الحلقة [ 25 ] وظيفتنا العالمية

الإسلام أمة ورسالة.. أما الرسالة فهى الهدى الإلهى الذى يخط لنا الصراط المستقيم، ويدعونا إلى السير فيه. وأما الأمة فهى الجماعة التى تنقل التوجيه الإلهى من ميدان النظر إلى ميدان التطبيق، أى تفهم الوحى وتنفذه وتدعو الآخرين إلى اعتناقه.

والمفروض أن تكون الأمة صورة حسنة لرسالتها، صورة لا تفاوت فيها ولا تشويه. ولكن البشر لم يرزقوا العصمة، ولابد أن يقع منهم خطأ فى الإدراك أو السلوك.

وهنا ينهض جهاز عتيد بالتنبيه إلى الخطأ والتحذير من بقائه، جهاز الدعوة والأمر والنهى، إن هذا الجهاز يقوم بعمل (الكرات البيضاء) فى الدم عندما تتصدى للجراثيم الغازية فتردها أو تموت دون الاستسلام لها.

إنه جهاز يمثل خصائص المناعة ضل العلل المغيرة، ومهمته إبقاء الرسالة والأمة معا على الدرجة المطلوبة من السلامة والاستقامة. وبقاء هذا الجهاز ـ شعبيا ورسميا ـ يؤدى وظيفته يعنى أن الإسلام بخير، وأن أمته تستجيب للأمر الإلهى.

وتعميم الخير، وحراسة المعروف، ومقاومة المنكر، ليست وظائف محلية ينهض بها المسلمون داخل بلادهم فقط، ولكنها واجبات عالمية يتصايح بها المسلمون شرقا وغربا ليعرف الناس: من هم؟ وماذا يريدون؟

على أن صلاحية الداخل رصيد لابد منه للدعاية الناجحة فى الخارج، ولا يقبل من امرئ رث الملابس أن يدعو إلى الأناقة.

ثم إن القضية الأولى ـ قبل نجاح دعاية ما ـ هى أن تكون الأمة صورة لرسالتها، ووعاء نقيا طهورا لما تحمل من تعاليم وقيم.

وواضح أن جهاز الدعوة والأمر والنهى، وهو الخاصة الأولى للرسالة الخاتمة، ولعله سر خلودها إلى آخر الدهر، فهو يجدد كيانها ويصون حقائقها، ويغنى عن رسالات أخرى تحل محلها.

والنشاط الشعبى فى هذا الميدان كان ـ فى تاريخنا ـ أبقى وأنمى وأجدى. وقد سد الثغرات التى أحدثها تخلخل الحكم فى التاريخ الإسلامى المديد، أو رتق الفتوق الرهيبة التى وقعت.

فعندما سقط الخليفة الأعظم فى بغداد، وتهاوت الدولة العجوز تحت مطارق التتار، استيقظت أسباب المناعة فى الأمة الجريح وتحركت طوائف الدعاة هنا وهناك، ووقع حدث من أعجب الأحداث فى تاريخ الدنيا! فقد أسلم التتار. وفشلت الأجهزة الرسمية للكنيسة فى اجتذابهم وعاد المندوب الباباوى إلى إيطاليا يجر أذيال الفشل.

وتم قريب من ذلك فى مطاردة صليبيى العصور الوسطى، فإن الدعاة اعترضوا روح الهزيمة عند بعض الحكام، وتوارثوا إشعال نار المقاومة وزودوا صلاح الدين بجيش من الفدائيين ينشدون الشهادة فى البر والبحر. وبعد تسعين سنة تحررت القدس، وبعد قرن آخر كان كل شبر من أرض الإسلام قد غسل غسلا من آثار الهمج المغيرين.

يقول التاريخ: أن هناك رجالا لم نعرف أسماءهم ولكننا رأينا آثارهم هم الذين أقالوا العالم الإسلامى من عثرته وأنهضوه من كبوته.

إنهم الدعاة الربانيون المتجردون الذين عرفوا الحق، واستشعروا السعادة فى نصرته. إنهم العلماء الذين يوزن مداد أقلامهم بدماء الشهداء. إنهم جنود مجهولون فى هذه الدنيا، ولكنهم ـ غدا ـ أعلام شامخة فى ربى الخلد.

ومضى العالم الإسلامى إلى الأمام وهو يحمل فى طياته أسباب دائه ودوائه، ولم تكن القوى المتربصة به غافلة عما يجرى فوق أرضه، بل لعلها كانت أعرف بذلك من بعض أبنائه الناعمين.

وما حدث فى القرون الأخيرة جدير بالدرس العميق إذ إن الفجوة بين الأمة ورسالتها اتسعت اتساعا مكن الأعداء المتربصين من توجيه ضربات هائلة إلى الكيان المهتز.. فلننهض بواجبنا ليبدأ من جديد جهاد الدعوة.

ليست الدعوة إلى الله عاطفة ساخنة يتحرك بها شخص أو يستفز بها جمهور، فربما كان فساد الأديان ناشئا عن مشاعر حارة وراء أفكار مرفوضة.

يجب أن يكون الحق محور سلوكنا العام والخاص على سواء. وشرف أمتنا يجىء من توافق هواها مع هدايات الله، ومن تطابق عملها مع أوامر الله ونواهيه.

وقد استبان لى أن الخطأ لا يولد ضخما يوم يولد، إنه يبدأ عوجا محقورا، أو انحرافا طفيفا ثم يستفحل شره على مر الأيام.

والمتأمل فى علل المسلمين الاجتماعية والسياسية يجد أن جراثيمها قديما ولدت، وإنها لم تبلغ مبلغها اليوم إلا وسط ظروف معقدة لا مكان هنا لشرحها. والمقياس الفذ العاصم من الزلل أن نتحاكم إلى كتاب الله وسنة رسوله، وأن نستصحب معنا فى هذه المحاكمة سيرة الخلفاء الراشدين والفقهاء الأئمة، فإن الحق قلما يفوت هؤلاء الكبار فى مجالى السياسة والثقافة.

ثم إن الفقه الإسلامى لم ينشأ من فراغ، إن له أصولا محترمة من جهلها وجب الحذر منه، بل هو فى نظرى ليس أهلا للعمل فى ميدان الدعوة.

إننى أقول ذلك لإحساسى بالأزمات العصيبة التى يمر بها ديننا، فالأمة الإسلامية تحارب بقسوة فى مراحل التربية وساحات القضاء وتقاليد المجتمع! إنها محنة لم يمر الإسلام بمثلها خلال القرون الماضية.

وجهاز الدعوة الذى قام قديما برأب الصدع وجمع الكلمة يجب أن يستأنف نشاطه، بيد أنه لن يقدر على ذلك إذا فاته حسن الفقه وصدق البصيرة وخلوص الغاية، فإنه حين يفقد هذه الخصال لن يقدم للناس الإسلام الصحيح.

ولقد ضربنا مثلا قضية الشورى إنها فى الكتاب والسنة أساس مجتمع، ولكن الحكم الفردى الطائش استبعدها، فجاء من يعدها من مواد الترف! ثم جاء من يعدها لمن قبلها غير ملزمة، بل يمضى على ما يرى هو.

ثم تاهت أجهزتها فى دوامة الاستبداد الأعمى فما يدرى كيف يتم لها تكوين. ثم أطبقت ذئاب الأرض من كل فج على أمة أكلها كبراؤها!! ولا يزال البعض شديد الحرص على أن تكون الشورى وأجهزتها ونتائجها فى مهاب الريح.

وتعجب لسلفى يتشاجر مع حنفى هل لمس المرأة ينقض الوضوء أم لا؟ وكلاهما يوجل من كلمة الشورى.

الأول لا يسأل نفسه: كيف جلد ابن حنبل؟ وكيف اختير الحاكم الذى جلده؟ وما وقع له من عقوبة على تعديه؟ وكيف توقى الأمة مستقبلا أمثال هذا الحاكم؟ إن هذه أسئلة لا يجوز إيرادها.

والآخر لا يسأل نفسه: كيف مات أبو حنيفة فى سجنه؟ من الذى سجنه؟ وفى أى تهمة؟ وما مصير من عذبه؟ وكيف يحمى الخاصة والعامة من بطش أولئك الجبارين؟ هذه أسئلة لا يجوز إيرادها.

الذى يجب قوله: إن الشورى تفضل من عظمة الحاكم قد يلتزمها إذا شاء، وقد يرفضها إذا شاء، وهذا هو الإسلام.

والغريب أن سياسة الحكم عند بعض الدعاة لا تتعدى هذا المفهوم الذى طبقه المأسوف على شبابه المعتضد بالله، وتبعه السلطان مراد والسلطان الغورى!

وقد جاءنى أحدهم متعالما يقول: بلغنى أنك ترى تعدد الأحزاب السياسية. قلت: نعم مادام هناك داع للتعدد. قال: ما هذا الداعى؟ قلت: فى شئون الدنيا هم أعلم بها وتختلف وجهات نظرهم كيف شاءوا. وفى شئون الدين لهم أن يجتهدوا ـ حيث لا نص ـ وهم على اختلاف آرائهم مأجورون.

قال: أكانت هناك أحزاب على عهد الصحابة؟ قلت: نعم، وحلوا خلافاتهم فى معركتى الجمل وصفين، ونريد حلها الآن، وحل كل ما يعرض من خلاف فى مناظرات كلامية ومجادلات سلمية تحت قبة مجلس حر!

قال: إنك تريد تقليد ديمقراطية الغرب. قلت: بل أريد منعكم من جعل الإسلام سورا يحمى الهرقلية والكسروية والفرعونية.. إنكم مساكين تريدون إعادة الجاهليات القديمة باسم الإسلام.

الحق أن عالمنا الإسلامى المحروب المغلوب على أمره لن يحل مشكلات الحرية فيه دعاة يعيشون فى طبائع العبيد، بل إن هؤلاء الدعاة أنزل رتبة من أن يحلوا مشكلات أنفسهم.

وننظر إلى العالم من حولنا فماذا نرى؟ إنه فى أثناء عدة شهور تغيرت الأحزاب الحاكمة فى ثلاث من الدول الكبرى تغيرا حاسما، لأن رجل الشارع يفرض رقابة صارمة على حكامه.

ويقول: لا.. فتتوقف مواكب! ويقول: نعم.. فتنطلق أخرى.

كيف نعرض الإسلام على هؤلاء الناس؟ أنرسل لهم أولئك الدعاة العجاف يقولون لهم: خذوا عقيدة التوحيد مقرونة بنظام الحزب الواحد، وبأن الشورى لا تلزم حاكما؟

إن الشعوب سترد أولئك الحمقى محشوة أفواههم بالتراب! ويوم تقوم الساعة يحاسب أولئك على أنهم فتانون يصدون عن سبيل الله.

إننى ألفت الأنظار إلى أن العقل الإسلامى كان قبل ثلاثين سنة أنضر منه الآن، لأن الأغبياء يومئذ ما كانوا يستطيعون هذه الثرثرة. كان اختصاصهم لا يعدو فقه (دورة المياه) فما الذى جعلهم الآن يضعون للأمم الدساتير؟

* * * *

الفقه الذكى قبل الدعوة الحماسية:

إن الفتوى الجاهلة، والبدعة المحدثة، والحديث الموضوع، والخرافة المقدسة، كل ذلك لون من تزوير الوحى، وتحريف الكلم عن مواضعه، والشهادة على الله بما لم يقل.

من أجل ذلك أطلب ـ فى ميدان الدعوة ـ أن تعرض الحقائق المسلمة الثبوت، وأن تطوى جانبا خلافات الفقهاء ووجهات النظر العائمة، وقبل ذلك كله أن تطرح المرويات الشاذة، والسخافات العلمية.

ما معنى أن تعرض عقيدة التوحيد مقرونة بأن الأرض لا تدور، أو أنها محمولة على قرن ثور أو أن الحكم فى الإسلام يجعل الحاكم فوق الشورى.

لحساب من يتم هذا العرض الغبى؟ ولحساب من يتم عرض قضية المرأة على أن وجهها عورة، وأن ذلك موقف الإسلام القاطع مع أن جمهرة الفقهاء على غير هذا؟

قلنا: إن الإسلام رسالة من السماء، وأمة تطبقها على ظهر الأرض وقد أجمع علماء الأصول على تعريف الحكم الشرعى بأنه خطاب الله المتعلق بأفعال المكلفين. ومعنى ذلك أن الحكم لا يكون شريعة إلا إذا كان له سناد إلهى.

والتراث الإسلامى مضبوط الاستدلال فى هذه الميادين، وهو يتحدث بجلاء عن المقطوع والمظنون والواجب والمندوب والمحرم والمكروه وعما سكت الوحى عنه لنتصرف نحن بعقولنا فيه: (وما كان ربك نسيا).

وأرئ أن الأوان قد آن لإقصاء الدعاة الذين لا فقه لهم، أو الذين يريدون إلباس الإسلام عقالا بدويا أو تقليده سيفا تركيا، ثم يعرضونه فى عواصم الغرب والشرق التى ازدحمت بأذكى المبادئ وأمكرها.

ولو عرضوا فطرة الله فى الأنفس، وكشفوا عن طبيعة الوحى الأعلى فى مثل قوله سبحانه: (لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط). لكان أقوم وأجدى.

ومأساة الدعاية الإسلامية ترجع إلى قرون خلت، فإن العطب فى أجهزتها الرسمية كان فادحا، وأظن الأمر بلغ حد الخيانة.

وقد تساءلت فى أحد كتبى: لماذا لم ينعقد مجمع علمى إسلامى لبحث الضياع الإسلامى فى الأندلس؟ أو الجزر المسماة بـ (الفليبين)؟ أو السقوط الأول (لبيت المقدس) فى أيدى الصليبيين.. أو سقوط بغداد فى أيدى التتار وانتقاض النصارى يومئذ على الكثرة المدحورة.. الخ.

والأمثلة التى مرت بنا ولا تزال تمر كثيرة، وأقلها شأنا يحتاج إلى وقفات طوال لإعادة النظر والتوجيه، فكيف بأدهاها؟

هل انحلال عروة الحكم من قديم سبب هذا البلاء؟ لا نسارع بالإجابة! من المؤكد أن ولاء الحكام الأقدمين كان للإسلام، فقد كان شعارهم المرفوع ومنطلقهم المعلن وملاذهم عند المفاخرة والمنافرة.

وإذا كانوا قد تولوا الحكم بطرق غير إسلامية فقد حرصوا على تطبيق الإسلام وإقامة معالمه وحراسة حدوده، واستمدوا وجاهتهم من بذل الجهد فى ذلك المضمار. يستوى فى ذلك الملوك والأمراء ممن حكموا فى ظل استبداد سياسى بين.

فعبد الملك بن مروان الذى قضى بالسيف على خصوم الحزب الأموى مهد لابنه الوليد حركة الفتوح التى بلغت الهند والصين شرقا، وفرنسا وسويسرا غربا.

بيد أن العوج الفقهى أو الطريق غير الشرعى الذى جاء به أولئك الخلفاء الملوك أو الملوك الخلفاء ترك طابعه على المعاملة التى لقيها قادة هذه الفتوح من عباقرة الحرب، ورجال المبادئ.

فما مصير محمد بن القاسم فاتح السند؟ وما مصير طارق بن زياد؟ وموسى بن نصير؟ وقتيبة بن مسلم؟ وغيرهم وغيرهم.

إن الحكم الفردى كالمرأة الغيور لا يطيق رؤية العظماء، ولا يزن أقدار العلماء. ولذلك أخذ أولئك النابغون يتناقصون فى تاريخنا، ومن يظهر منهم لأمر ما يحيا مستوحشا منغصا.

واستطاعت القوى المعادية للإسلام أن تستغل هذه الفوضى الضاربة فى شئوننا كلها، فشنت غاراتها فى القرون الأخيرة، واستولت على العالم الإسلامى كله، وصيرته موزعا على سبعين قومية خاصة، وشرعت تجهز على الإسلام فى كل قومية على حدة.

وتحركت أسباب المناعة فى الكيان الذى هاجمته علل هائلة وقام الدعاة فى كل بلد ينافحون عن التراث المنهوب. إلا أن هناك ناسا يشتغلون بالدعوة ثقافتهم مغشوشة قرءوا كتبا ألفت فى عهود الاضمحلال، أو حفظوا آراء قالها قوم عديمو الفقه.

وقد يتعصبون لأوضاع جرت على الإسلام البلاء، أو تمر بهم أحداث حافلة بالعبر فما يفيدون منها عبرة. وقد يعرفون من الحق بعضه ويجهلون أو يجحدون البعض الآخر. أما علمهم بما جد فى أرجاء العالم من أطوار، وما يستتبعه ذلك من أقضية ذكية فصفر.

إننا نطلب إلى هؤلاء أن يصلحوا أنفسهم أو يتركوا مواقعهم، فلسنا بحاجة إلى علل أخرى.

----------( يُتَّبع )----------
#محمد_الغزالى #علل_وأدوية
كلمة حرة
نشر في 10 تموز 2018
QR Code
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع