Facebook Pixel
حول مجزرة بيروت
1065 مشاهدة
0
0
Whatsapp
Facebook Share

إذا لم يعتنق العرب الإسلام وينتموا إليه ظاهراً وباطناً فلينتظروا خسفاً ومسخاً ومذابح أخرى! من كتاب علل وأدوية للكاتب محمد الغزالي

كتاب : علل وأدوية - بقلم : الشيخ محمد الغزالي

الحلقة [ 23 ] حول مجزرة بيروت "صبرا وشاتيلا "

تابعت مجزرة بيروت بصدر منقبض يرين عليه القنوط! ولم أكن أتم قراءة خبر أو سماعه لأن أوائل الكلام تدل على نهايته، ولا طاقة لى على مزيد من الأسى.

قال الأوربيون: القتلى دون الألف، وقال العرب: فوق الألف، واتفقوا أن بطونا بقرت واندلقت أحشاؤها، وأن وجوها شوهت وذهبت محاسنها، وأن أطفالا طاحوا وأمهاتهم يدفعن عنهم فجمعت بينهم أكوام الجثث، وأن رجالا ضربوا بالرصاص وهم موجهون إلى الجدران، وآخرين ضربوا وهم يحاولون الهرب، وأن أسرا أبيدت وهى تتناول الطعام فى أمان، وأسرا أخرى أبيدت وهى تسمع الإذاعة.. الخ.

واختلف رواة المأساة من القتلة؟ قال اليهود: هم نصارى الكتائب اللبنانية.

وقال الناس: اليهود مهدوا الطرق وفتحوا أبواب المخيمات وأشرفوا على المجزرة فى رضا وسكون.

وقال بعض المنصفين: نكون لجنة تحقيق تحدد المجرم! وقال اليهود: لا، إن تكوين لجنة تحقيق يوحى بأن هناك جريمة وأننا مساءلون عنها!

وتحركت دول عظمى لتمنع المزيد من القتلى، أما من سفكت دماؤهم فقد انضموا إلى أسلافهم فى (دير ياسين) و (كفر قاسم) و (قبية) و (تل الزعتر) الخ..

ما أرخص دماءنا نحن المسلمين، وما أشد ما نزل بنا من هوان.

وتحركت عواطف الأخوة فى قلبى، وقلت: على الأهل والأقارب وإخوان العقيدة فى كل مكان أن يتعرفوا ما يفعلون، وأن يتحركوا لمواجهة غد مظلم مشئوم.

ومن المصادفات أن تقع مجزرة بيروت قبل عيد الأضحى بأيام معدودات فقلت: لابد أن أحدث المسلمين أن السرور حرام، وأن ملاهى العيد يجب إلغاؤها، وأن مشاعر الحزن والغضب ينبغى أن تستوعب العالم الإسلامى كله، بين المحيطات الهادى والهندى والأطلسى.

ثم تذكرت أن صعود المنابر محرم علىَّ وعلى أمثالى من الموجهين الأحرار.. فاحتبست نيتى فى صدرى وأخذت أدور بها هنا وهناك لا أدرى ما أفعل!. إننا معاشر المسلمين فى أوضاع متردية مهينة تجعل الأوغاد يركبوننا وهم آمنون، فنحن نُضرب ولا نضرب، ويُنال منا ولا ننال من أحد!.

ورمقت صورة أمامى فى إحدى الصحف لعظماء القوم فى موقف احتجاج على ما حدث، لقد قرروا الوقوف دقيقة صمت وحداد.. نظرت إلى القامات المنتصبة فى تظاهرة الرياء والخسة، ثم أعرضت عنها وأنا أشعر بالازدراء.

إن ما يفعله أولئك العرب هو هو ما فعله الغاضبون للهوان الإنسانى فى عواصم العالم الأخرى.. أهذا كل ما نقدمه من عمل فى مجزرة بيروت؟ وأدركت أن ما أرتقبه من غضب وألم وهم واهم، إن المسلمين شغل بعضهم عن بعض، وانقسموا إلى قوميات شتى لها فى عالمى السياسة والاقتصاد مذاهب، ولها فى شعاب الدنيا منازع ووجهات.

إنهم على ضفاف الأردن وفى قطاع غزة مضربون لأن الرحم ماسة واصلة قريبة، أما فى وادى النيل والشمال الأفريقى، أما فى شبه الجزيرة وآسيا الصغرى فالإحساس أضعف والآلام أخف، ويتلاشى كل شىء وراء ذلك من دار الإسلام.

ولمت نفسى كيف ارتقب حقوق الأخوة الإسلامية إذا كان الإسلام نفسه فى محنة؟

إن اليهودى فى (أمريكا) يغضب لمصاب أخيه فى (روسيا) لأن اليهودية موجودة! والولاء السياسى لها قائم! والتنادى باسمها مسموع!

أما فى بلادنا فإن رئيسا عربيا يواجه هذه الحقيقة بقوله: لا دين فى السياسة ولا سياسة فى الدين، إنه يقول ذلك للمسلمين وهو يرى أن السياسة أقامت لليهود دولة على أنقاضنا، وجعلت الانتماء لها يتجاوز الحدود الإقليمية، والأوضاع الدولية.

فإذا حاول داعية استثارة الشعور الإسلامى ضد مذبحة يهودية وقعت بالمسلمين، استنكر كلامه واقتيد إلى السجن أو المعتقل.

لأن السياسة ـ التى أقامت لبنى إسرائيل دولة ـ محظورة على المسلمين المستضعفين.. والرئيس الذى قال هذا الإفك يريد ترضية المسلمين بواقعهم الممزق ووجودهم الصورى، فهو يفخر بصداقة (بيجين) وهو يريد كسر حاجز الخوف بين العرب واليهود.. ولقد نوم الناس كما طلب منه، وأتاح لليهود أن ينفردوا بالفلسطينيين واللبنانيين ويقتلوا منهم عشرات الألوف.

إن عبادة (الذات) أو عبادة الدنيا مرض قديم أو هى خمرة أسكرت نفرا من الحكام فدارت برؤوسهم وأدارت شعوبهم معهم، فإذا الكيان الإسلامى يتقطع فى مواضع كثيرة، وإذا الأعداء ينفردون قديما بالقدس أو بأنطاكية أو ببغداد، أو الفليبين أو نيجيريا، ويذيقون أهلها الحتوف، وبقية المسلمين فى المدائن والقرى جاهلون أو عاجزون..!

أمس كنت أتابع الاستماع إلى آخر الأنباء عن مجزرة الفلسطينيين فى بيروت، وسمعت أن رفات الموتى لا يزال متناثرا فى أنحاء المخيمات، وأن عفونة الجثث بدأت تغير رائحة الجو، وأن رجال (الصليب الأحمر) شرعوا يحفرون مقابر جماعية ليخفوا آثار المأساة أو ليمنعوا انتشار الأوبئة.

وحولت مؤشر (الراديو) لأسمع كلاما آخر فإن روحى يكاد يزهق من الحزن! وصدمت أذنى إذاعة القاهرة وهى تقدم للمستمعين فى فترة الظهيرة من 21 سبتمبر سنة 1982 ـ أو أيلول الأسود كما يسميه البعض ـ أغنية عبد الوهاب ( ليلنا خمر..)!!

ورأى أحد جلسائى تغير وجهى.. وهمست وأنا مستغرب: كان من الممكن أن تقدم الإذاعة للمغنى نفسه، وللمؤلف نفسه قصيدة (أخى جاوز الظالمون المدى) فما هذا العمى؟

إن قصيدة (ليلنا خمر) ما يجوز أن تذاع أبدا.. فالإسلام يحرم الخمر ليلا ونهارا.. وعندما كانت الخمر مباحة فى الجاهلية العربية حرمها العرب على أنفسهم عندما يضامون ويكون لهم ثأر، حتى لا تنسيهم الخمر ألمهم وتسليهم عن مصابهم. فكيف يسمعون الآن من يغنيهم بصوت رخيم ( ليلنا خمر)!.

لكن واضعى البرامج والمشرفين على الإعلام فى واد آخر، إنهم ينادون من مكان بعيد..! ويظهر أن العرب أصبحوا الآن بعرا على صعيد هذه الأرض، فهم يتلقون الأذى سكارى أو طلاب سكر!.. وفى الوقت الذى يمكن فيه قادة اللهو من تنويم الأيقاظ نمنع نحن من إيقاظ النيام!

ماذا يطلب صانعو المذبحة أكثر من تخدير المشاعر وتدويخ الأفكار والحيلولة دون كل إحساس بالفاجعة وطلب للقصاص وأخذ بالثأر؟

لكن لماذا تهدر دماء المسلمين عالميا على هذا النحو الشائن؟

هناك سببان قائمان لهذه المجازر، أولهما يرجع إلى تعاليم حرب الإبادة التى حواها العهد القديم، ولا يزال يعتنقها كثير من اليهود والنصارى، وقد شرحناها فى مكان آخر من كتبنا.

أما السبب الآخر فيعود إلى طبيعة الحكم فى البلاد الإسلامية، والفجوات العميقة بين الشعوب وأصحاب السلطة ووقوع أزمة الأمور عادة بين جلادين لا يرحمون.

إننى ـ وأنا أكتب هذه السطور ـ أقرأ وأسمع عن الإضراب العام الذى أعلنه العمال فى إنجلترا احتجاجا على سياسة الأجور.

الألوف المؤلفة تحدت الحكومة هناك، وانتهى اليوم العاصف دون أن تسفك قطرة دم أو يخدش ظفر عامل أو شرطى!.. لقد حسدت هذه الأمة! أيمكن أن نرتفع إلى مستواها؟

وراقبت الصراع فى (بولندا) بين الحكومة الشيوعية والشعب الكاثوليكى ونقابة (التضامن) التى ينتمى إليها جمهور العمال، لقد ظلت الإضرابات نحو أسبوع، وطال الصراع بين الجيش والعمال، وكانت الحكومة شديدة الغضب عالية الوعيد!

وانتهت الأزمة وقالت الحكومة: قتل ثلاثة، وقال الشعب: قتل خمسة.

وقلت فى نفسى: لو وقع مثل ذلك لدينا لقتل مئات! بل إن أحداث بيروت أعقبتها تظاهرات صاخبة ـ من الغاضبين للإنسانية المجردة ـ فى بعض مدن أوروبا.. أما العواصم العربية الكثيرة فإن التظاهرات فيها ممنوعة.

الواقع أن حقوق الإنسان وكرامات الشعوب والضمانات المادية والأدبية الموفورة للفرد والمجتمع تسود أغلب عواصم الأرض، أما العرب الأشاوس فلهم تقاليد أخرى وشئون وشجون.

وعندما تهون الرعايا على الرعاة فكيف لا يغلبها الأعداء؟ إن أغلب الرؤساء لدينا يتولون السلطة بأساليب غير طبيعية، ثم يحاولون إضفاء الصبغة الشرعية عليها بعد ذلك وفى قطيعة تامة بين الأمة والحكام يتم الصلح مع اليهود، وتصدر قرارات يرفضها الإسلام جملة وتفصيلا.

ويمكن استئجار أعداد من الغوغاء للتصفيق، ونفر من حملة الأقلام للتسويغ، أما جماهير الخاصة والعامة فلا علاقة لها بما يكون.

وقد تكشفت هذه الخبايا للعالم غداة مقتل السادات، فقد توافد رؤساء الصليبية والصهيونية لتشييع الجنازة، ولم يكن غيرهم حول النعش تقريبا.

أما سواد المصريين فكان يشجع قافلة الموت ببرود غريب، ونظرات عابرة كأن الأمر لا يعنيه أو كأن شيئا لم يحدث.

وتأملت الوفود القادمة أبناء القاهرة وهم مستغرقون فى حياتهم اليومية لا يلفتهم أحيانا إلا تبادل النظرات الصامتة وراء الجنازة وتساءل كثيرون أين الكثرة الساحقة التى كانت تؤيد الصلح مع إسرائيل؟

لقد اختفى الأجراء! وصعب استئجارهم مرة أخرى ولو ليستروا موكب الموت..! والحكام من طراز السادات إذا وقعت بينهم وبين شعوبهم نفرة وشجار كان الموت الذريع هو الفيصل الحاكم.

خرست لعمر الله أنفسنا .. لما تكلم فوقها القدر

أما السوريون فإن البعث العربى المتسلط أوقع بهم مجازر رهيبة وجدد ذكرى (نيرون) عندما دمر (حماة) كما دمر الإمبراطور الهالك مدينة (روما).

والذين شهدوا فاجعة (حماة) يؤكدون أن مصاب بيروت دونها، وأن ألوف المسلمين من رجال ونساء وأطفال بادوا فى هذه الغارة البعثية.

ولقد سمع الإرهابى (بيجين) يعتذر بما وقع فى (حماة) عما أوقعه هو ورفاقه بالعرب فى بيروت وغير بيروت.

بيد أن فساد الحاكمين فى بعض الأقطار، ومصاب الأمة بهم حينا من الدهر لا يخففان من الفظائع التى تخلفها الحروب الفاجرة، ولا يقللان من غضب الناس عليها، خصوصا عندما يصحب هذه الفظائع توحش شاذ، يقول الأستاذ مصطفى أمين:

(سوف يحتاج الرأى العام العالمى لمائة عام، قبل أن ينسى مذبحة اللاجئين الفلسطينيين فى بيروت فى مخيمى "صابرا وشاتيلا" ولن تكفى مياه الأنهار فى الدنيا كلها لغسل أيدى المجرمين الملوثة بدماء الأبرياء الذين ذبحوا الأطفال وخنقوا النساء وصلبوا الرجال. الذين دفنوا المدنيين العزل تحت التراب أحياء. الذين أرسلوا البلدوزر ليهدم البيوت بمن فيها، ويحول السكان الآمنين إلى أنقاض.. الذين فرشوا شوارع بيروت بدم الأبرياء، وعلقوا جثثهم على الأشجار بعد أن كانت تعلوها الورود والأزهار.

لم يحدث فى تاريخ العالم أن ذبح غزاة الأطفال فى أسرتهم والعجائز فى مخادعهم. لم يحدث أن الجثث شوهت بعد قتلها، والسكاكين بقرت البطون بعد ذبحها وجماجم القتلى ديست بالأقدام بعد اغتيالها.

هذه الوحشية لم نشهد لها مخيلا فى جيلنا. سمعنا عن هولاكو وهتلر وستالين، ولكننا رأيناهم بأعيننا فى بيروت. صراخ الثكالى واليتامى والأبرياء يصل حتى الآن إلى آذاننا، يحول الصامتين إلى صارخين، والمسالمين إلى غاضبين والمتفائلين إلى متشائمين، وأنصار السلام إلى منادين بالانتقام.

إن القبر الهائل الذى حفرته إسرائيل لن يتسع لشعب فلسطين كله، وسيبقى مفتوحا يضم الذين دبروا الجريمة البشعة والذين حرضوا عليها) ا.هـ

وهنا سؤال: من الذى يقتص من (بيجين)؟ ويعاقب الإرهابى الكبير وصحبه المجرمين؟
حاكم عربى يقول له مدللا: أيها الصديق العزيز (بيجين)؟
حاكم عربى ينظر خلفه فيجد شعبا يتربص به ويتمنى الخلاص منه؟
حاكم أمريكى يقلب الحقائق ويتهم المكافحين الفلسطينيين بالإرهاب؟
حاكم شيوعى يبيع السلاح للمدافعين بأغلى سعر، ويخذلهم فى الساعات الحرجة؟

إذا لم يعتنق العرب الإسلام وينتموا إليه ظاهرا وباطنا فلينتظروا خسفا ومسخا ومذابح أخرى!

----------( يُتَّبع )----------
#محمد_الغزالى #علل_وأدوية
كلمة حرة
نشر في 10 تموز 2018
QR Code
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع