Facebook Pixel
ميراث الأرض.. لمن؟
2977 مشاهدة
4
1
Whatsapp
Facebook Share

لقد آن للمسلمون تفهم معاني القرآن الكريم وآياته، ففي كتاب الغزو الثقافي يمتد في فراغنا موضحاً عن الوراثة في الأرض لمن ستكون؟

كتاب : الغزو الثقافي يمتد في فراغنا - تأليف : الشيخ محمد الغزالي

الحلقة [ 9 ] ميراث الأرض .. لمن ؟

جاء فى القرآن الكريم هذا الحكم الحاسم : (ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون ، إن في هذا لبلاغا لقوم عابدين) . ما معنى وراثة الأرض ؟ ومن هم العباد الصالحون ؟

من تتبُّع الآيات المشابهة فى القرآن الكريم نجد أن هناك معنيين لوراثة الأرض : الأول ـ وهو الشائع بين العابدين ـ يتصل بالدار الآخرة ، أي أن العراك الرهيب فى هذه الدنيا ، والميدان المليء بالانتصارات والانكسارات والصاعدين والهابطين والمكثرين والمقلين والظالمين والمظلومين سينتهي حتما لمصلحة الأخيار من الناس فهم الذين يضعون أيديهم على مصيرها ، وتقر أعينهم بما أسلفوا فيها .

وفي هذا يقول الله تبارك اسمه ، واصفاً ما يدور على ألسنة المؤمنين بعد هذه النهاية (وقالوا الحمد لله الذي صدقنا وعده وأورثنا الأرض نتبوأ من الجنة حيث نشاء فنعم أجر العاملين) .

الرواية إذن ليست هزلية كما يقول أحد الكتاب الأوربيين لجلسائه وهو يُحتضر ويرسل آخر أنفاسه في هذه الدنيا : أسدلوا الستارة فقد انتهت المهزلة .

إن الستار يسدل على فصل ليزاح عن فصل آخر أخطر وأبقى! وقصة الحياة ليست تمثيلية مضحكة أو مبكية . (أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون ، فتعالى الله الملك الحق...). الأمر جدٌّ لا هزل ، والظالم الضاحك هنا سوف يبكي طويلاً ، والمضطهد المرميّ وراء الأسوار سوف يتقدم كثيراً ، والمستقبل البعيد للخير لا للشر...

وهناك معنى آخر لوراثة الأرض نريد أن نتريث عنده طويلاً .. نجده في قوله سبحانه عن بني إسرائيل في صراعهم مع الفراعنة ، وبعد محنتهم باستئصال الذكور، واستبقاء النساء (وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها وتمت كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا ودمرنا ما كان يصنع فرعون وقومه ..).

وظاهر أن هذا الصراع بين الحق والباطل طال أمده ، لقد بقي عشرات السنين التي لاقى المستضعفون خلالها عنتاً هائلاً ، وتحملوا تضحيات ثقيلة ، ولكنهم صبروا. وكأن هذا الصبر كان النار التي اشتعلت في كيانهم لينضجوا ويصلحوا لميراث الأرض.

ومع أن عقيدة التوحيد أجدر بالنصر أول يوم عندما تشتبك بالاستبداد الفردي وادعاء بشر للألوهية ـ إلا أن حملة العقيدة لا يكتب لهم الفوز حتى يبلغوا مستوى معيناً من الكمال الشخصي والرقي الاجتماعي والقدرة على إسداء الخير العام .

قد تسأل : من أين أتيت هذه الشروط التي ذكرتها ؟ والجواب : من وصف الله للحق وأهله والباطل وأهله فى آيات أخرى تفسِّر المجمل هنا ، والقرآن يفسّر بعضه بعضاً..

إن القرآن الكريم يجعل الخاصة الأولى للحق أنه ينفع الناس مادياً وأدبياً ، وتسعد به الجماهير في عاجل أمرها وآجله . وقد يعلو الباطل ولا قيمة لعلوه فالغثاء الرخيص قد يكسو سطح الماء ، والجيف الميتة قد تطفو فوق التيار، ولا قيمة لهذا ولا لذاك ، تدبر قوله تعالى (أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها فاحتمل السيل زبدا رابيا ومما يوقدون عليه في النار ابتغاء حلية أو متاع زبد مثله كذلك يضرب الله الحق والباطل فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض كذلك يضرب الله الأمثال ) .

والأنفع للناس هو العدل سياسياً كان أو اجتماعياً ، والشورى ولو بين أفراد الأسرة الواحدة ، والنظام الشامل لا الفوضى السائدة ، والحرية التي تكتمل في جوها العقول ، وتنضج الملكات ، وتمحص الآراء ، والتعارف لا التناكر، والتعاون على البر والتقوى لا على الإثم والعدوان، وإتاحة الفرص للفطر السليمة والمواهب الرفيعة أن تتفتح وتبدع...

إن حملة العقائد الجديرين بالنصر ليسوا قطاع طريق ورجال عصابات ، إنهم طلائع المعرفة وأشعة اليقين وأصحاب الأخلاق الزاكية والأنفاس الطاهرة ، إنهم ـ بإيجازـ صانعو النهضات الحقيقية ، وأخلاق النبيين التقاة وقادة الفكر الواعي والسلوك المجدي..

هؤلاء هم الصالحون الجديرون بالسيادة في الدنيا...

إن الله لم ينصر العرب قديما لأنه حابى جنساً على جنس ولكن لأن عدل عمر أنفع للإنسانية من جبروت كسرى ، وضوابط الوحي عند الصحابة الأولين أفضل للناس من تحريف أهل الكتاب...

والصدق أثقل في الميزان من الكذب ، عندما يكون الصدق سمة جيل يتحرك به ويموت في سبيله ، لا عندما يكون خطباً رنانة وصحائف مزوّقة...!!

إن انتصار العرب على الفرس والرومان يعني انتصار حضارة متفوقة على حضارات تعفنت ووجب دفنها . لا محاباة هنالك ، وإنما هو اطراد السنن الكونية التي وضعها الله للمجتمع البشري قديما وحديثاً... وطبقت بصرامة في الأنبياء والصديقين كما طبقت على العتاة والمفسدين ( قد خلت من قبلكم سنن فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين ، هذا بيان للناس وهدى وموعظة للمتقين ) .

ونسأل مرة أخرى : هل الصلاح الذي تعنيه الآية (..أن الأرض يرثها عبادي الصالحون ) هل هو قدرة على الصلاة والصيام وعجز عن الجهاد وعن صنع آلاته التي يحيا الإيمان في ظلها ؟ هل هو رغبة فى الطعام وعجز عن إحياء الموات وتكثير النبات؟

لننظر هذه المرة إلى العبد الصالح الذي أنزل عليه الزبور كما أنزل الذكر على نبينا ، لننظر إلى داود ، ولنر عناصر صلاحيته! يقول الله فى داود : (ولقد آتينا داود منا فضلا يا جبال أوبي معه والطير .. ) كان الرجل العابد يتغنى بأمجاد الله ويسبح بحمده ، وكانت العاطفة الحارة تشيع فى غنائه فيهبط لها الطير، وتتردد أصداؤها فى الجبال .

فهل اكتفى بهذه الروحانية ؟ كلا لقد ضمَّ إليها مهارة صناعية عظيمة ، ووجّهَةُ الوحي إلى إجادة الصناعة التي لانت له ، وإحكام نسج الدروع التي كانت قديماً من أدوات القتال . .

فماذا بعد الغناء بعظمة الله، وصنع الأسلحة للدفاع عن دينه؟.

وصفه القرآن بأنه كان صاحب توبة ، وصاحب دولة ، وأرشده إلى أن يحكم بين الناس بالحق ، وألا يتبع الهوى كما بشره بحسن المآب لسرعة استغفاره ، وحسن سجوده.. عناصر الصلاح هنا تجمع اكتمالاً نفسياً وصناعياً وسياسياً أي عناصر حضارة مؤمنة لا يجوز أن تنساها الأمم ، ذكرت في الزبور الذي استمع له بنو إسرائيل قديما كما ذكرت في القرآن الكريم الذي نهض به العرب وساروا...

والمعروف من بدء الخليقة أن الإنسان أوتي علما عجزت عن مثله الملائكة ، وأن هذه النشأة العلمية هي المهاد الأول لحركته الذكية في البر والبحر ـ والجو ـ وكل ما كُلِّف الإنسان به ـ بعد هذا التمكين ـ أن يعرف : من سواه ؟ ومن فضله ؟ من صاحب هذا الكون الكبير ؟ وما حقوقه ؟ .

فلا يجوز له بعد هذه المقدمات البيّنة أن يزعم للكون رباً آخر يتوجه إليه ، ولا يجوز له أن يحيا متمرداً على المنهج الذي خطه له ! وإنها لخسَّة محقورة أن يجحد المرء أصل وجوده وولي نعمته ، وأن يعيش وفق منهج آخر يخطه هو لنفسه أو يخطه شيء آخر ! هذا هو الشرك المرفوض (قل أفغير الله تأمروني أعبد أيها الجاهلون ، ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين ، بل الله فاعبد وكن من الشاكرين ) .

والمطلوب من الإنسان ألا يدع عقله مطية لهواه ، وألا يجعل خصائصه الأدبية الرفيعة طيعة لغرائزه الدنيا ، ولأثرته الخاصة، فإنه إن فعل ذلك أهلك نفسه ومن معه على سواء..

فالإنسان الصالح ليس صاحب العقل الكبير فقط ، بل ينبغي أن يكون كذلك صاحب قلب سليم وضمير يقظان وقدرة على كبح نفسه وامتلاك رغبته .

ولباب الدين هذه الحقائق وما يضبطها وينميها من عبادات..

بيد أن هناك ناساً مَرِضُوا كما تمرض النباتات والحيوانات ، ونسوا كلاُّ أو جزءاً مما ذكرنا ! وليتهم لما مرضوا نشدوا العافية كي يحيوا أصحاءَ ، لقد حسبوا أمراضهم هي الأصل ، أوهي طبائع الأشياء ، وأرادوا فرض ذلك على الدين والدنيا .

الأرض ذلول للإنسان منذ نشأته الأولى ، فإذا البعض يعجز عن امتطاء هذه الوسيلة الذلول لأنه كسيح معلول ، فإذا هو يريد جعل كساحه الفكري فلسفة تُعتنق أو ديناً يتبع ! وإذا هو يستحلي الجهل بالدنيا وتجهيل غيره فيها . ومن ثم أمست الفرية على المادة وقوانينها وأسرارها شريعة الأمم المتخلّفة ، والظاهرة المنتشرة فيما يسمَّى اليوم العالم الثالث .

من قال : إن هذا الجهل صلاح ؟ وإنه طبيعة الدين ؟ أي دين ؟ الدين الذي يقول لأتباعه : (ولقد مكناكم في الأرض وجعلنا لكم فيها معايش ) . الدين الذي يقول لأتباعه : (وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب ) إن أولئك المتخلفين عقلياً وحضارياً فقدوا أهمّ معالم الصلاح وهم أعجز من أن يقيموا مجتمعاً تقيًّا ، أو يقاوموا مجتمعاً كفوراً .

والمتخلفون عقلياً وحضارياً يستحيل أن يصنعوا صحوة إسلامية لأن الصلاح في الإسلام ليس خيمة من الغيبيَّات يهرع إليها العجزة . إنه اقتدار في عالم الشهادة يتمكن المرء به أن يحمي إيمانه المعقول بكل الوسائل الممكنة في الأرض والسماء.

قال لي شاب طيب ينشد المعرفة ، وقد بوغت بما أقرر : هل الأوضاع في الحضارة الحديثة أتقى لله وأجدر بالبقاء من الأوضاع بيننا معشر المؤمنين المتخلفين ؟ .

قلت له : ما أحسن هذا السؤال ، وأريد أن أجيب عنه بتؤدة حتى نعرف مالنا وما علينا .

إن الحضارة الحديثة بشقيها الغربي والشرقي أحرزت تقدماً هائلاً خدمت به أغراضها الرديئة . ولكي نكون أحق منها بالقيادة والسيادة يجب علينا أن نحرز تقدماً علمياً مثل أو أوسع من تقدمها ، ولا يكفي هذا . بل يجب أن نضم إلى هذا التقدم العلمي تقدماً خلقياً يجعل تفوقنا الحضاري في خدمة مبادئنا ومثلنا العليا...

تقول : كيف ؟ فلأشرح ما أعني إن الأوربيين أثاروا الأرض وعصروها أكثر مما أثرناها نحن وعمرناها ، وقدروا على استخراج معادنها الجامدة والسائلة على حين عجزنا نحن كل العجز .

أفلا يزيِّن لهم هذا السبق أنهم أولى بالأرض منا ؟ وأن مبادئهم أحق بالبقاء من مبادئنا ؟ وأن أرباح هذا السبق حلٌّ لهم وحرام علينا ؟ .

فإذا حدث ـ بعد زمان طويل أو قصير ـ أن تلاشى ذلك التفوق العلميّ بقي أمر آخر ذو بال. أين تفوقنا الإداري فى ميدان الحكم والمال ! إن الحقب الأخيرة فى دولة الخلافة الغاربة لا تشرف الإسلام فى ذلك المجال ـ إن الشورى وحقوق الإنسان وكرامة الجمهور وحصانة المال! العام سمات بارزة فى الدولة العصرية ! فهل هي سمات بارزة فى تصورنا نحن لفن السياسة؟.

إن السلطان سليم الأول وجّه جيشه ـ بغباء فذ ـ لاحتلال مصر، والقضاء على دورها الرئيسي فى الصفّ الإسلامي فهل هذا المسلك نموذج للتصرف الراشد ؟ وهل احتج عليه أحد؟

المؤسف أن عدداً من المتحدثين في الإسلام لا يدري عن الإدارة الإسلامية رأساً من ذنب ، ولا يعي الضوابط الدقيقة لحماية الدماء والآراء والأفراد والجماعات . فهل نصف هذه الجهالة بأنها صلاح يرث أصحابه أرض الله ، ويطبقون فيها شرائع الله؟

كلمة الصلاح تعني الصحة النفسية والفكرية والاجتماعية ، وأبعد الناس عنها هم المعلولون في تلك النواحي جميعاً وإني أعجب ، من عجز إنسان عن حماية المسجد وهو يعلم أن هناك خصوماً يتربصون به ، ويريدون تخريبه مصداق قوله تعالى : (ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها).

ما سرّ عجزه ؟ إنه لا يستطيع صنع الأسلحة التي يدفع بها عنه. وها هم أولاد إخواننا فى أفغانستان يعانون الأمرين فى الذود عن بلادهم ومساجدهم وعقائدهم ، لأن الجبهات التي تبيع السلاح لا تمدُّهم بما يغني .

هل التخلّف الكيماوي والهندسي والفيزيائي من معالم التقوى ؟

إذا نبه الله عباده إلى أن الأرض يرثها عباده الصالحون، فمعنى ذلك الصلاح أوسع من ركعات تؤذى أو أيام تصام ، إنه علم رحب الآفاق بكل شيء فى مقدور البشر، وعدل ممدود الرواق لا يشقى معه ضعيف . ولا يزيد فيه نصيب مؤيد على نصيب معارض ! وتنظيم نظافة الوجوه والثياب والبيوت والشوارع والقرى والمدن ، وأمان ضد الجوع والقلق وطوارق اليوم والغد ، وكفالة لحرية العقل والضمير تنمو فيها المواهب وتنضج الملكات وتكتمل الشخصية وتصان المرافق العامة والخاصة…

قال لي الشاب الطيب : إنك أسهبت في وصف الأوضاع الرديئة التي طرأت على المسلمين في هذا العصر، بيد أن هذه الأوضاع مهما ساءت لا تحرمهم حق القيادة لأنهم حَمَلَةُ رسالة الحق ، ولا تجعل أعداءهم أولى بالله منهم . ولا تنسى أن حضارة الغرب مدمرة لا معمّرة ، وأنها توجه ذكاءها إلى إشقاء البشر، ولابد أن يلحقها عقاب القدر..

واستتلى يقول : هل تعلم أن إنتاج قنبلة زنة عشرين كيلو يساوي شراء ثلاثين طناً من الفحم الكافي لتدفئة 23 أسرة طول فصل الشتاء ؟ وأنه يمكن بثمن مدمرة واحدة بناء مستشفى حديث يتسع لمائة مريض ؟ وبثمن دبابة واحدة يمكن صنع 48 جراراً زراعياً تنشيء الحياة لا الهلاك ؟ وبثمن طائرة مقاتلة يمكن إنارة 15 مدرسة تتكون كل مدرسة من ستة فصول ؟ وأن بعض قاذفات القنابل يبلغ ثمن الواحدة منها 55 ألف طن من القمح... إلخ.

قلت للشاب الطيب : إن ما تذكر لا يواري سوأة التخلّف الذي تعيش فيه أمم العالم الثالث ، ولا يشفع للمسلمين أمام الله عندما يحاسبهم على قصورهم الحضاري وتقهقرهم الصناعي..

لقد انهزم المسلمون في أحد لأنهم لم يستجمعوا المقدمات التي تنتج النصر. ولم يكن المشركون أولى بالله منهم ! إن الله وضع للنصر أسباباً كثيرة وأوجب على عباده كلهم رعايتها ، فمن أبى فلا يلومن إلاً نفسه .

وهل تلاشى الوجود الإسلامي في الأندلس ، وفي غيره إلا لهذا الغرور الذي زيّن للمسلمين الاسترخاء الفكري والكسل العقلي ، وأطمعهم ـ مع ذلك ـ في النصر ؟ كيف وهم يقرؤون فى كتابهم ( إن الله لا يصلح عمل المفسدين * ويحق الله الحق بكلماته ولو كره المجرمون).

أما الإحصاءات التي ذكرتها عن تكاليف أدوات الدمار فهو شيء مخز حقاً ، ولكنه يمسنا قبل أن يمسَّ غيرنا .

قال : كيف : قلت : إن القوم لم يدعوا شبر أرض عندهم إلا زرعوه ، ولا مدارس أو مستشفيات تحتاج إليها شعوبهم إلا بنوها. وتكليفهم أن يصنعوا مثل ذلك في أرجاء العالم الثالث موضع نظر، إن أثرتهم عمياء، واستعلاءهم خبيث، وسيقولون: لماذا نخدم قوما لا يخدمون أنفسهم ؟ قوما ينفقون على شهواتهم أضعاف ما ينفقون على وسائل الرقي والازدهار! !..

والواقع أن مصيبة العالم الثالث في ملكاته وأخلاقه أفدح من مصيبته في ثرواته وأرزاقه...

والعرب اليوم يشتبكون في حرب مع المغيرين على الأرض المقدسة ، ترى كيف نصف الأوضاع العامة داخل الأرض المحتلة ؟ وكيف يطرد العرب أسرة أسرة من مدنهم وقراهم ؟ إننا نلحظ بين اليهود ما يلي :

أ ـ اليهودية سلاح فعال فى الهجوم. ومواريث التوراة والعهد القديم كله والتلمود وكل الأساطير الشائعة بين القوم تستخدم لإلهاب الحماس بين العامة والخاصة.

ب ـ الأنوثة قسيمة للذكورة في بناء الدولة والمجتمع، والمرأة هي التي تحدد جنسية اليهودي إذا اختلف دين الزوجين، وهناك فرق نسائية جيدة التدريب على الحرب والسلم ورئيسة الوزراء "جولدامائير " هي التي كشفت قماءة بعض الزعماء العرب وأنزلت بهم أنكى الهزائم .

جـ ـ وجهت تهمة السرقة إلى وزير الأديان " هارون أبو حصيرة " وعوقب بالسجن (!) وأعفي كذلك رئيس الوزراء "إسحاق رابين " من منصبه لمخالفات مالية لا تشين ذمته ، نُسبت إلى امرأته .

د ـ في تحقيق رأت الإدارة اليهودية إجراءه لتحديد الدور اليهودي في مذبحة بيروت " صبرة وشاتيلا " أمر القاضي "كاهان " بإخراج الوزير شارون من الوزارة، ونفذ الحكم ، وإن أعاده " بيجن " إلى الحكومة بلا وزارة يشغلها.

هـ ـ رأى " بيجن " أن يترك العمل الحكومي بعدما حقق لقومه أطماعاً رهيبة ، فخرج دون إحراج أو إزراء وقعد في بيته محفوظ المكانة بين بني جنسه... الخ.

واليهود يصنعون أنواع السلاح ، ويبيعون ما يفيض عن حاجتهم، ويرى المراقبون أنهم أتموا صنع القنبلة الذرية وسواء صح هذا أم لم يصحّ فهم يتقدمون صناعياً إلى حد بعيد أو إلى حدٍّ مخوف .

ولا أريد أن أبحث المقابل لهذه الأوصاف بين العرب . وإنما أذكر باستغراب أن العرب في فلسطين أو في الجامعة يستبعدون الإسلام سلاحاً في المعركة ، ولو كان دفاعياً مع أنهم يترنحون تحت وطأة العقيدة المهاجمة .

قلت وأنا غاضب : إذا لم يكن هذا ارتداداً عن الإسلام فهو خيانة للأوطان ! فقال لي أحد الناس إن بعض المتدينين هم السبب في هذه الطامة. المستمع إلى أقوالهم والناظر في أحوالهم يرى العجب ، لا شيء هنالك أهم من الجلباب القصير واللحية الطويلة والنقاب السميك ، والترويج لبعض النظرات في فروع الفقه وجعل بعض العادات المحلية ديناً عالمياً... أما التفوّق العلمي والصناعي فشيء لا يعنيهم. وكذلك اعتناق فهم ناضج في سياسة الحكم والمال ، لكأنهم يؤثرون الاستبداد على الشورى، والرأسمالية على العدالة الاجتماعية ..

قلت له: صه. دعك من هذا المجون. إن الأشخاص الذين تعنيهم ما كان لهم وجود حقيقي يوم كان الدعاة الراشدون يتكلمون ويوجهون ، إن أولئك القاصرين دفعتهم إلى الأمام قوى محلية وعالمية تكيد للإسلام وتؤخر صحوته وتود له العنت والبوار . . .

وعدت إلى نفسي كي أستعرض الأمور كلّها، إنني خائف من انهزام الفقه أن يتقدم الأغبياء وينفردوا بالقيادة وتلك هي الفرصة المتاحة للاستعمار الثقافي كي يجهز على ديننا ويقضي على مستقبلنا.

وتذكرت رسالة جاءتني من أحد طلابي الذين يستزيدون من المعرفة في الولايات المتحدة يقول فيها: "... كنت في مكتبة عامة لجامعة (...) فإذا طالب عربي يلبس جلباباً أقرب إلى أن يكون قميصاً ، وفي فمه سواك يديره أحياناً ويثبته أحياناً ، ووددت لو كانت لحيته مهذبة ! لقد كان منظره العام رسماً كاريكاتيرياً للإسلام يثير السخرية.. "

إن هذه المناظر المؤذية كثيرة ، وما أرتاب في أن وراءها أصابع خفية تعمل ضد الإسلام .

لقد آن الأوان ليعلم المسلمون معنى قوله تعالى : (ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون * إن في هذا لبلاغا لقوم عابدين) .

----------( يُتَّبَع )----------
#محمد_الغزالى
#الغزو_الثقافي_يمتد_في_فراغنا
كلمة حرة
نشر في 13 تموز 2018
QR Code
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع