Facebook Pixel
القرآن الكريم
1101 مشاهدة
0
0
Whatsapp
Facebook Share

كتاب مبارك، خلق من الهباء أمة ضخمة، واستبقى على القرون جيلا من الناس، ما كانوا ليدخلوا التاريخ أبداً لولا نهوض هذا الكتاب بهم

كتاب : الإسلام والطاقات المعطلة - تأليف : الشيخ محمد الغزالي

الحلقة [ 8 ] : القرآن الكريم

هو كتاب مبارك، خلق من الهباء أمة ضخمة. واستبقى على القرون جيلا من الناس، ما كانوا ليدخلوا التاريخ أبدا لولا نهوض هذا الكتاب بهم.

وليس فضل القرآن على العرب وحدهم فإن العالم أجمع جنى أكرم الثمرات من هذا الكتاب العظيم، ذلك أن تعاليمه أعادت بناء الإنسانية من جديد، وأزالت ما خلفته القرون الأولى من عوج فى عقلها وفؤادها.

والوجهة التى انساق إليها العالم منذ ظهر القرآن هى التى أنشأت المنطق الحديث، وحررت أساليب المعرفة، وأمكنت من السيطرة على الكون..

ولولا ما شرع القرآن من طرق النظر الصحيح والعمل الطيب لظل العالم يتدحرج مع خرافات الرومان والفرس واليونان حتى يبلغ الحضيض..

ولكن الله- برحمته وبره- أنقذ أهل الأرض من هذا المصير الأغبر. وأنزل القرآن الكريم ليكون فجرا جديدا على الخليقة، تستأنف فى هداياته سيرا أرشد، إلى غاية أكرم (إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم و يبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا كبيرا * وأن الذين لا يؤمنون بالآخرة أعتدنا لهم عذابا أليما).

هذا القرآن كتاب مبارك.. وبركته تعود إلى غزارة الحقائق التى تضمنها وروعة المنافع التى كفلها.. والمسلمون يشعرون بهذا، غير أن شعورهم يأخذ طريقا مبهما ساذجا يجعل صلتهم به لا تعدو التعبد بالألفاظ، والتوقير المادى للتلاوة المجردة. وهم ينتظرون الرحمة من القرآن على نحو مستغرب!

يقول الله جل وعز: (وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون) فإذا المسلمون يحسبون الرحمة المرجوة هنا شيئا يفيض من الآيات فى مجلس القراءة، كما تنبعث الحرارة من الموقد أو كما تنسكب المياه من المنبع، ثم يحسبون هذه الرحمة ستعمل عملها تلقائيا فى إسعاد البائسين وإفراح المحزونين.

وهذا تصرف مقلوب، فالرحمة المرجوة من القرآن تجئ من تعرض الناس لمعانيه يلتمسون فيها مخرجا من الحيرة وقرارا من القلق. تجئ من تأمل القارئ والسامع فى هذه الحكم البالغة التماسا لدواء يتداوون به، أو توجيه ينقادون إليه...

إنها لا تسيل فى مجالس الأحياء والأموات فتصيب الغافلين وتنال المعرضين، كلا، إن رحمة القرآن الكامنة فيه يظفر بها أهل الوعى والتدبر والعمل. ولا غناء لمصحف فى جيب، ولا لمصحف معلق على جدار...!!

ولا غناء فى همهمة قارئ مذهول، ولا مطرق تملأ الأصوات أذنيه، ولا فقه عنده...!!

والقرآن يبنى الأفراد والأمم بطريقتين، إحداهما أعظم من الأخرى، الأولى صوغ الأنفس على معرفة الله، واستشعار عظمته، والتهيؤ لملاقاته يوم يقوم الناس لرب العالمين...

والأخرى، الأحكام المحددة التى فصلها، وطلب من عباده إنفاذها سواء فى أحوالهم الخاصة، أم فى شئون الأسرة والمجتمع والدولة...

وإنما قلنا: إن الأولى أعظم من الأخرى، لأن ضمانات الخير فى مجتمع ما ليس فى قيام بعض التشريعات، أو سيادة طائفة من القوانين الصارمة.! فربما أمكن احترام القوانين من ناحية الشكل، مع تشعب الفساد فى الباطن...

والقرآن الكريم يعالج الأمم بما يوفر لها سلامة الجوهر، واستقامة الطبيعة، ومن ثم حفلت السور بفنون لا تحصى من العظات التى تقيم الحياة الباطنية على دعائم من التقوى والخشوع والإخلاص...

إن مادة القانون الشرعى فى العقوبات الخاصة وشتى الأحكام الجزئية لا تستغرق بضع صفحات.

أما مئات الصفحات الباقية فى القرآن الكريم فهى تستهدف دعم اليقين، وتثبيت شعبه فى أعماق النفوس.

والجيل الذى أنشأه القرآن من أربعة عشر قرنا لا يمتاز بشئ إلا بهذا السناء الذى تخلل جوهره من صدق علاقته بالوحى الأعلى...

إنه كان طرازا نقيا من البشرية الرفيعة، هبط على الدنيا يومئذ، وكانت ملوثة بركام فوق ركام من الدجل والسخف، والإثم والعدوان، فكان سيلا مطهرا غسل أرجاءها، ودلكها دلكا شديدا، وما زال بها حتى نقاها من رواسب الجاهلية الأولى التى ابتلى بها دهرا...

أما مسلمو اليوم فصلتهم بالقرآن لا تغسل من نفوسهم درنا بله أن يغسلوا هم أدران الآخرين. إنهم ـ كما شرحنا آنفا ـ اتخذوا القرآن مهجورا، وأقاموا فى حياتهم حجابا كثيفا بين تعاليم القرآن، وبين ما يدعون وما يشتهون...

وهذا سر العجب العاجب فى أن محطات الإذاعة بتل أبيب ولندن وباريس وواشنطون... تستجيد الأصوات، وتملأ بها الاسطوانات وتديرها على آذان المسلمين، فيستمعون من مشاهير القراء إلى آيات كتابهم!!...

الكتاب الذى أحيا الأولين، ثم أمسى مفروضا الآن أنه لن يحرك الآخرين...!! وإلا فلو علم السادة المذيعون أن هذه التلاوة سوف تنبه غافلا أو تنشط كسولا ما استقدموا لها أحدا، ولا أذاعوا منها حرفا...

إنهم يريدون تمويت العبيد لا إحياءهم.!!

ذاك مصير الروح القرآنى الملهم البانى. صرخة فى واد، ونفخة فى رماد..!!

أما مصير الشرائع القرآنية الأخرى، فإن أكثرها معطل، بل أن العمل بأكثرها يعد ـ فى نظر الأجيال التى خلقها الاستعمار ـ نكسة إنسانية، ورجعة إلى الخلف...!!

وذلك الإهمال المتعمد لجمهرة النصوص أو هى الإعزاز المنتظر لبقيتها.

ولا غرابة! فإن الله إذا قال: (يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه). وقال: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا). فالأوامر فى الآيتين سواء.

وعندما يتقرر بجراءة وصفاقة هدم بعضها، فإن غبار الهدم سيطوى ما بقى منها. ولن يتحمس المجتمع لتقوى الله وسداد القول، إذا كان قد قرر فتح حانات الخمور، وأشرف على تسعير أصنافها، وميز الأنواع الفاخرة من الأنواع الرديئة.. حتى لا يغش السكارى.

والخلاصة أن القرآن كتاب مزهود التوجيه، معطل الأحكام فى بلاد الإسلام... ولو جد المسلمون معه لكان لهم شأن آخر.

----------( يُتَّبع )----------
#محمد_الغزالي
#الإسلام_والطاقات_المعطلة
كلمة حرة
نشر في 05 تموز 2018
QR Code
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع