Facebook Pixel
مفهوم العقائد الإسلامية
1134 مشاهدة
0
0
Whatsapp
Facebook Share

إن الكلام عن أركان الإيمان مبسوط الأطراف فى كتاب الله وسنة رسوله، وهو كلام يمتاز بالوضوح والجمال من كتاب الإسلام والطاقات المعطلة للكاتب محمد الغزالي

كتاب : الإسلام والطاقات المعطلة - تأليف : الشيخ محمد الغزالي

الحلقة [ 11 ] : العقائد الإسلامية

الكلام عن أركان الإيمان مبسوط الأطراف فى كتاب الله وسنة رسوله. وهو كلام يمتاز بالوضوح والجمال، ومن هنا تجاوب مع العقل والقلب، وفتح له الإنسان أقطار فكره وعاطفته...

والواقع أن حديث القرآن الكريم عن الله جل شأنه لم يتسم فقط بالصدق العقلى، وقوة الحقيقة التى تتساقط من حولها الشبهات، بل اتسم أيضا بصفاء الجوهر، صفاء يستهوى الأفئدة ويشوق الأنفس.

ولذلك كان الجيل الأول الذى اعتنق الإسلام يؤمن بالله الواحد إيمانا راسخا، ويحبه حبا عميقا..

كان يفقه وحدانيته عن اقتناع لا ريب فيه. وكان يقتفى مظاهر هذه الوحدانية فى أرجاء الأرض والسماء وما بينهما، فيبهره الجمال الإلهى المسكوب على كل شئ.

ثم كان يطبق منطق هذا التوحيد الأعلى على علائقه بأصناف الناس، فلا يرغب ولا يرهب، ولا ينكص ولا يجرؤ إلا بوحى من إيمانه الخالص...

والأمة التى تنبعث عن عقائد متغلغلة الجذور فى كيانها لا تعرف وهنا ولا هوانا.

وكذلك عاش أسلافنا وساروا، وشادوا حضارتهم، وأعلوا البناء.

كان إيمانهم بالله يندفع مع الدماء فى عروقهم ويختلط مع الهواء فى زفيرهم وشهيقهم. وكان تصديقهم بالقدر وقودا يجعل لزحوفهم قوة الإعصار، فما تردهم عقبة، ولا تثنيهم خسائر، ولا يذهلهم عن غاياتهم ترح أو فرح.

وكان انتظارهم لليوم الآخر كانتظار الموظف يوم ترقيته إلى الدرجة التى يشتهيها، أو المكان الذى يحب...!!

لقد كانت العقائد الإسلامية تجديدا للحياة الإنسانية كما يجدد دم المنزوف المشرف على الهلاك، بمقادير زائدة تمسك فيه الروح، وتعيد إليه الأمل.

ذلك أن العالم كادت تخمد أنفاسه تحت ضغط عقائد لحمتها وسدادها الباطل، ما جنى منها فى الماضى وما يجنى منها فى المستقبل إلا الدوار والدمار..!!

* * *

ثم تعكر صفو هذه العقائد بالفكر الأجنبى الذى أقحم على الحياة الإسلامية وبضروب الجدل التى زجى بها المتبطلون أوقات الفراغ..

وعندى أن الفلسفة اليونانية وما أشبهها من تخمين عقلى فى الإلهيات كان حقنة مسمومة لتراثنا الدينى النظيف.

ولولا ما فى هذا التراث من أصالة ومنعة لذوى وانقضى، كما تلاشت ديانات سابقة فى دوامة التخريف البشرى القديم.

لكن العقائد الإسلامية اعتلت حينا، وغام وجهها، وتحولت كتبها إلى صور ذهنية، ومهاجمات كلامية عنيفة، أثر ذلك الاختلاط بالفلسفات الأجنبية.

ولا شك أن عظمة الجانب العقلى فى الإسلام رجحت جانبه فى كل اشتباك، وأغرت علماء المسلمين بصياغة علوم العقيدة صياغة منطقية صناعية لا تنقصها الدقة ولا يبعد عنها النصر.

والأعداء والأصدقاء يعلمون أن الإسلام لا يغلب فى ميدان الفكر الحر، وأن عقائده تقوم على أعمدة عقلية لا يهزها زلزال أبدا.

بيد أن تحول العقيدة إلى نقاش، وأخذ، ورد، أو هى صلتها بالقلب، وبالخلق، مما جعل الأئمة الأولين يسارعون إلى العودة بها نحو قواعدها الأولى.. أى يرجعونها إلى ما امتازت به من صفاء وجمال.

ومرت الأعصار ودراسات العقيدة تنتظم حينا وتكبو أحيانا.

حتى أظلت العالم الإسلامى هذه الأيام العجاف فإذا علوم العقيدة تستخفى من الحياة العامة. وإذا هى فى الجامعات الدينية متون مبهمة، وأفكار نائية، وحوار انقضى أوانه، وعرض لأركان الإيمان يشينها ولا يزينها..!!

وإقامة أمة بلا عقائد كإقامة بيت بلا دعائم، عبث لا غناء فيه... (أفمن أسس بنيانه على تقوى من الله ورضوان خير أم من أسس بنيانه على شفا جرف هار فانهار به في نار جهنم ..)

وما قيمة إنشاء أجيال فارغة القلب من الإيمان، أو أجيال تلتقط غذاءها الروحى من كلمة عابرة، أو عظة طائرة؟؟

إن بناء الأمة على عقائدها الدينية يحتاج إلى دراسة منظومة، وتعهد مستمر، وعودة إلى مصادر الإسلام الأولى من كتاب وسنة، مع استبانة ما يتطلبه العصر الحاضر من لفتات خاصة به وسياقات تلائمه...

كما يحتاج هذا البناء إلى احترام شارات العقيدة فى جميع الأعمال والمناسبات والتواصى بإنفاذ هداها دون تردد، فى أى اتجاه شعبى أو رسمى، مادى أو أدبى، داخلى أو خارجى...

إن أعداء هذه الأمة الذين كادوا لها فى التاريخ القديم، وما زالوا يأتمرون بحاضرها ومستقبلها فى التاريخ المعاصر، يودون من صميم أنفسهم لو يوهنون إيمانها، ويضعفون قبضتها على عقائدها..

وهم يعرفون أن الطريق إلى هذه الغاية شاقة، يقطع السائر بعض مراحلها وقد عراه اللغوب..

فإذا جئنا نحن وأضعفنا صلتنا بهذه العقائد كما يبتغى الملحدون الحمر أو البيض فهل نكون إلا أعوان أعدائنا على أنفسنا؟ أى أن ننتحر بأيدينا قبل أن يصل إلينا الأعداء الحاقدون..!!

إن العقائد الإسلامية هى الركائز لوجودنا الاجتماعى والسياسى. وهى ـ من قبل ـ الركائز لكياننا الخلقى.

فإذا تخرجت ألوف مؤلفة من المدارس والجامعات، وهى خالية الفؤاد من العقائد الدافعة، فليس معنى هذا إلا تخريج أصفار لا وزن لها ولا خطر.

بل إن الأفئدة الخالية من الإيمان بالله ورسوله لن تلبث إلا قليلا حتى تمتلئ بالعقائد الباطلة والخرافات السمجة، والانطلاقات الحمقاء، وبذلك تكون وبالا على ماضينا وحاضرنا (ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون).

منذ بداية القرن العشرين أقيمت فى أنحاء العالم الإسلامى أجهزة عمرانية ضخمة، لم يبال المستعمرون بإقامتها لأنها كانت أشبه بمئات من المصابيح المعلقة فى شبكة كهربائية مقطوعة عن التيار. ما قيمتها وما جدواها؟

كذلك مشروعات التقدم المدنى والعسكرى التى سمحوا بها، والتى أتمت ومهدت فى كل ناحية!!

لقد أذن الاستعمار بها، ولكنه لم يأذن قط بتكوين الروح الذى يحركها.. لم يأذن أن تتصل بالعقيدة التى تنيرها كما تتصل الأسلاك بمولد القوة.. فماذا أفدنا؟؟

(أومن كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها).

ألا فلنعلم أن فقدان العقائد المثيرة، والأهداف الرفيعة، معناه خسارة كل شئ، وأن ما تحفل به أيدينا إنما هو هباء لا يساوى شيئا...

----------( يُتَّبع )----------
#محمد_الغزالي
#الإسلام_والطاقات_المعطلة
كلمة حرة
نشر في 06 تموز 2018
QR Code
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع