Facebook Pixel
القرآن والسلطان
1065 مشاهدة
0
0
Whatsapp
Facebook Share

فقه الدعوة الإسلامية ومشكلة الدعاة نتكلم فيها عن القرآن والسلطان من كتاب مشكلات في طريق الحياة الإسلامية للكاتب محمد الغزالي

كتاب : مشكلات في طريق الحياة الإسلامية - تأليف : الشيخ محمد الغزالي

الحلقة [ 16 ] الفصل السابع : فقه الدعوة الإسلامية ومشكلة الدعاة (2 من 5)
• القرآن .. والسلطان :

وهنا قضية تتصل بما بدأنا الحديث عنه . . وهى أن بعضهم يرى أن المسلمين أغنياء جدا فى الفقه التشريعى ، وفقراء جدا فى الفقه السياسى بمعناه الإدارى والدستورى ، وما إلى ذلك . . وهذا قد يدعو إلى شىء من التخبط فى الرؤية السياسية لأنها لم تزل عبارة عن مبادئ عامة لم تترجم ـ تاريخيّا ـ إلى فقه وبرامج تشكل خصوبة فى التصور عند الفرد المسلم ، يمكن أن يتعامل مع الحياة من خلاله . .

والسؤال هنا هل كان هذا ثمرة لانفصال السلطان عن القرآن فى التاريخ الإسلامى؟ علما بأن الكثير من الآيات التى وردت تحض على النظر والاعتبار ، والدعوة إلى الشورى هى أقرب فى طبيعتها إلى الفقه الاجتماعى والسياسى منها إلى الفقه التشريعى ، وعلما بأن النمو لا يزال مستمرا فى الفقه التشريعى ، بينما نعانى من ضمور فى الفقه السياسى . . . كيف يمكن أن يتخلص المسلمون من بعض هذه المعاناة؟ . .

ولابد من الاعتراف ابتداء بأن فقه العبادات ، وجوانب من فقه المعاملات اتسع عندنا اتساعا أكثر من اللازم ، وأن الاستبحار التشريعى فى أمور الطهارة والصلاة والحج والزكاة وما إلى ذلك كان أكثر مما يطيقه الفرد المسلم أو المجتمع المسلم ، وقليل من هذا كان يكفى الناس ، كما أنه عدة أسماء لحقيقة واحدة ليس بلازم أن يعرفها الجميع لكن لاشك أن فى الأمة الإسلامية تخلفا فى سياسة الحكم وسياسة المال..

فأما فى سياسة المال فمعروف أن فتنة أمتنا المال كما جاء فى الحديث : " فتنة أمتى المال " . . والفتنة تجيء من مصادر الكسب ومن طرق الإنفاق ، فلا مصادر الكسب وضعنا لها مصافى تحجب الحرام وتتيح مرور الحلال ، ولا طرق الإنفاق وضعنا عليها رقابات قانونية تمنع التبذير الجنونى وتمنع السفه فى إراقة المال فى غير موضعه ، وربما سبقتنا الآن أمم كثيرة فى هذا ، حيث وضعت للمال سياسات دقيقة فى إنفاقه وفى كسبه ، تظهر فى الموازنات العامة التى تضعها الدول ، فالدول تفرض على الحكومات ألاَّ يؤخذ من الشعب قرش واحد إلا بقانون أو إلاَّ بتشريع واضح يُرى معه أن الدولة محتاجة ، ولا ينفق شىء إلا بالدقة نفسها التى تتبع فى الكسب ، وإعلان الحرب كذلك لا يترك لنزوات فرد يخاصم أو يسالم كيف يشاء ، وإنما الأمة التى تدفع من دمها ثمن الحروب وتضحيات القتال هى التى تبت فى مثل هذه الأمور . .

ولا بد فى الحقيقة من أن تكون هناك أجهزة متخصصة فى أمور فنية وإدارية لمعرفة موقع الأمة الإسلامية من الأمم الأخرى وما يعود عليها بالكسب وما يعود عليها بالخسارة ، وأن تكون هناك قوانين تحكم العلاقات وترسم المعاهدات التى تكون بيننا وبين الآخرين .

ومع أن الفقه الإسلامى يمثل على الأقل 50% من المكتبة الإسلامية ، ومع أن هذا الفقه استبحر عندنا بحيث إنه لا توجد حضارة عالمية استبحر فيها الفقه كما استبحر فى حضارتنا ، مع هذا فإننا فى هذه الناحية مصابون بضمور كما قلت ـ فى بعض المعاملات عندنا ـ على سبيل المثال نحو ( 25 ) كبيرة من الكبائر لم توضع لها عقوبات ، نحن لم نضع عقوبات للتعامل بالربا أو للغصب أو للفرار من الزحف أو لأكل مال اليتيم ، أو للغش ، أو لما يقع من مخالفات كثيرة . . . فهل الحدود التى وضعها الله تغنى عن تشريعات لابد منها فى الميدان الاجتماعى ؟ وهل تترك التعزيرات هكذا دون ضوابط ، ودون رصدها بقوانين محكمة ؟

الشىء الثانى : وجدنا أن الفقه الإسلامى ـ حتى فى ميدان الأسرة قد احتبس فى حدود المذاهب الأربعة حتى جاء ابن تيمية واستطاع أن يصنع عملا هائلا عندما رفض طلاق البدعة ودخل بهذا مدخلا معجبا وكريما فى المحافظة على الأسرة الإسلامية ، وإن كان بعضهم يرفض كلامه فى هذا الموضوع ، لكن انفتاح باب الاجتهاد أمام الرجل جعله يضع ضوابط للأسرة الإسلامية ، هذا شىء حسن . . . قوانين العمل والعمال لا تزال صفرا عندنا ونستوردها الآن من الخارج فى إصابات العمل وفى حقوق العامل ، وهذا لا يجوز . . القوانين الإدارية إلى الآن لا تزال أيضا مجلوبة . .

ولعل المطلوب هو تحديد الأسباب . . أسباب الضمور فى هذا الجانب والنمو فى الجانب الآخر ـ هل هو الانسحاب من المجتمع ؟ . . هل هو انفصال السلطان عن القرآن ؟ مع أن الإنسان يلمح بأن الآية التى استدل بها الفقهاء على حجية القياس ـ وهى قوله تعالى : (فاعتبروا يا أولي الأبصار) ، بعد أن تكلم عن الحال التى كان عليها بنو النضير - وكيف أخذهم الله بسبب واقع اجتماعى معين - وأن كل من يصيبه هذا الواقع سينتهى إلى النهاية نفسها وهى أقرب للفقه الاجتماعى منها إلى الفقه التشريعى ، ونلمح بأن هذا لون من الفقه للسنن الاجتماعية – عمليّا - صرف إلى الفقه التشريعى وبقيت القضية الاجتماعية أو الفقه الاجتماعى أو السنن المتعلقة بقيام الأمم وسقوط الأمم وقضايا المال بقيت قضايا ضامرة . .

ومن الناحية النظرية استطاع أئمتنا من قديم أن يضعوا قواعد تشريعية مثالية فى هذه النواحى - فمالك وبعض المذاهب الأخرى اعتمدوا مبدأ المصلحة المرسلة والحنفية اعتمدوا مبدأ الاستحسان ، والحنابلة لهم فقه مرن جدّا فى ميدان المعاملات يكاد يكون أكثر سماحة واتساعا من الفقه الحنفى - لأنهم يرون أن العقود ابتداء فى الأصل مباحة أما غيرهم فيرى أنها محظورة ، ولهم فى هذا مجال واسع - لكن . . ويبقى هذا فى إطار الفقه التشريعى فالذى جعل هذا الفقه لم يأخذ امتداده العملى ، بحيث تمتد المبادئ وتتورع على شبكة تشريعات تشمل المجتمع كله . . هو الخصام الذى وقع بين الحكم والعلم الدينى . . فإن الأئمة الأربعة تقريبا كانت بينهم وبين الحكام جفوة . . أبو حنيفة قُتل فى السجن – على الأشهر أو على الأغلب – ومالك ضرب لأنه أفتى فتوى أغضبت الحاكم فى عهده ، وابن حنبل ضُرب ضربا مبرحا وكاد يموت فى سجنه ، لولا أن الله لطف به ، والشافعى قُبض علية وامتنع عن القضاء لأنه وجد أن الأمور تسير سيرا سيئا . . فهذه الناحية التشريعية قد جاء ضمورها من الخلاف . .

فالضمور سببه الخلاف بين القيادة الفكرية والقيادة السياسية إذا صح التعبير .

لذلك يجب أن نعقد صلحا بين الاتجاهين ، بين الاتجاه الثقافى والاتجاه السياسى . ويمكن أن نعتبر أن التخلف والارتكاس يمكن أن يكرس ويستمر طالما أن هذا الافتراق حاصل بين القيادة الفكرية والقيادة السياسية . وسيبقى التخلف حتما . . وهذا أشبه بالانفصال الشبكى الذى يُفقد المرء البصر . . وفى اعتقادى أن شيئا من هذا – أيضا – وقع بين المفكرين أنفسهم .

وإذا كنا نلحظ فى تاريخنا انفصالا بين الفكر السياسى والفكر الثقافى التشريعى عندنا - فهناك انفصال وقع بين الفقه التربوى والتشريعى أيضا – فانفصل ما يسمى بعلم القلوب أو علم التصوف أو علم التربية . . أو ما أسموه الحقيقة والشريعة . حيث انفصل هذا عن ذاك فى واقعنا الإسلامى انفصالا مرّا . .

ونحن نعلم أن كتب التصوف تملأ المكتبات ، وأن الطرق الصوفية زحمت العالم الإسلامى دهرا ، وأن الاستغناء ممكن عن هذه الطرق بل قد تصلح الحياة وترشد بدون هذه الطرق ـ لكنها لا تصلح ولا ترشد إذا بقى القلب الإنسانى دون تعهد فقيه ـ بمعنى أن التربية أساس فى تكوين الأمم ، والتربية التى لابد منها كى تكون النفوس راشدة والمجتمعات فاضلة ، هى التى تقوم على فهم مقام الإحسان ، أو رقابة الله على الضمير البشرى فى سلوكه كله ، ليله ونهاره . .

هذه الرقابة هى التى ينشأ عنها الخوف والرجاء والصبر والشكر والتوكل والمحبة والورع والتوبة ومعرفة المعاصى الكبيرة التى هى أخطر من معاصى الأبدان ، بمعنى أنه كيف تغسل النفوس من حب الظهور . . من الأنانية . . من الحقد . . من طلب الرئاسة . . من العراك على المآرب الخسيسة . . من الذهول فى طلب الدنيا عن الآخرة . . هذا كله إذا فقدناه فإن هيكلا تشريعيا كبيرا لا يغنى مكانه ، وكان مفروضا أن العلماء يربون الأجيال ابتداء على هذه المعانى ، فإن هذا ما بنى عليه المجتمع الأول .

وعندما تتأمل تراث ابن تيمية ـ الذى يعتبر خصما للصوفية ـ أو ابن القيم تلميذه ، فإنك ترى أن ابن تيمية رصد جزأين من فتاواه تقريبا فى القلوب والحديث عن الله وخشيته والعمل له والإخلاص والإحسان ، وما إلى ذلك من المعانى التى خاض فيها المتصوفة بدون وعى فقهى . . .

وجاء تلميذه ابن القيم وفصَّل هذا فى كتابه " طريق الهجرتين " وكتابه " مدارج السالكين " . . وكتاب " عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين " على ما أظن ـ وكتب كثيرة . .

وكان أكثر من أستاذه توسعا فى هذه النواحي . . . هذه المعانى معدومة الآن ، ونجد من يعلم حركات الصلاة من ركوع وسجود ولا يحسن تعليم الخشوع وتقديس الله وسجود القلب مع سجود الجوارح . . وهذا خطأ هائل ..

----------( يُتَّبع )----------
#محمد_الغزالى
#مشكلات_في_طريق_الحياة_الإسلامية
كلمة حرة
نشر في 07 تموز 2018
QR Code
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع