Facebook Pixel
الثقافة الذاتية وصلتها بالعلوم الإنسانية
968 مشاهدة
0
0
Whatsapp
Facebook Share

إن الثقافة الذاتية شىء، والعلم الذى لا وطن له شيء آخر، من كتاب مشكلات في طريق الحياة الإسلامية للكاتب محمد الغزالي

كتاب : مشكلات في طريق الحياة الإسلامية - تأليف : الشيخ محمد الغزالي

الحلقة [ 7 ] الفصل الثاني : فى الثقافة والتربية والأخلاق (1 من 2)
• الثقافة الذاتية وصلتها بالعلوم الإنسانية :

الدراسات التقليدية عندنا ، أو ما يسمّى بالتعليم الأصلىّ فى الجزائر، أو ما أسميه الثقافة الذاتية للأمة الإسلامية ، هذا النوع من المعرفة يذوى ويخفّ وزنه ويتوارى رجاله !

إن الثقافة الذاتية شىء ، والعلم الذى لا وطن له شىء آخر ! .

العلم العام كالهندسة والجبر والحساب ، والفيزياء والكيمياء والأحياء ، والطب والعمارة والفنون العسكرية والمدنية المختلفة ، هذه كلها تنتشر فى القارات الخمس ، ويتنافس البشر فى إجادتها ، ويقتربون أو يتحدثون فى حصيلتها .

وهى فى جملتها وسائلُ لخدمة الأمم ورسالاتها المتباينة فى هذه الحياة . أى أنها تنمو وتمتد فى حضانة ووصاية الثقافة الذاتية لأية أمة .

ذلك أن هذه الثقافة تصوَّر شخصية الأمة وملامحها الفكرية والنفسية ، وتشرح عقائدها التى تنطلق منها ، وأهدافها التى تنطلق إليها ، وتقاليدها وأخلاقها وشرائعها بدءاً من الأسرة إلى علائقها الدولية . كما تشرح آدابها ولغتها وخصائص شِعْرها ونثرها . وتهتم بالتاريخ لتربط الأجيال اللاحقة بالأجيال السابقة ، وتربط الولاء الخاص والعام بالقيم المقررة والشعائر الظاهرة . .

• الثقافة الذاتية :

إن هذه الثقافة الذاتية هى أكسير الحياة للأمة ، والمجدد الدائب لطاقاتها الأدبية والمادية . ومن هنا اتجه الاستعمار العالمى إلى ضرب هذه الثقافة ، وتوهين معاهدها فإما أجهز عليها ، وإما شلَّ حِراكها وأبقاها صورة هامدة أو اسماً بلا مضمون .

وذلك ما حدث لجامعة القرويين والزيتون والأزهر والجامعات الإسلامية فى ليبيا والسودان وأقطار أخرى . ونتج عن ذلك أمران خطيران : اضمحلال العقل الإسلامى ، وضعف الدراسات الدينية . ثم اضمحلال اللغة العربية وآدابها وانكماشها أمام التقدم الحضارى وقلة المجيدين لها ، وكثرة اللاحنين فيها دون أدنى حياء .

ولما كان ساسة العرب وقادتهم من خريجى التعليم المدنى ـ أكثر من 99% منهم بعيد الذهن عن ثقافتنا الذاتية ـ فإن النهضة الإسلامية تتعثر حيناً وتتقهقر حيناً ، وإذا تقدمت خطوة ففى وجه صعوبات دامية .

وقد شعرتُ بالخزى وأنا أسمع هؤلاء يخطبون ! إنهم يتحدثون عادة بلغة الدهماء ، وإذا جرت على ألسنتهم كلمات عربية ، فإن (بَدْء) تنطق بكسر الباء ! و (من ثَمَّ) تنطق بضم الثاء ! أما قواعد النحو ، فحدِّث ولا حرج عما يعتريها من إهانة !

والأغرب من ذلك أن محطات الإذاعة تنشر دراسة متصلة عن " الخصائص البلاغية " لصاحب هذه الخطابة العامية ، ولم يبق إلا أن ننشر بحوثاً أخرى عن مظاهر البديع والبيان والمعانى فى بغام الدواب ونقيق الضفادع !! .

ولا أعرف لغة اعتدى على شرفها كما يعتدى هؤلاء على اللغة العربية المسكينة. أما الدين نفسه فحديث مملول ، وتذكر بما مات أو بما ينبغى أن يموت ، ولكن هذا الشعور يُغلِّف ببعض عبارات المجاملة أو التوقير المصنوع اتقاء لغضب الجمهور. فإذا أمن ذلك الغضب فى مجتمع ذليل ، أو منحلٍّ فالدين رجعية ، والصلاة مشغلة للوقت ، والصيام مُعطِّل للإِنتاج .

وهذا كله يقع والعرب فى حرب مع اليهود الذين أحيوا لغتهم ، ومزقوا عنها الأكفان ، وأحيوا صلواتهم ، ومشوا لأدائها فى عواصم أمريكا باعتزاز وثقة .

• العلوم الإنسانية وصلتها بالثقافة الذاتية:

لندع هذا الاستطراد الحزين ولنعد إلى حديث الثقافة الذاتية والعامة لنتساءل : هل العلوم الإنسانية من النوع الأول أو الأخير؟

والعلوم الإنسانية هى علم النفس والاجتماع والتربية والأخلاق والاقتصاد والسياسة والإدارة والتاريخ .. إلخ ، وقد تنضم إليها بعض الفلسفات الإلهية أو غير الإلهية .

وموضوعات هذه وتلك تتناول صلة الإنسان بنفسه وغيره ودائرتها تتشابك مع الإسلام فى مساحات واسعة .

وأرى أن نستفيد من هذه الدراسات على ضوء من المعرفة الدقيقة بما قال الإسلام فى قضاياها المتشعبة .

إن العلوم الإنسانية تكون أحياناً وَصّافة لأحوال النفس والمجتمع ، ويتسم عملها فى هذا المجال بالصدق والحياد غالباً . وقد تقرر أحكاماً حسنة تتفق مع النظرة التى هى صفة الإسلام الأولى . وقد تشرح وسائل جيدة لأهداف يسعى إليها الدين ، ويترك مايوصل إليها لاجتهادنا العادى .

وإلى جانب ذلك فقد تتضمن أخطاء ونظرات شاردة ، وعلى كل حال فالإسلام إذا تكلم فهو أهدى منها سبيلاً ، وأصدق قيلاً .

وقد تناول آباؤنا فلسفة اليونان ، ونشاطاتهم العقلية ، فمنهم من فُتِنَ بها إلى حدِّ الغفلة ، ومنهم من رَدَّها جملة وتفصيلاً ، ومنهم من أخذ وردَّ ، ونظر ونقد .

وإنى لأعجب من مفكر مسلم يقبل خرافة العقول العشرة التى اختلقها أرسطو ، ومن مفكر آخر يقبل الهراء المذكور عن مدينة أفلاطون الفاضلة ، ولا أعرف سبب هذه الغفلات ؟ !

وقد درسنا جملة من العلوم الإنسانية فى شبابنا ، ولا نزال نتابع القراءة والمقابلة فى قضايا كثيرة .

وإنما دفعنى إلى الوصاة باستمرار هذه الدراسة أمران : أنها تعرض الواقع الأدبى والمادى للبشرية كلها ، ومعرفة هذا الواقع مطلوبة . وأنها قد تتضمن مقترحات لخير الإنسانية أجود من المقترحات التى يعرضها أصحاب التدين المغشوش ، أو السطحى للإصلاح العام ! . إذ يوجد بين المتدينين للأسف من يعتبر الدساتير بدعة مردودة ، لأن ضبط نواقض الوضوء أهم عنده من ضبط العلاقة بين الحاكم والمحكوم .!

----------( يُتَّبع )----------
#محمد_الغزالى
#مشكلات_في_طريق_الحياة_الإسلامية
كلمة حرة
نشر في 07 تموز 2018
QR Code
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع