Facebook Pixel
ما هي قصة فرض الكفاية وفرض العين؟
1546 مشاهدة
0
0
Whatsapp
Facebook Share

إن قصة فروض العين وفروض الكفاية لا تُحكى بهذا الأسلوب العليل وسوء عرضها فى مجال التربية والإعداد جعل المسلمين يتصرفون بطيش فى أمور تمس حياتهم وبقاءهم

كتاب : مشكلات في طريق الحياة الإسلامية - تأليف : الشيخ محمد الغزالي

الحلقة [ 4 ] الفصل الأول : صور جديدة وعديدة للأعمال الصالحة (2 من 4)

• فرض الكفاية وفرض العين

الفروض ـ كما يقول الفقهاء ـ قسمان : فرض عين .. وفرض كفاية . يعنون بفرض العين ما يجب على الشخص نفسه ويُسأل عنه وحده ، أمَّا فرض الكفاية فهو واجب على المجتمع وجوب شيوع ! . ومن هنا فإن المسلمين يعرفونه بهذه الخاصة ، أنه إذا قام به البعض سقط عن الباقين ولا يجرى على ألسنة العامة إلاَّ مثل واحد له ، هو صلاة الجنازة .!

وقصة فروض العين وفروض الكفاية لا تُحكى بهذا الأسلوب العليل ، وسوء عرضها فى مجال التربية والإعداد جعل المسلمين يتصرفون بطيش فى أمور تمس حياتهم وبقاءهم ، وقد تعلى رايتهم أو تنكسها .

والواجبات الكفائية تتطلب من الدولة أمرين ينبعان جميعاً من تكليفها ابتداءً باختيار من يحمل أعباء هذه الواجبات ويستطيع أداءها :

الأول : الاطمئنان إلى أن هذه الواجبات وجدت العدد الكافِى من الاختصاصيين للنهوض بها ، فإذا كانت الأمة تحتاج إلى مائة صيدلية مثلاً ولم يتوفر إلاَّ خمسون ، اهتمت باستكمال العدد الذى يضمن الصحة العامة ، ولايجوز أن تتغاضى عن هذا النقصان .

الثانى : أن تتابع بوسائلها الكثيرة حسن الأداء ، ودقة الوفاء حتى تقوم المصلحة العامة على دعائم ثابتة .

إن الأمة العاجزة عن استخراج بركات الله من أرض الله لن تؤدى رسالة الله ، والأمة العاجزة عن تجنيد مواهب المسلمين لإعزاز المسلمين أمة تُلقى بأيديها إلى التهلكة .

تُرى كم مصنعاً لصنوف الأسلحة يحتاج إليها تحرير المستضعفين؟ وكم فنِّياً يجب إعدادهم لتحقيق هذه الغاية؟

إن فرض العين قد يتناول أركان العبادات من صلاة وزكاة ، وأركان الأخلاق من صدق وحياء ، وقد يتناول ترك الكبائر من ربا وخنا ، وهذه أمور ترتبط عادة بالضمير الفردى والسلوك الخاص .

أمَّا فرض الكفاية فإنه قد يتصل بحراسة الأمن ، والقضاء بين النَّاس ، والقيام بشتى المناصب ، وإجادة الفنون والصناعات التى ينهض بها العمران ، وتحيا عليها الأمة .. وغير ذلك من الشئون المهمة .

فهل فرض الكفاية- وذاك خطره- يكفى فى وصفه أن يقال فى حقه : إذا قام به البعض سقط عن الباقين ؟ !

إن المجتمع الإنسانى كيان متشابك المصالح ، والناس ما يستغنى بعضهم عن البعض الآخر ، والأجهزة الإدارية والثقافية والصحية والاقتصادية والعسكرية فى بنيان الأمة تشبه الأجهزة العصبية والهضمية والتنفسية والدورية فى الجسد البشرى ، ومن هنا فإن فروض العين والكفاية تتداخل فى الحياة العامة تداخلاً تاماً، ويتوزع الاهتمام الدينى عليها كلها فلا يدع شيئاً منها.

إن فرض الكفاية يأخذ هذه التسمية قبل أن يختار الشخص المناسب ويتحدد الجهد المطلوب ! أما بعد الاختيار والتحديد فإنه يتحول إلى فرض عين ، وعلى من كُلِّف به أن يستفرغ الوسع فى إتمامه .

ولنزد الأمر وضوحاً .. الصَّلاة فرض عين لأن كل إنسان يستطيع الصلاة فما يُستثنى أحدٌ من وجوبها ، أمَّا القضاء والتدريس والهندسة فهى فروض كفاية لأنه ليس كل إنسان يقدر أن يكون قاضياً ، أومدرساً أو مهندساً .

فإذا ترشح امرؤ بمؤهلاته العلمية للقضاء ، وعينته الدولة فى المنصب المعدِّ له ، فإن قيامه بأعباء منصبه هذا أصبح فرض عين كالصلاة والصيام ، ومايجوز له أن يتراخى فيه أويفرط ، وكل ذرَّة من استهانة أوخيانة فهى عصيان لله ، واعتداء على الدين ، ولايقبل أبداً الاعتذار بأن ذلك وقع فى فرض كفاية .

إن الجهد البشرى يجب أن يوزع بالقسطاس المستقيم بين الصَّلاة المفروضة عليه والقضاء المطلوب منه ، حتى يشيع العدل فى المجتمع وتبلغ الحقوق أصحابها .

وربما استغرقت دراسة القضايا عشرة أضعاف الوقت الذى تستغرقه إقامة الصلاة ! ليكن ، فهذه عبادة وتلك عبادة ، وفروض الكفاية غالباً تأخذ من الوقت أكثر مما تأخذ فروض العين ، ولعلَّها تستغرق أعمار النَّاس ، ليكن ، فذلك هو الطريق لإرضاء الله ، وحماية الأمة ، والحفاظ على الدين ، وإنشاء دنيا تصونه وتنميه .

وما يقال فى القضاء ، يقال فى التدريس ، والتطبيب ، وفى كل مهنة تحتاج الأمة إليها ويرتبط قيامها بها . والجماعات البشرية فى القارات الخمس تدرك هذه الحقيقة ، وتنشىء ألوفاً مؤلفة من الوظائف ، وتعين ألوفاً مؤلفة من الأشخاص ، وتقر نفقات ضخمة فى موازناتها العامة ، لكى تضمن هذه المصالح .

والمطلوب من كل مكلَّف أن يؤدى العمل على خير وجه ، وأن يوفى بالعقد الذى التزم به مع الدولة ، وهى لن تضنّ عليه بما يطمئنه . وأعتقد أن ذلك بعض ما يعنيه قوله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) فإن المناصب كلها أمانات مسئولة ، والقيام عليها عقد مَرْعىُّ الذمام..

لكن المسلمين للأسف الشديد أكثر الأمم إضاعة لهذه الأمانات والعهود ، والأعمال الرسمية فى بلادهم مهدرة الحرمة ، والوظيفة مصدر للأخذ أكثر مما هى وسيلة إلى العطاء .. وجهالة المسلمين فاحشة بفروض الكفاية وطبيعتها وآثارها.

ويرجع ذلك ـ عند بعض المتدينين ـ إلى أنهم يفرقون بين صور العبادات المأثورة ، وأداء الأعمال المدنية المختلفة ، الأولى عندهم دين ، والأخرى ليست عبادة إلاَّ على ضرب من التجوُّز .

رأيت بعضهم على مكتبه جالساً بادى السآمة ، يجيئه النَّاس لحاجاتهم فيرجئ ما يشاء ، ويهمل ما يشاء ، حتى إذا اقترب وقت الظهر شرع يستعدُّ له قبل الأوان ..

قلت له : إن ما تقوم عنه ليس بأهون مما تقوم له . ونشاطك فى إنجاز مصالح النَّاس فى أخصر وقت ، وعلى أحسن وجه دين ، وهو واجب كالصلاة والصيام !

قال : إننا نستعد للصلاة المكتوبة ، وسنؤدى عملنا بعد أداء حق الله !

قلت: جميل أن تحرص على الصَّلاة فى وقتها ، ولا عليك أن تصليها أول الوقت أو وسطه ! وخير لك أن تعجل بإنجاز عمل هذا القادم من بلده ، القَلِق على مصلحته ، خاصة وأن الصَّلاة تربى الإنسان على الشعور بالواجب ، ولا تستغرق من الزمن أكثر من بضع دقائق معدودة .

ونحن لا نهوِّن من شأن الصلاة المكتوبة وأدائها على وقتها ، ويمكن وضع نظام لأدائها جماعة أول الوقت ، أو بعد انتهاء المحاضرة فى المدرسة ، والنوبة فى المصنع ، والجراحات والكشوف فى المستشفى ، ويحدد لذلك زمن معتدل لا يستغله أهل البطالة . أما عدُّ الأعمال العامة شيئاً تافهاً ، أو شيئاً يقبل فيه العبث والتسويف فهذا تضييع لفرض يحرم تضييعه.

• الفريضة والنافلة :

من قبيل الاستهانة بالفروض الكفائية أن رجلا رغب أن يحج نافلة ـ أظن ذلك للمرة الثالثة ـ فقلت له : كم تتكلف هذه الحجة؟ قرابة ألف جنيه؟

قال: نعم وأكثر! قلت له: أدلك على عمل أفضل ، إن فلاناً تخرج فى كلية الصيدلة ، وهو فقير والمسلمون فقراء إلى صيدليات إسلامية ، فضع فى يد الشاب المتخرج هذا المبلغ يبدأ به حياة تنفعه وتنفع أمته ، ولك عند الله ثواب أكبر من ثواب حجتك هذه ! !

فنظر الرجل إلىَّ دهشاً وصاح: أهذا كلام يقال ؟

قلت له : إنك إذا أطعتنى أقمتَ فريضة وسددت ثغرة ، وشاركت فى جهاد جليل الثمرة .. بدل هذه النَّافلة التى تبغى .

قال وهو لا يزال فى دهشته: أدَعُ الحج ! وأُعينُ على فتح صيدلية ، ما هذا ؟

إن جمهوراً غفيراً من المسلمين لا يدرى أبعاد المأساة التى تعيش فيها أمته ، ولا مدى التخلف الرهيب الذى يهدد يومها وغدها ، ومن ثم فهو يَخْبِطُ فى دينه خَبْطَ عشواء ! .

وفى مكان آخر فى كتبى ذكرت قول الفقهاء : إن الله لا يقبل نافلة حتى تؤدى الفريضة ، والفريضة المطلوب أداؤها يستوى أن تكون فريضة عينية أو كفائية . !

وقلت: إذا كان التنفُّل يعجز عن إحسان واجب فلا مكان له ، وضربت مثلاً لذلك : إذا كان صوم التطوع يعجز المدرس عن تصحيح ورقة إجابة فلا ينبغى له أن يصوم ، وكذلك إذا كان شىء من ذلك يعجز الطبيب عن إجادة فحص المريض ، أو تصوير الموضع المصاب ، أو كتابة الدواء اللازم .

إن الله سبحانه أعفى جمهور المؤمنين من قيام الليل وطول القراءة فيه، إذا كانوا يعانون من الجهاد فى سبيل الله ، أو طلب الرزق من هنا ومن هناك . (والله يقدر الليل والنهار علم أن لن تحصوه فتاب عليكم فاقرءوا ما تيسر من القرءان علم أن سيكون منكم مرضى وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله وآخرون يقاتلون في سبيل الله فاقرءوا ما تيسر منه)

ولقد كان ابن مسعود يؤثر الإفطار على الصيام ـ صيام التطوع ـ لأن الفطر أعون له على قراءة القرآن ، وكان ابن مسعود رضى الله عنه ، يتأنق فى تلاوته ، وكان النَّاس يأخذون القرآن عنه .

والواقع أن العبادات العينية أو الكفائية وسائل لتزكية الفرد ورفعة المجتمع ، والمؤمن الحصيف يقبل على ما يلائمه من هذه وتلك ، دون محاولة للفرار من واجب يتعين عليه .

فالغنىُّ عبادته الأولى : البذل وإسعاف المحتاجين ، ولا يصلح له الصيام وقيام الليل ، إذا كان الصيام والقيام مَهْرَباً له من الإِنفاق فى سبيل الله .

والقارئ الفقيه عبادته الأولى : النصح وتعليم الخاصة والعامة ، ولا يصلح له الاعتكاف ، والخروج بالصمت عن " لا " و" نعم " فى مواطن الأمر والنهى وشيوع الفتن . . "

----------( يُتَّبع )----------
#محمد_الغزالى
#مشكلات_في_طريق_الحياة_الإسلامية
كلمة حرة
نشر في 06 تموز 2018
QR Code
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع