Facebook Pixel
الحقائق لا الأوهام أساس الإسلام
1596 مشاهدة
0
0
Whatsapp
Facebook Share

مما يجب على المؤمنين أن يصونوا سيرتهم من هذا العوج، وأن يردوا عن الإسلام تهماً كثيرة تتجه إلى الأديان كلها فى هذا العصر من كتاب دستور الوحدة الثقافية بين المسلمين

كتاب : دستور الوحدة الثقافية بين المسلمين - تأليف : الشيخ محمد الغزالي

الحلقة [ 4 ] : الحقائق لا الأوهام أساس الإسلام

لبعض المتصوفين شطحات تحسب عليهم ويحذر المسلمون منها ، قد تكون شطحات فكرية مثل ما روى عن محيى الدين بن عربى من توبة فرعون! فقد زعم أن فرعون رجع إلى الله صادقا ومات طاهرا!! ذلك أنه لما أدركه الغرق (قال آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين).

قال ابن عربى: قبل الله إيمانه وتوفاه مسلما!!

وهذا كلام موغل فى الخطأ ، بل موغل فى السخف. وقد أجمع فقهاء الأمة سلفا وخلفا على أن فرعون وأمثاله من أركان جهنم ، وأن توبته عند الغرق لا تساوى شيئا..

وفى آيات كثيرة ما يحدد مصيره. (يقدم قومه يوم القيامة فأوردهم النار وبئس الورد المورود * وأتبعوا في هذه لعنة ويوم القيامة بئس الرفد المرفود).

وابن عربى رجل يصيب ويخطىء، والمخوف منه ومن غيره أن يفكر بالطريقة التى تحلو له ، ثم يلتمس إلى تقوية فكره العليل فيقول جاءنى الرسول فى الرؤيا ، واعتمد مؤلفاتى ، وقال لى: انشرها على الناس..!

ورؤيا ابن عربى لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لا تصوب له خطأ ولا ترجح له ظنا ، ونحن ننقد أقواله دون أى نظر إلى هذه الرؤى..

وأذكر أن مؤذنا بالريف المصرى كان يضم كلمة "سيدنا" إلى " أشهد أن محمدا رسول الله "، فلما جودل فى ذلك زعم أن الرسول أقره عليها فى المنام! وقلت للرجل: إن دين الله اكتمل فى اليقظة جهارا نهارا ، وليس بانتظار رجل يثقل فى الطعام ثم يهرف فى المنام!

المسلم رجل جيد العقل يلتمس الحق من مصادره وحدها ، فإذا عرفه التزمه واحترمه واستقام على طريقه حتى يتوفاه الله ، وليست للتخامين والأوهام مكانة فى فؤاده لأنه ـ كما أمره الله ـ لا يقفو ما ليس له به علم .

ومع لزوم التقوى وإدامة العبادة يتكون من ضمير المؤمن حس ذكى ينفر من الشر والقبح ، وينجذب إلى الخير والجمال ، ويحب أقواما ويكره آخرين ، وينصر قضايا ويهزم أخرى… وهذا الحس يخبو ويصفو مع قوة الإيمان وضعفه ، وشدة السير إلى الله أو وهنه. وقد وردت بذلك آيات جعلت الإيمان حياة من موت ، وضياء من ظلمة ، وفرقانا من لبس ، ورحمة من عناء! (أومن كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها ).

على أن المؤمن فى صباحه ومساءه ما يستغنى عن الأدلة الموجهة حسية كانت أو معنوية ، إحساسه الخاص لا يقوم بإزاء القرائن الظاهرة والشواهد القاهرة..

ولقد جاء فى الأثر أن المؤمن ينظر بنور الله ، وكثيرا ما تصدق هذه الفراسة. ولكن هل هذه الفراسة تصل إلى مجالس القضاء وتثبت بها قضايا ويدان بها خصوم؟ كلا ، إنها حجة قاصرة ، لا ، بل هى حديث نفس تخطئ وتصيب ، ومهما بلغت قوتها فلن تعدو روع صاحبها..

إنه ارتقاء عظيم أن تتجاوب نفس مع حقائق الكون ، وقد شعرت بأقدار المؤمنين العارفين عندما رأيت رب العالمين يقرنهم بذاته وملائكته ، ويكشف عن شهودهم لله الواحد ، وإذعانهم لعدله المطلق: (شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم).

هما ابنان لآدم ، أحدهما لا يعرف إلا نفسه وهواه ومتقلبه فوق هذا التراب. والآخر طوى الملكوت كله فى فؤاده ، وعرف نور السموات والأرض وارتبط به ، واستعد للقائه ، وادخر الكثير عنده..

ما أبعد الشقة بين الابن العاق والابن البار ، ما أبعد الشقة بين المؤمنين والكفار!!.

وبعد الشقة يجئ من الفرق بين رؤية محدودة محجوبة ، ورؤية تنظم الآفاق وتخترق الأسوار وتشهد الواقع كما هو لا كما يرسمه الخيال.. ل

قد عرفوا الصدق بأنه مطابقة الخبر للواقع ، ومن ثم فالإيمان الصادق ليس وجهة نظر لصاحبه وإنما هو إدراك الحق بلا مغالاة ولا تفريط ، إدراك الحق كما هو.

• الإسلام يحترم العلم وحقائقه :

ونحن نحترم العلم وحقائقه وننزل على حكمه ، ونرفض كل تدين أو تقوى بينهما وبين المنطق العقلى جفوة..

قال لى أحد الشيوخ الكبار: كنت فى الهند ، ووقفت عند راهب فى صومعته منصرف عن الدنيا ، واستمعت إليه ينفخ فى الناى فسرق قلبى ، وكان معى أمين الجامعة العربية فرنا إليه كما فعلت. كان سمته المستعلى على الحياة ، ولحنه المنبعث من الأعماق يهزنا هزا ، وما ملكنا أعيننا من أن تذرف الدمع ، ولا أفئدتنا من أن تغزوها الرهبة.

ولم أستغرب الواقعة المروية ، ولا أثر الموسيقا فى صبغ النفوس بشتى المشاعر ، وذكرت بيتا من قصيدة للعقاد يصف ذلك.

تهزين أعطاف البخيل فيكرم .. ويصغى إليك المشمخر فيرحم

بيد أنى تساءلت: ما خطب هذا الراهب المتحنث فى صومعته؟ من يعبد؟ أيعبد الله الأحد الذى لا إله إلا هو؟ أم يعبد إلها مثلثا له ثلاثة رءوس وثلاث زوايا وإن كان مثلثا واحدا؟ أم يعبد مظاهر الوجود فى الجرثومة الزاحفة والنجمة السارية؟ ترى ما الذى يملأ قلبه بالشجن؟ أيبكى مصيبة نزلت به خاصة؟ أم يبكى مآسى البشرية التى تزحم القارات؟

إننى لا أعرف دخيلة هذا الراهب ، ورأيت أن أبدى ما عندى للشيخ الكبير فقلت له: مع أنى حاد العاطفة إلا أن الدليل العقلى أرجح عندى من صوت المزمر الحنون!

وأنا أرفض قبول عقيدة خرافية تنساب مع صوت شجى. إن الهيام الروحى وراء وهم خادع كالهيام الجنسى وراء عشيقة محرمة؟ لابد من احترام صوت العقل أولا وآخرا ، هذا ما تعلمناه من كتابنا العظيم.

ألقيت محاضرة مطولة عن "أولى الألباب " فى القرآن الكريم. إن هذه الكلمة تكررت نحو خمس عشرة مرة. وفى كل موضع كان السياق يضم مجموعة من الشمائل ، أو يشير إلى خلة من الخلال التى يعلو بها قدر الإنسان فكرا وخلقا معا.

أولو الألباب هم أهل الخطاب وموضع الثقة وعليهم المعول فى قيادة الدنيا بالدين.

وقد رأيت ناسا طيبين ، شديدى الثقة بطيبتهم ، يستمدون منها حكمهم على الأشخاص والأشياء ، وربما صدرت لهم أحكام بالطيبة والخبث أو الحل والحرمة أو التقديم والتأخير لا مصدر لها إلا ذوقهم ومزاجهم!!

وهذا مسلك قد يصل بذويه إلى الزيغ أو الدجل. وعندما أتدبر أزمة الإيمان فى عالمنا المعاصر أو أزمة التدين خلال تاريخ الإنسانية الغابر ، أشعر بأن أصل البلاء نجم عن أقوام يظنون حكمهم على الأمور هو حكم الله ، ووصايا المرسلين..

وينبغى التوكيد باستمرار على أن الحكم الشرعى هو "خطاب الله المتعلق بأفعال المكلفين " ـ كما يعبر علماء الأصول ـ وأن استفادة هذا الحكم هى من الله ورسوله ، أى من الكتاب والسنة ، وأن الوسائل العلمية المحترمة هى الطريق الفذ لهذه الاستفادة. فليس لأحد أن يقول: نفث فى روعى كذا! أو ألهمت كذا ، أو رأيت فى منامى كذا ، أو روى قلبى عن ربى كذا!! فذلك كله فوضى مردودة.

• المحكم من القرآن أساس الاعتقاد والتشريع :

والإيمان بالغيب ليس ثغرة ينفذ منها الخرافيون وعشاق الأوهام كى ينفثوا سمومهم ، فدائرة هذا الإيمان محددة. وإذا كان فى الدين محكم ومتشابه فإن المحكم أم الكتاب وأساس الاعتقاد والتشريع ، ودعامة النشاط الإنسانى أعظم أقطاره وأهمها!

وإثبات المتشابه ليس إلا تتمة للمعارف التى ينبغى للعقل أن يلم بها وإن لم يعلم كنهها.

والواقع أن الاشتغال بالمتشابه مرض نفسى ووظيفة سمجة للبطالين وهواة الجدل.

كذلك توسيع دائرة المغيبات ومحاولة جعل الدين طلاسم فوق العقل ، أو معميات ينكرها المنطق ، إن ذلك كله ضرب من الكهانة يتقنه بعض الناس القاصرين وذوى النزعات الأسطورية ، وما أكثرهم فى ميدان التدين.

وقبل أن نسوق بعض الأمثلة نستلفت النظر إلى القاعدة العقلية "عدم العلم بشىء ليس علما بعدمه "، وأختها "ما يحكم العقل باستحالته غير ما يعجز عن دركه "!!

إننى أعرف رحابة الكون الذى نعيش ـ نحن البشر ـ فى نقطة صغيرة منه ، أو فوق هباءة اسمها الأرض.

هل أعقل أن هذا الكون الضخم تزأر فيه رياح الخراب علوا وسفلا ، فليس فيه من يعقل ويكلف إلا البشر وحدهم؟ لا أستسيغ هذا الزعم!

فإذا حدثنى القرآن عن عالم آخر اسمه الملائكة ، أو عالم آخر اسمه الجن ، أو عوالم أخرى للأرواح الآيبة إلى ربها بعد رحلة الحياة الأرضية ، فإننى ـ من ناحية المبدأ ـ أقبل.

ولما كنت على ثقة مطلقة من صدق البلاغ الذى جاءنى وعصمة المبلغ الذى نقل إلى ، فإنى أومن بالملائكة والروح. وما أشبه ذلك من مغيبات.

صحيح أنى لا أعرف كنه هذه الخلائق ، لكن هل عدم معرفتى يحكم بالإعدام عليها؟ إن علماء المادة الآن يحارون فى كنهها ، ويقفون دهشين أمام أسرارها وقوانينها ، وهذا العجز عن المعرفة لم يسوغ إنكار الوجود.

من أجل ذلك أومن بالغيب ، وأضعه فى الدائرة المحكمة التى لا يعدوها.

وهناك سؤال: هل الله غيب؟ يرى بعض المفسرين والفقهاء أنه من الغيب.

وأشعر بغضاضة من ذلك ، ورغبة فى توضيح الأمر. إن العالم أجمع يقوم بالله ، ويستمد منه وجوده ، فهل ما ترتكز عليه المحسوسات يسمى غيبا؟

نحن ندرك أن نبض قلوبنا ، وتلاحق أنفاسنا ، وحركات أمعائنا ليست طوع إرادتنا ، ولا هى من طاقة داخلية نشرف عليها نحن ونلحظ سيرها.

وعندما ننام ، وتتلاشى شخصيتنا تبقى هذه الأعمال متواصلة بأمر الحى القيوم ، فكيف يكون مصدر الإيجاد والإمداد غيبا؟!

ربما كان ملحظ القوم أن حقيقة الذات فوق الفكر والحس ، وهذا حق. وأيا ما كان الأمر فنحن نؤمن بالله وملائكته وبأشياء فى عالم الغيب والشهادة لا نعرف بدقة كنهها.

ولكننا نسارع إلى توكيد أمر مهم ، هو أن ما حكم العقل باستحالته ليس من قبيل الغيبيات التى يجب اعتقادها ، مثل كون الواحد ثلاثة أو الثلاثة واحدا ، فإن ما يحكم العقل باستحالته يدخل فى نطاق المعدوم الذى لا يمكن أن يقع ، فكيف يخال حقا؟!

إن دائرة الغيبيات لابد أن يبرز محيطها بجلاء حتى لا تستغل عاطفة التدين فى إشاعة الباطل ، وترويج الخرافات.

وقد لخص الأستاذ الإمام حسن البنا ما قلناه بشأن تعرف الأحكام الشرعية ، ثم بشأن دائرة المغيبات فقال : "للإيمان الصادق ، والعبادة الصحيحة والمجاهدة ، نور وحلاوة يقذفها الله فى قلب من يشاء من عباده ، ولكن الإلهام والخواطر والكشف والرؤى ، ليست من أدلة الأحكام الشرعية.. ولا تعتبر إلا بشرط عدم اصطدامها بأحكام الدين ونصوصه ".

وقال: "التمائم والرقى والودع والرمل والمعرفة والكهانة وادعاء معرفة الغيب ـ المستقبل ـ وكل ما كان من هذا الباب منكر تجب محاربته.. إلا ما كان آية من قرآن ، أو رقية مأثورة ".

نقول : دعاء المريض لنفسه أو دعاء من معه له مطلوب ، والجؤار بالدعاء لا يمنع من تلمس الدواء ، والاستعانة بالأطباء ، فإن ذلك أيضا مشروع.

وقد وردت فى السنة المطهرة أدعية شتى ، كما وردت فى القرآن الكريم سور يتحصن المصاب بتلاوتها ، وهذه وتلك تسميان رقى ، ولا يزال المؤمنون يسترقون من البلاء ، ويدفعون العلل النازلة بما أودع الله فى كلماتها من خير وقبول..

وجاء فى بعض الآثار أن أحد الصحابة كان إذا رأى أولاده صغارا لا يقدرون على ترديد الدعاء كتبه فى ورقة وعلقه بأبدانهم.. ترى ما قيمة هذا التصرف؟ أغلب الظن أنه مسلك عاطفى دفع إليه فيض الحب للأولاد! والمسالك العاطفية الخاصة لا تؤخذ منها قدوة ، ولا تعد من باب التشريع..

والغريب أن ذلك الأثر ـ على ضعفه ـ فتح باب المعلقات ، وأغرى جماهير من السذج أن يتشبثوا بها طلبا للنجاة حتى كاد الأمر يتحول إلى شرك ، وجاهلية. والمحفوظ عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : "من تعلق تميمة فلا أتم الله له ، ومن تعلق ودعة فلا ودع الله له " .

إن الإنسان يضعف كثيرا أمام الرغبة فى الشفاء أو فى استشفاف المستقبل ، وقد رأيت مثقفين ينظرون فى طوالع النجوم وفى خطوط الأكف يريدون أن يعرفوا ما كتب لهم فى الغد القريب أو البعيد ، وذلك كله نوع من البله ، ودليل على نقص الإيمان..

وعلى المؤمنين أن يصونوا سيرتهم من هذا العوج ، وأن يردوا عن الإسلام تهما كثيرة تتجه إلى الأديان كلها فى هذا العصر .

-----------( يُتبع )-----------
#محمد_الغزالي
#دستور_الوحدة_الثقافية_بين_المسلمين
كلمة حرة
نشر في 13 تموز 2018
QR Code
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع