Facebook Pixel
الشورى في عصر تبرج الفلسفات
1085 مشاهدة
0
0
Whatsapp
Facebook Share

نقطة انفصال القيادة الفكرية والتربوية عن القيادة التشريعية انفصال أدى إلى حدوث الشروخ والأخاديد فى المجتمع المسلم، من كتاب مشكلات في طريق الحياة الإسلامية

كتاب : مشكلات في طريق الحياة الإسلامية - تأليف : الشيخ محمد الغزالي

الحلقة [ 17 ] الفصل السابع : فقه الدعوة الإسلامية ومشكلة الدعاة (3 من 5)
• الشورى فى عصر تبرج الفلسفات :

ونعود إلى نقطة انفصال القيادة الفكرية والتربوية عن القيادة التشريعية . . هذا الانفصال الذى أحدث الشروخ والأخاديد فى المجتمع المسلم . . . وقد أصبح كثير من الناس يحس بهذه القضية ، ولابد أن توضع أوليات للمعالجة . .

ونحن لا نعتقد بأن السبب كله يعود إلى القيادة السياسية ، ولا السبب كله يعود إلى القيادة التشريعية أو الفكرية . . وإنما لكل من القيادتين نصيبه من الخطأ ، فلا نستطيع أن نعود باللائمة على نفر معينين ، فنحن جميعا من علماء وحكام ومن إداريين ومربين ، ومن فقهاء ومن مشرعين وقادة عسكريين ، نحن جميعا نحمل أوزار الضعف الذى ألمَّ بالعالم الإسلامى كله ، ومن الخير أن نتعارف على خطة سواء يمكن بها أن ننقذ أمتنا وننقذ تراثنا ونؤدى رسالتنا التى لابد أن نؤديها حتى نلقى ربنا بوجه أبيض ، وإلاَّ فإن التبعات ثقيلة علينا ..

ونحن لا نبدأ من فراغ ، فمن إكرام الله لهذه الأمة أن كتابها لا يزال قائما ، وأن سنَّة نبينا صلى الله عليه وسلم لا تزال واضحة المعالم ، وأن الفقه فى أصوله وأهدافه الكبرى لا يزال يعطينا القدرة على الرؤية والانطلاق . . كل ما هنالك أن يُمنع القاصرون وأصحاب الغرض من الكلام فى دين الله أو العمل له ، لأنهم يسيئون من حيث يريدون الإحسان ، ودين الله تعالى أشرف من أن يؤخذ من أفواه الحمقى . .

إننى أرفض فى مثل هذا العصر الذى دُللت فيه الشعوب وتبرجت فيه الفلسفات التى تعرض نفسها على الخلق ، أرفض أن يجىء إنسان فيقول : الحاكم فى الإسلام يتصرف دون مجالس شورى تشير عليه ، وله أن ينفرد برأيه متخطيّا كل رأى يعرض عليه ، هذا كلام لا يمكن أن يقال ، وصاحب الرسالة المعصوم عليه الصلاة والسلام ما زعمه لنفسه ، فكيف يُزعم للآخرين ؟! . .

القول بأن الشورى لا تلزم أحدا كلام باطل ، ولا أدرى من أين جاء ! ؟ . . ولعل فكرة عدم إلزامية الشورى وفكرة المستبد العادل . . كلها كانت فلسفة لواقع معين لتبرير وتسويغ الاستبداد السياسى من فقهاء السلطة .. وكلمة " مستبد عادل " تساوى " عالم جاهل " تساوى " تقى فاجر " . . هذا جمع بين الأضداد ..

وقد يشيع فى المجتمع الإسلامى فترة من الفترات مصطلح مستبد عادل ، أو أنه قد يشيع فى المجتمع الإسلامى أن الشورى غير ملزمة ، كلون من التبرير أو التسويغ أو إعطاء الفتوى للاستبداد السياسى ، أو إلباس ثوب إسلامى للاستبداد السياسى . . وهذا لا يجوز . . فالذى رأيناه فى سيرة النبى صلى الله عليه وسلم أنه التزم بالشورى . .

إن الشورى من مبادئ الإسلام ، وقبل أن تقوم للمسلمين دولة قيل لهم مجتمعكم هذا الذى لمَّا يتحول بعد إلى دولة يجب أن يقوم أمره على الشورى: (وأمرهم شورى بينهم) ، وكان ذلك فى العهد المكى ، وعندما قام المجتمع على دولة بعد أن انتقل إلى المدينة ، فإنه قيل للرسول صلى الله عليه وسلم بعد هزيمة "أحد" (وشاورهم في الأمر) . . وكان أول اختبار للشورى فى غزوة الأحزاب عندما كاد النبى صلى الله عليه وسلم يمضى معاهدة بينه وبين القبائل الوثنية المحدقة بالمدينة والتى توشك على اقتحامها ، لأنه رأى حرج الأنصار وكلب العدو عليهم ، وتتابع البذل منهم ، خشى لأنه رأى العرب ترميهم عن قوس واحدة . . خشى هذا ، واقترح ، فلما عرض ذلك على زعيمى الأوس والخزرج - سعد بن عبادة وسعد بن معاذ - رفضا ، وفى ما أحفظه من روايات أن النبى صلى الله عليه وسلم قال لهما : " إذا اتفقتما على شىء فلا أخالفكما فيه " . . فهذا أصل الشورى - ومعروف بداهة أن الشورى لا صلة لها بالنصوص ، الشورى حيث لا نص ، والذين يقولون : إن الشورى تغير أحكام الإسلام ، هؤلاء لا يفهمون معنى الشورى . . يوم نقول : الدولة دينها الرسمى الإسلام ، فمعنى هذا أن نصوص الإسلام على العين والرأس ولا كلام فيها ، أما الشورى فحيث لا نص . .

وقد سمعت بعض الشبهات أوردها الذين يقولون : إن الشورى لا تلزم . . منها موقف النبى عليه الصلاة والسلام فى غزوة الحديبية - والظاهر أن الموقف فى غزوة الحديبية لم يكن للشورى دخل فيه ، لأن النبى عليه الصلاة والسلام أحس بأن رب العالمين قد تدخل فى الأمر ، فقال : " ما خلأت القصواء وليس لها بخلق ، حبسها حابس الفيل " ، فهم أن الله لا يريد حربا الآن ، فنفذ أمر الله - وهو خبير بالوحى - وعندما سئل قال : " أنا عبد الله وهو لن يخذلنى " ، فكان لابد أن ينفذ أمر الله - وطالما أمر الله فلا شورى لأحد ..

الشىء الثانى ، وهو عجيب ، قولهم ـ فى قضايا محاربة المرتدين ـ : إن أبا بكر استبد برأيه ـ وهذا كلام باطل ـ لأن معنى الشورى أن يقول الحاكم ما عنده ، وأن يسوق الأدلة عليه ، وأن يعترض من يعترض ، ثم يذكر أدلته ، ثم تستقر الأمور على ما يراه المجتمعون ، فهل رأى المجتمعون رأيا غير رأى أبى بكر ؟ هذا غير صحيح ، عمر بن الخطاب ـ رضى الله عنه ـ الذى اعترض ، قال : (فما هو إلا " كذا " حتى شرح الله صدرى للذى شرح الله له صدر أبى بكر) . . معنى هذا أن المعارضة اختفت . .

كذلك اختلفوا فى تخميس الغنائم ، وكانت المصالح المرسلة كما قيل ـ المصلحة المطلقة ـ أنها لا تخمس ، كما يفهم بعضهم من النص . . رأى عمر أن التخميس الذى جاء به النص كان فى أمور محدودة ، أما فى امتلاك أراضى البلاد المفتوحة وتوزيعها على المقاتلين ـ لا ـ واختلفوا شهرا وفكروا ، فكانت الأغلبية مع عدم التخميس . . ورأوا الذى رآه عمر . . فمعنى الشورى أن الآراء تقال وكل يقول ما عنده ويتعصب له وهو يعرضه ، حتى إذا أخذت الآراء وعُرف الاتجاه إلى أين فمع الأغلبية نسير . . هذا هو الذى نقوله . . أما القول الآن بأنه ـ لأى إنسان ـ أن يأخذ الأمة شرقا وهى تريد أن تذهب غربا فهذا لا يمكن أن يقال .

• البيعة العامة وجماعة المسلمين :

ويمكن أن تنسحب آثار قضية إلزامية الشورى أو عدم إلزاميتها على بعض العاملين للإسلام من الجمعيات والجماعات الإسلامية . . فقضية عدم إلزامية الشورى واردة عند بعض الجماعات الإسلامية أو العاملين للإسلام وقد أوقع ولا يزال بكثير من الارتباك ، ويمكن أن يكون الوجه الآخر للقضية هى مشكلة فهم النصوص التى وردت بشأنها ، ونحن نعلم أن البيعة العامة لا يمكن أن تكون إلا للحاكم المسلم القادر على إعلان الحرب ، وعقد السلم ، وإقامة الحدود ، يعنى له مدى معين وصلاحيات معينة ـ فبعض الجماعات الإسلامية وبعض العاملين للإسلام وقعوا فى مشكلتين . .

المشكلة الأولى : عدم إلزامية الشورى .
والمشكلة الثانية : البيعة العامة لأمير العمل أو لقائد الجماعة أو ما إلى ذلك ، الأمر الذى أحدث فيما بعد شيئا من التعسف فى التعامل مع الأحكام الفقهية ـ من جانب ـ وتصورهم أنهم جماعة المسلمين ، أدى إلى شىء من التخبط ، والحكم على المسلمين خارج إطارهم بأحكام أبعدت بينهم وبين رسالتهم الحقيقية حيث أغلقت منافذ الدعوة إلى الله . .

وهذه كلها أخطاء لا أستطيع أن أنكرها ، وقعت فى العالم الإسلامى ـ للأسف ـ فإن كثيرا من العاملين فى الميدان الإسلامى تصرفوا بطريقة تستدعى التساؤل والدهشة .

فأولا : كثيرا منهم سمى نفسه أميرا ، ومبلغ علمى أن الأستاذ حسن البنا كراهية منه للرياسة ، ولما يعلمه من أن حب الرياسة وطلب الإمارة أساء إلى المسلمين فى تاريخهم الطويل ، سمى نفسه مرشدا ، وكره أن يكون رئيسا أو أميرا ، فلا أدرى ما الذى جعل أعدادا كبيرة من الجماعات الإسلامية تطلق على القائمين بالأمر فيها " أمراء " . . وصحيح أنه " إذا كنتم ثلاثة فأمِّروا أحدكم " ، لكن ليس المقصود أن يكون ذا رئاسة وتعال ، إنما المقصود أن يكون مسئولا ، وقد تبع هذا أن الأمير الذى أصبح أميرا لبعض الطلبة أو لبعض العمال أو لبعض الشباب ، أصبح يرى لنفسه حقا فى إملاء الرأى على الآخرين ، بينما قضية الشورى مبهمة فى نفسه ، فأعطى لنفسه حق التوجيه الذى لا يُساءل فيه ، والذى يرفض الاعتراض حينما يوجه إليه ، وبهذا ساد الاستبداد نواحى كثيرة ، وهذا خطأ بيقين . .

الشىء الثانى : إن القول بأن هؤلاء الأمراء للشباب أو للطلاب أو للعمال ، لهم حقوق أبى بكر وعمر وعثمان وعلى التى هى حقوق الخلافة العظمى وحقوق الطاعة على المسلمين لأنهم أولياء الأمر ـ والله أمر بإطاعة أولى الأمر ـ هذا كلام أيضا مرفوض ، ولا يمكن قبوله ، لأن الخروج على البيعة أو الخروج على طاعة ولى الأمر إنما كانت إبقاء لكرامة الدولة ومكانتها ، ومنعا لأن تكون الفتوق سببا فى انهيارها أمام عدوها . . ولذلك كان الخروج المسلح هو الذى عُيِّب واعتبر أشبه بالرِّدَّة ، لأنه لاشك أن الخروج المسلح على الدولة خطير يبيح الدم ، لكن الخروج العادى بمعنى رفض رأى فلان من الأمراء أو الرؤساء فليس شيئا يعاب المرء عليه ، ومن الخير أن يكون الإنسان مبديا ما عنده ، وما يمكن أن أقول : إن الذى خالف رئيس الجماعة يعتبر مارقا من الإسلام أو خارجا على الجماعة أو ناقضا للبيعة أو مات ميتة جاهلية ، إلى آخر التطبيقات التى ينقلونها من ميدان الدولة إلى أفقهم الضيق المحدود الذى يعيشون فيه ..

العمل الإسلامى يجب أن يكون بعيدا عن هذه الكهانات وهذه الادعاءات ، فإذا اختار جمع من المسلمين رئيسا لهم ، فهو رئيس لهم ، يكون إماما لهم كإمام الصلاة ، إذا أخطأ فإنه يستفتح عليه ويوجه للصواب ، وليس له أن يلزم الآخرين بمتابعته على خطئه ، ومن حق الناس أن تراجعه وأن تتركه وأن تخالفه إذا رأت أن مسلكه ينبو عن تفكيرها ، ولا يعتبر إطلاقا عصيانا لله ولا خروجا على الإسلام ، أما مسألة النيات فهى إلى الله ، فمن ترك جماعة من الجماعات لأن تكاليف الجهاد بهظته أو أثقلته فهو رجل يُسأل أمام الله : لماذا استثقل تكاليف الجهاد بينما يجب عليه أن يكون مجاهدا . . أما إذا وجد خطة خطأ ، فرأى ـ بعد أن بذل النصح ورُفض سماع قوله ـ أن يترك هذا الخطأ ، فهذا من حقه ، ولا يعتبر خروجا على بيعة ولا انسلاخا عن الملة ولا عودة إلى الجاهلية ولا شيئا من هذا كله .. ومعنى ذلك أن مصطلح جماعة المسلمين الآن يحمل خطورة كبيرة ويجب أن يقال جماعة من المسلمين أما جماعة المسلمين فلا . . جماعة المسلمين إنما يتكلم عنها الخليفة الأعظم كما يُسمى وهو غير موجود الآن للأسف . .

وهناك نقطة أخرى فى قضية الاجتهاد . . فمن المعروف أن باب الاجتهاد أوقف أو أغلق ، وهذا أوقع المسلمين بفوضى شديدة جدّا . . فالحق أن إيقاف باب الاجتهاد هو اجتهاد فى الأصل . . فهل هو اجتهاد ملزم ، ومن أين له صفة الإلزام، هذه قضية . والقضية الثانية : أن إيقاف باب الاجتهاد معناه توقيف للنمو الإسلامى فى مواجهة المشكلات المعاصرة والحكم عليها .

النقطة الثالثة فى الموضوع : أن هذا يعنى لونا من الانفصال بين الإسلام وبين المجتمع ، أو فصل الإسلام عن المجتمع بأيد مسلمة ، ومساهمة سلبية منا بتوقيف الإسلام وهذا يتعارض مع خلود الشريعة ، فالله تعالى الذى أنزل الشريعة عالم بتقلبات الأمم والأحوال وما يُسمى بعملية فساد العصر ، التى احتج بها من اجتهدوا فى ذلك ، ودعوا إلى إيقاف باب الاجتهاد ، وكانت دعوتهم محل نظر ، وعموما ، فإن إغلاق باب الاجتهاد لم يكن يعنى إطلاقا فى عُرف من طالب به أو من فرضه على الناس ـ حبس العقل الإسلامى فى هذه الحجب التى جدّت ، فالذى حدث فيما قرأت للبغدادى ـ فى كتابه " تاريخ بغداد " أن الاجتهاد كان قد بلغ الفوضى ، وبلغ بالأمة الإسلامية أن بغداد كان يفتى فيها بحل دم فى حى وبحرمته فى حى آخر . . وبحل المرأة فى حى وبحرمتها فى حى آخر ، ولأضرب مثلا:

هب أن رجلا مسلما قتل ذميّا ، فإن المالكية أو الشافعية يقولون : لا يقتل فيه ، فعصموا دمه ، أما الحنفية فيقولون : يُقتل فيه ، فكان لا بد من تدخل الدولة هناك أو من تدخل اجتهاد ، لكى يرجح حكما على آخر ويغلق الباب أمام أحد الاجتهادين..

وهذا نوع من التنظيم وقد بدأ تنظيما محدودا ، ولكنه ـ للأسف ـ تحوَّل إلى فوضى وإلى إماتة وإلى تجميد للعقل الإسلامى . . كان من الممكن أن يقع طلاق البدعة أو لا يقع مثلا ، بعض الناس يقولون تطلق المرأة عندما يقال لها أنت طالق بالثلاث ـ تُطلق ثلاثا ـ وتتزوج غيره فيما بعد . . بينما يرى بعضهم أنها طلقة واحدة ولا يجوز أن تتزوج الآخر ، فكان لابد من هذا التنظيم . .

إن هناك ثروة فقهية ونظرات كثيرة . . هناك شراء اسمه فقه وشىء اسمه قانون بالمصطلحات الحديثة . . والفقه هو مجموعة نظرات متفاوتة . . متفاوتة فى قدرة أصحابها ، ومتفاوتة فى الحل والحرمة . . لكن إلى جانب المدرسة التشريعية والفقهية هناك شىء اسمه قانون . . فما ينتقى من المدرسة التشريعية من الأحكام ، فى صورة تطبيقية يتم تقنينه وجعله الأمر الملتزم .

وهذا لم يكن موجودا فى الأمة الإسلامية ، فقد بدأ حديثا . . لكن القاضى قديما كان يجتهد . . وكان له الحق أن يتبع أحد المذاهب المعتمدة الأربعة المعروفة ، وهو ليس كقاضى اليوم أمامه قانون ، يطبق مواده على الواقعة ويصدر الحكم ، بل هو يجتهد فى استنباط الحكم وفى التنقل بين عدة مذاهب ، أو إذا كانت الدولة تتبنى مذهبا معينا يأخذ من هذا المذهب ، ووظيفته الاجتهاد فى معرفة الحكم ، هل يطبق عليه أم لا ؟

كما لو قصر القانون الآن عن حالة معينة ، فيرجع إلى مصدر من مصادر الفقه . . ولكن على كل حال ، هذا الاجتهاد بإغلاق باب الاجتهاد انتهى إلى ضرر ، والضرر هو أن الأمة توقفت فعلا عند التفكير القديم الذى كان سائدا فى القرن الرابع تقريبا ، والزمن يتجدد ، وكما قيل : تحدث للناس أقضية بقدر ما أحدثوا من أنزعة . . فلابد من أن يترك باب الاجتهاد مفتوحا . . لكن لى ملاحظة ، وأريد أن أكون دقيقا ، فإنى وجدت ناسا يستغلون فتح باب الاجتهاد ، فجاءوا بأحكام اجتهدوا هم فيها ، كانت وبالا على الأمة ، لأن عقولهم قاصرة ، ولأنهم لم يستجمعوا المؤهلات العلمية والخلقية للمجتهد ، حتى كدت أقول: نعود إلى التقليد المذهبى أفضل من هذه الفوضى التى جعلت بعض الناس ينشىء مذاهب خامسة وسادسة وسابعة ، ليس وراءها من ثروة علمية تجعل لها أية حرمة..

شىء آخر حول هذه الملاحظة هو أن الاجتهاد دار فى المجال الذى يجب أن يتوقف فيه الاجتهاد ، بمعنى أننا لم نجتهد فيما نحن توقفنا فيه ، أو فيما ضمر فقهنا فيه وهو سياسة المال وسياسة الحكم . . أو ما يسمى الفقه السياسى . . سياسة العمل والعمال ، والفقه الإدارى ، علاقاتنا الخارجية بالدول . . كل هذا يحتاج إلي اجتهادات كثيرة . . وهؤلاء لا يعرفون شيئا فى هذه الميادين ، لا تقليدا ولا اجتهادا ، وإنما كل الذى بدءوا فيه وأعادوا فيه هو فقه العبادات ، هل يقرأ الفاتحة وراء الإمام أم لا ؟ هل يقنت فى الفجر أم لا ؟ هل يصلى بنعل أم لا ؟ هل يضع يديه فوق سرته أو فوق صدره ؟ هل يضعهما بعد الركوع أو لا يضعهما ؟ !

وكما قلت إن الصواب والخطأ فى هذه الأمور متساو تقريبا أو لا يُعرف بالضبط وكله مأجور . . وقد بدأ المجتهدون الجدد يعملون فى هذه الناحية .

ولذلك أرى وقف هذا الاجتهاد الجديد كله ، لأنه اجتهاد فى ميدان ينبغى أن يكون عملنا فيه الانتقاء والترجيح من أقوال السابقين التى استوعبت ـ تقريبا ـ كل شىء . . لأن العبادات غير متجددة أصلا . . أما المعاملات فرأيى أن نعتمد مبدأ المصلحة المرسلة الذى اعتمده مالك وبعض الشافعية ، والاستحسان الذى اعتمده الحنفية ، والقواعد العامة فى ديننا وهى معروفة وكثيرة ـ القواعد الفقهية التى نضج بها فقه الأئمة الأربعة ـ وهو فقه محترم ، فى الحقيقة ، ومن الممكن أن ندخل بهذا فى ميدان سياسة المال والحكم والإدارة والعمل والعمال والشئون الدولية . . إلى آخره . مع فتع الباب للانتفاع بالعلم الجديد ، ومعنى ذلك أنه لا مانع من أن أعرف ما كان حسنا عند الآخرين ، أنقله ولا حرج . .

افرض أنهم وضعوا فعلا قوانين أو مواد تبين كيف يستشير الحاكم الناس ؟ وكيف يرجع إليهم ؟ . . فما الذى يمنعنى أن أنتقى ما لا أراه مخالفا دينى فى هذه المؤسسات كلها . . أى ما وصلوا إليه فى عمليات استطلاع الرأى والشورى وما إلى ذلك . . نعم . . كل هذا أستطيع أن أنتفع به ، وهو يدخل فى باب الاجتهاد الذى ينبغى أن تفتح أبوابه ليكون داخل الإطار الإسلامى .

----------( يُتَّبع )----------
#محمد_الغزالى
#مشكلات_في_طريق_الحياة_الإسلامية
كلمة حرة
نشر في 08 تموز 2018
QR Code
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع