Facebook Pixel
الله هو الحقيقة كلها
1544 مشاهدة
1
0
Whatsapp
Facebook Share

إن عملنا نحن البشر قليل فى الكون، أما العمل الأعظم فهو لله الكبير ماذا صنع الفلاح فى مادة القطن الذى جناه؟ أو فى جسم التفاحة التى قطفها؟

كتاب : علل وأدوية - بقلم : الشيخ محمد الغزالي

الحلقة [ 20 ] الله هو الحقيقة كلها

إن عملنا ـ نحن البشر ـ قليل فى الكون، أما العمل الأعظم فهو لله الكبير .. ماذا صنع الفلاح فى مادة القطن الذى جناه؟ أو فى جسم التفاحة التى قطفها؟

إن ما لنا فى هذا الحصاد تافه، أما ما لله فهو الحقيقة كلها .. ونحن قد نحسن أو نسىء فى استخدام المفاتيح التى يسرت لنا، أما الخزائن وما فيها، بل المفاتيح نفسها فليست من صنعنا.

ولست أنا الذى أردد هذه المعانى، إنه (اينشتين) أكبر عالم كونى فى الأعصار الحديثة، فلنسمع إليه وهو يقول: (إن الشعور الدينى الذى يمتلك الباحث فى الكون هو أقوى حافز على متابعة البحث العلمى ودينى هو إعجابى ـ فى تواضع ـ بتلك الروح السامية التى لا حد لها، تلك التى تتراءى فى التفاصيل القليلة الضعيفة العاجزة.. هو إيمانى العميق بوجود قدرة عاقلة مهيمنة تتراءى حيثما نظرنا فى هذا الكون المعجز للأفهام.. "ذلك هو فهمى لمعنى الألوهية ").

وهذا العالم الكونى صادق الحس فيما يعبر عنه، وإن جاءت عبارته دون ضوابط النقل التى حفظناها. وحسبه فى أفقه البعيد عن الوحى أن يتذوق هذه المعانى ويجليها.

إنها المعانى الناضجة من قوله سبحانه: (الله خالق كل شيء وهو على كل شيء وكيل * له مقاليد السماوات والأرض). (إن الله فالق الحب والنوى يخرج الحي من الميت ومخرج الميت من الحي ذلكم الله فأنى تؤفكون).

وهى المعانى التى لخصها الفلاسفة فى طبيعة العلاقة بين الممكنات كلها وبين واجب الوجود، فإن العوالم كلها ليس لها من ذاتها وجود، وإنما يفاض عليها كيانها الذى تظهر فيه من موجد أعلى، فلا وجود فى الحقيقة إلا منه.

وقد يبالغ بعضهم، أو تغلبه نشوة إيمان رفيع فيقول: لا وجود فى الحقيقة إلا له.. وليس المراد إنكار العالم المحسوس، وإنما المراد إنكار أى دور إيجابى له فى قصة الحياة، فهو منفعل لا فاعل.

والحقائق الدينية والعلمية والفلسفية تتساوق كلها إلى هذا القرار.

ومن الخير على أية حال أن نضبط عباراتنا حتى لا توقع فى لبس، ومن الخير كذلك أن نحسن ظنوننا حتى لا نتهم أولى الألباب.

ويمتاز الإسلام بأنه بنى الإيمان الوثيق على ملاحظة آيات الله فى الكون وتتبع العلامات التى بثها الله هنا وهناك لتدل عليه وتسوق إليه. وفى تعريف الناس بربهم من خلال هذا المنهج قد ترى تساؤلات مثيرة، وتقريرات معجبة.

وكم أشعر بالرقة والإعظام وأنا أسمع المولى الجليل يحدث عباده عن نفسه: (ألم تر إلى ربك كيف مد الظل ولو شاء لجعله ساكنا). إنه استعمل ضمير الغيبة حتى إذا فتح الأجفان المغلقة لتعرفه استعمل ضمير الحضور: (ثم جعلنا الشمس عليه دليلا * ثم قبضناه إلينا قبضا يسيرا).

ويتكرر الأسلوب نفسه بعد قليل: (وهو الذي يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته حتى إذا أقلت سحابا ثقالا سقناه لبلد ميت فأنزلنا به الماء فأخرجنا به من كل الثمرات كذلك نخرج الموتى لعلكم تذكرون).

وملاحظة قيام الله على خلقه وتدبيره لأمرهم وهيمنته على أحوالهم هو الطريق إلى ولايته واجتبائه، ولعل ذلك هو الذى جمع بين الآيتين المتعاقبتين فى قوله سبحانه: (وما تكون في شأن وما تتلو منه من قرآن ولا تعملون من عمل إلا كنا عليكم شهودا إذ تفيضون فيه وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين * ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون).

نعم.. وما يكون وليا لله إلا الحاضر بقلبه معه تبارك اسمه، المشاهد لآثار أسمائه وصفاته فى ملكوته.

وعندما ترجع إلى شهادات العلماء الكونيين الأجانب التى ذكرناها بين يدى هذا البحث تشعر بأن هؤلاء العلماء لم يسكروا بخمر إلهية كما يعبر الصوفيون عندنا، بل كانوا فى درجة عالية من الصحو العقلى أمكنتهم من رؤية المكون وهم يبحثون فى الكون.

على أن العلم النظرى لا يكفى، ذلك أن الكون مسخر للإنسان ولن يكون طوع بنانه إلا إذا اكتشف قواه وسننه، وطوعه لخدمته أو ـ بالتعبير الأدق ـ لخدمة رسالته التى من أجلها خلق.

* * * *

• مفهوم المادة الواسع:

إنه لا تنافى البتة بين استعمار الإنسان فى الأرض، وارتفاقه لخيرها وبين أنه خلق لعبادة الله.. فليست العبادة انعزالا فى صومعة، وترك الحياة بعد ذلك تسير كيفما اتفق لها.

العبادة أن تعرف ربك من خلال دراستك لكونه الكبير، ثم تجعل نفسك والكون المسخر لك فى خدمة دين ربك وتثبيت تعاليمه فيما تحت يدك.

لا تنافى أبدا بين قوله تعالى: (هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها فاستغفروه ثم توبوا إليه إن ربي قريب مجيب). وقوله سبحانه: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون).

ومن هنا جاءت السنن تعلم أن الكدح فى الأرض جهاد، وأنه يجب المضى فى الزراعة ولو قامت الساعة.

ويوجد الآن تدين وضيع الرتبة محقور الثمرة، لأنه مبتوت الصلة بالكون، بادى العجز فى عرصات الأرض، وهذا الصنف من المتدينين مسخر فى الأرض، وليس شىء من الأرض مسخرا له.

وعباد المادة يستطيعون دعم الإلحاد بالأقمار المصنوعة، أما هو فأعجز من أن يدعم إيمانه المزعوم بشىء طائل، إلا العصا التى تساق بها الدواب، لأنه لا يعلو كثيرا عن هذا المنطق.

وندع الحديث فى هذا الموضوع لأنه ذو شجون، وشجونه تنقض الظهر! بيد أنه لابد من لفت النظر إلى أن الهواء النقى لا تفيد منه إلا رئة سليمة، وأن الشعاع المضىء لا تفيد منه إلا عين بصيرة، وأن السيادة فى الكون وظيفة لا يطيقها المعلولون والمشلولون. وجمهور كبير من المنتمين إلى الدين يحملون جراثيم أمراض مادية وأدبية لا حصر لها، تجعل انتماءهم إلى الدين قليل الجدوى. وقد قسم علماؤنا النعم إلى حسية ومعنوية، وجعلوا الأخيرة أشرف، فالعلم خير من المال والخلق خير من الانحلال.. وهكذا. والحق أن الانتفاع من الماديات لا يستطيعه إلا من له حظ من المعنويات، وأنه إذا كان لابد من فقد شىء فخسارة بعض الملذات الحسية واجب فى سبيل استكمال المعنويات والحفاظ عليها. وقد آثر الرجال الصالحون التضحية برغائب كثيرة كى يسلم لهم دينهم وشرفهم. وقد أنعم الله على العرب حديثا بالنفط، وأنعم عليهم قديما بالوحى، فكانت المنة عليهم برسالة السماء أرجح فى موازينهم وأضوأ فى تاريخهم. أما النفط الذى فجر المال أنهارا تحت أقدامهم فما تتم نعمه إلا إذا أحسنوا استغلاله، ودعموا به القيم وسدوا به الثغر.

* * * *

العمل لله يسبقه العلم به:

والناس فى هذه الحياة لا تصح إنسانيتهم ولا يحققون الحكمة من إيجادهم إلا إذا جعلوا نشاطهم مقسوما بين معاشهم ومعادهم، وعملوا لله كما يعملون لأنفسهم أو أكثر.

والعمل لله يسبقه العلم به، والعلم به لا يتم تحصيله بترديد أسمائه ألوف المرات كما يوصى البعض، أو كما يفعلون. العلم بالله يجىء من تتبع آياته فى الأنفس والآفاق، ومن الصلاة له فى المراصد، والمعامل الحافلة بالتجارب والملاحظات.

ويسرنى أن بعض المتصوفين قد شرع يدرك هذه الحقائق! ترى هل وصل بعد قيام القطار؟!

يقول الشيخ بهى الخولى رحمه الله: (معرفة الله تبدأ من شهود العقل لمعنى "الخالقية" التى تسند وجود الكائنات إلى الحق وحده ـ تبارك اسمه ـ فلا يكون فى الكون إلا ما هو سلب مطلق، ليس له من أمر نفسه أو غيره شىء، وخالق له الإيجاب المطلق فى كل شىء..)

ثم تعلو مرتبة المعرفة رويدا رويدا بأن يلحظ الفكر فى الكائنات معنى النفع أو معنى أنها نعمة من المنعم جل شأنه. وفى هذه المرتبة من حسن الصلة بالله يذهب الفكر إلى شعاب من النظر تجلو الكثير من الصفات العليا، والأسماء الحسنى، ويعظم حظ المرء من الحكمة والمعرفة والعبر ويزدحم ضميره بوجدانات الجلال والجمال

ثم يقول رحمه الله: (ولعلنا ندرك الفرق بين مفهوم النعم الحسية والنعم المعنوية حين نقلب النظر بين هذين النوعين فى قوله تعالى: (والأنعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع ومنها تأكلون). وقوله سبحانه: (لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين).

ولسنا نجيز المقارنة بين النظم البلاغى لكلا النصين، فكلام الله فى درجة سواء من الإعجاز. ولا ندعى أن هناك فرقا بين النوعين فى معنى الإنعام. فكلاهما فضل الله ومظهر امتنانه.. وحسب النعمة شرفا أن يكون المنعم بها هو الله.. إنما نريد الفرق بين الأثر الذى يحدثه كل منهما فى حياة الإنسان وضميره).

ولا ريب أن النبوات أنمى أثرا وأبرك عقبى من الآلاء الأخرى. وإلى هذا الملحظ جاء الأمر الإلهى: (ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه ورزق ربك خير وأبقى).

ومع ذلك كله فلا نزال نؤكد أن المقارنة هى بين دنيا مقطوعة عن ربها الذى أسداها وبين عبادة تصل المؤمن بربه وتبصره برسالته فى هذه الحياة.

لكن الدنيا التى تكون عونا على الدين، وسياجا يحميه ليست قسيما يقابل التقوى والإحسان، بل إن تحصيلها والذود عنها من صميم التقوى والإحسان.

----------( يُتَّبع )----------
#محمد_الغزالى #علل_وأدوية
كلمة حرة
نشر في 10 تموز 2018
QR Code
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع