Facebook Pixel
الإلحاد خيانة عظمى
1017 مشاهدة
0
0
Whatsapp
Facebook Share

الدين مدرسة لتعليم الكمالات، وغرسها فى النفوس، وأخذ الناس بها حتى تنضج فى أحوالهم وأعمالهم، من كتاب الجانب العاطفي من الإسلام للكاتب محمد الغزالي

كتاب : الجانب العاطفي من الإسلام - تأليف : الشيخ محمد الغزالي

الحلقة [ 15 ] الإلحاد خيانة عظمى

الدين مدرسة لتعليم الكمالات، وغرسها فى النفوس، وأخذ الناس بها حتى تنضج فى أحوالهم وأعمالهم.

إنه يعرف الناس بربهم أولا، لكنه لا يصلهم بالله على ما بهم من أثرة وشراهة، وبغى واعتداء، بل يغسل عن قلوبهم هذه الأوضار ويشرع لهم من العقائد والعبادات، والأخلاق والمسالك ما يدربهم على فعل الخير وحب المعروف وتحسين الحسن وتقبيح القبيح.

وما نزعم أن كل منتم إلى الدين يحرز ما يراد له من أنصبة الكمال، وإنما نؤكد أن الدين يستهدف الكمال النفسى لأتباعه قاطبة، وأنه كالمستشفى يقبل كل بشر، ويتولى علاجه بشتى الأدوية حتى يبرأ من علله، وتتم له الصحة الروحية المنشودة.

والناس يتفاوتون فى حظوظهم من العافية يزودهم بها الدين بيد أن من رفض هذا العلاج الحتم، وأبى إلا البقاء بأدوائه طرد، وسدت فى وجهه أبواب الوصول إلى الله.

ذلك أن عبادة الله منزلة لا يرقى إليها المفسدون والمجرمون، وأحلاس الشهوات، وعشاق العلو فى الأرض والكبر على الخلق.

وهذا الصنف من الأشرار لا يؤذن له أن يجاور الله فى جنته، فإن ما التصق به من دنايا يسوقه سوقا إلى النار (ما سلككم في سقر * قالوا لم نك من المصلين * ولم نك نطعم المسكين * وكنا نخوض مع الخائضين * وكنا نكذب بيوم الدين * حتى أتانا اليقين).

أما الذين تكلفوا مشاق التهذيب والتنزيه، ونقوا أنفسهم من أدران الشر ونوازع الإثم فإنهم يأخذون طريقهم إلى الجنة ممهدا ويقال لهم: (كلوا واشربوا هنيئا بما أسلفتم في الأيام الخالية).

الدين إذن صلة بالله رفعت أصحابها، وزكت أنفسهم وصفت معادنهم وتلك هى حقيقة الكمال الإنسانى.

ولسنا نتصور كمالا إنسانيا مع انقطاع الصلة بالله، وإضمار الكرة لشرائعه.

إن الجهل بالله، والوحشة من طريقه جذام يجتاح النفوس ويدعها لا تساوى شيئا.

إن كنود المنعم الأكبر وإنكار وجوده أو إنكار حقوقه هو الخيانة العظمى التى لا يقبل معها خير يقدم، أو يكترث معها بميزة قائمة.

ونحن نحب أن نعرف هذه الحقائق بجلاء، هناك من يظن الدين صلة بالله لا تورث النفوس أدبا ولا شرفا، وهؤلاء كذبة على الإسلام يجب إبعادهم عن حظيرته.

وهناك من يظن الاكتمال النفسى يتوصل إليه دون الإيمان بالله، وإقام للصلاة وإيتاء للزكاة، وهؤلاء أدعياء مغرورون لا يجوز أن تكون لهم حرمة، ولا أن تحفظ لهم مكانة فإن الدعامة الأولى لما تصبوا إليه الإنسانية من كرامة ومجد هى الاعتراف بالله والخضوع له والاستمداد منه والاحتكام إليه...

لقد شاعت فى أوساط كثيرة فكرة أن المرء يقاطع الدين، أو يجامله بكلمات باهتة، ثم يختط لنفسه طريقا فى الحياة لا تعرف المسجد؟ ولا تقيم وزنا لمواريث السماء جملة وتفصيلا.

وهو مع إقفار حياته من الدين؟ وفراغ قلبه من الله يزعم أنه استكمل أسباب الكرامة واستجمع خصال الخير...

أما مقاييس الخير والشر فقد انقلبت فى وعيه رأسا على عقب، وما تظن بامرئ لا يستهدى بوحى، ولا يستيقن بآخرة؟ إن حكمه على الأمور ينبع من نفسه وحدها.

وما نفسه؟ كائن إن ضبطه العقل الحصيف حينا اجترته الشهوات والأهواء أحيانا كثيرة فحسنت له ما يريد، وقبحت له ما يكره...

وقد رأينا الشيوعيين والوجوديين يرسلون أحكامهم على الأشخاص والأشياء فرأينا الأعاجيب.

بل سمعنا من إخوانهم الإباحيين أن هذه الأمة لن تنهض إلا إذا قلدت أوروبا فى "قاذوراتها" ونحن بعد ما بلونا القوم ما نظن أحدهم يتحرج عن إتيان أمه دون حياء، وتقديم زوجته للآخرين دون مبالاة.

والغريب بعد هذا الكفر والفسوق أن يزعم هؤلاء أن لهم نصيبا من الكمال الخلقى والسلامة النفسية، وأن يرجموا الدين وأهله بالإفك والبهتان.

ولنتجاوز هؤلاء وسيرهم الخاصة والعامة ولنتساءل: هل قضية الإيمان بالله من التفاهة والهوان بحيث يستوى فيها النفى والإثبات والشرك والتوحيد؟ هل هذه القضية من خفة الوزن بحيث لا يفترق فيها مؤمن وكافر ومصدق ومرتاب.

إننا لو عرفنا عن رجل ما أنه يتصور الأرض مربعا لا كرة، أو يتصور مياه المحيطات عذبة لا ملحا فإننا نزرى بعقله، ونسخر من علمه.

فإذا كان الخطأ فى فهم بعض الحقائق الدنيا له هذه القيمة، فيكف لا نكترث للخطأ الجسيم المتصل بالحقائق العليا؟ إننا إذا عرفنا عن رجل ما أنه جحد جميلا أسدى إليه أكننا له الضيق والاحتقار، فكيف بمن جحد نعماء الخلاق الرزاق وهو يتقلب فيها على أحيانه كلها من المهد إلى اللحد؟ والواقع أن القول ـ بكمال نفسى عند أى شخص ملحد أكذوبة كبيرة لا تعنى إلا واحدا من أمرين فى نفس هذا القائل!

إما أن الله غير موجود بالفعل، وبذلك لم يرتكب هذا الملحد شيئا يلام عليه. وإما أنه موجود حقا ولكن الجهالة والجحود ليسا رذائل تسقط المكانة.

ونحن معشر المؤمنين نزدرى هذه الأفكار والأحكام، ونرى الإلحاد أس الدنايا، ونعد أهله شرار الخلق وجراثيم الفساد...

وهناك صنف ناعم مائع يبدو كأنه محايد بإزاء هذه القضية الخطيرة، إنه لا يجنح لا إلى السلب ولا إلى الإيجاب.

ربما قال لك ـ إذا سألته: هل الله حق ـ ولم هذا السؤال؟ وما جدوى الإجابة عليه؟ إن حياة الجماهير غير مرتبطة بهذه الإجابة.

وربما استتلى يقول: إن هناك قوة وراء المادة لها أثرها الكبير أو يقول: من الخير الاعتراف بألوهية قائمة فلو لم يكن هناك إله لوجب التصريح بأن الله موجود!!

هذا الصنف من الناس يشبه المنافقين بالنسبة إلى الكافرين، وان اختلف لون التكذيب حسب الطباع التى تسير أصحابها.

والملحدون والمحايدون سواء فى أنهم يريدون أن يحيوا على ظهر هذه الأرض وفق ما يشرعون لأنفسهم، دون التزام بأى توجيه سماوى.

ونحب أن نزيد الموضوع وضوحا، فليس الإيمان إقرارا بقوة غامضة أشبه بالصفات التى لا تمسكها ذات معينة.

كلا إن الإيمان اعتراف بالله المريد القادر المهيمن الذى أمر ونهى، وأعطى الناس فرصة محددة لتنفيذ أمره ونهيه، وهو رقيب عليهم، وسائلهم يوما عن كل صغيرة وكبيرة كلفوا بها.

فليس بمؤمن هذا الذى يقول: إن فى العالم أو وراءه قوة لا ندرى عنها شيئا، لا صلة لها بنا أو لا صلة لنا بها فى سلوكنا الخاص والعام.

ثم القول بأنه لو لم يكن هناك إله لوجب أن نشيع الإيمان به ـ لمصلحة الأمن العام طبعا ـ قول سخيف سمج.فإن إشاعة الكذب جريمة، ولا معنى للإيمان بالوهم.

وهذا الكلام لا هدف له إلا أن الدين يمكن استغلاله فى تسكين الدهماء بقطع النظر عن قيمته الحقيقية. وهذا كفر لا يقل عن الجحود الصريح.

الإيمان اعتراف بالله الذى تكلم فأبان عن نفسه وعن مراده من خلله، وبعث إلينا من يشرح لنا كيف نعيش وفق هذه التوصيات العليا ( كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير * ألا تعبدوا إلا الله إنني لكم منه نذير وبشير * وأن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يمتعكم متاعا حسنا إلى أجل مسمى ويؤت كل ذي فضل فضله وإن تولوا فإني أخاف عليكم عذاب يوم كبير * إلى الله مرجعكم وهو على كل شيء قدير).

من أجل هذا كله نحن نحكم حكما بينا حاسما بأن الكفران بالله والتمرد عليه ورفض توجيهاته خيانة عظمى، وإن أبعد شىء عن الاحترام أناس من هذا القبيل، وأن الأساس الأول للتكمل النفسى اليقين فى الله والاستكانة لحكمه والاتباع التام لهداه.

وأداء العبادات ركن ركين فى بناء الكمال النفسى.

ومع أن الأثر الخلقى والاجتماعى لهذه العبادات بعيد المدى إلا أنه ثانوى فى تشريعها، والغاية الأولى من أدائها الوفاء بحق الله، والانقياد لأمره وإعلان التبعية المطلقة لذاته جل شأنه.

بل إن من صلى وصام دون أن تكون هذه المعانى مسطورة فى نفسه فلا صلاة له ولا صيام، ذلك أن النية المنظورة إليها فى هذا المجال الاستسلام لأمر الله تحرى مرضاته والفزع من سخطه والشعور بأن المرء ما خلق إلا ليمدح ربه ويثنى عليه بما هو أهله، وينفى عنه كل نقيصة، وينزهه من كل عيب.

وهو بهذا التمجيد يحقق الغاية من محياه قال تعالى: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) ، (فاصبر على ما يقولون و سبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس و قبل غروبها و من آناء الليل فسبح و أطراف النهار لعلك ترضى).

وقد جاء فى الحديث " ليس أحد أحب إليه أن يمدح من الله. من أجل ذلك مدح نفسه ".

ومن حق الله الذى خلق أن يُعرف ويُعبد. ومن حق الله الذى رزق أن يُذكر ويُشكر. ومن حق الله الذى يعلم السر وأخفى أن يُراقب وأن يُستحى من مخالفته. ومن حق الله الذى يرث الأرض ومن عليها أن يستعد الخلائق للقائه.

وكل تفريط فى هذه الحقوق رذيلة كبيرة، فمن عاش مقطوع الصلة بالله، فارغ القلب من شكره، خالى البال من مراقبته، عديم الاستعداد للقائه فهو مهما ارتقى من نواح أخرى حيوان غادر خبيث، وكفره هذا خيانة عظمى تزهد سوءتها بكل ما ينسب إليه من كمال.

----------( يُتَّبع )----------
#محمد_الغزالى
#الجانب_العاطفي_من_الإسلام
كلمة حرة
نشر في 17 تموز 2018
QR Code
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع