Facebook Pixel
ماذا تعني الكرامة الإقتصادية؟
1287 مشاهدة
0
0
Whatsapp
Facebook Share

مقال للكاتب محمد الغزالي من كتاب حقوق الإنسان بين تعاليم الإسلام وإعلان الأمم المتحدة، يتكلم فيه عن الكرامة الإقتصادية

كتاب : حقوق الإنسان بين تعاليم الإسلام وإعلان الأمم المتحدة - تأليف : الشيخ محمد الغزالي

الحلقة [ 13 ] : الكرامة الاقتصادية (1 من 2)

• العمل : منذ أن هبط آدم وبنوه إلى الأرض وهم مكلفون بالكدح فى ثراها ٬ حتى يستطيعوا العيش ٬ فإن أبدانهم لا تتماسك بها حرارة الحياة ٬ ولا تواتيها قدرة الحركة إلا بوقود متجدد من الغذاء كلما نفذ منه مقدار تبعه مقدار آخر ٬ وهكذا دواليك دون انقطاع إلى أن ينتهى الأجل المكتوب . “وما جعلناهم جسدا لا يأكلون الطعام وما كانوا خالدين” .

وكل امرئ مطالب بتحصيل هذا الطعام عن طريق أى عمل يوافق مواهبه وملكاته .

إن ينابيع الرزق كثيرة بيد أن تفجيرها يحتاج إلى مشقة بدنية وعقلية لابد أن يتحملها الإنسان وهو جلد .

وعندما ذرأ الله الحياة الإنسانية علي ظهر هذه الأرض هيأ شتى العناصر لخدمة الإنسان ٬ ثم أمر هذا الإنسان أن يتزود بالخير الذى ينفعه من هذه المصادر المتاحة “هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه” “الذي جعل لكم الأرض فراشا والسماء بناء” . “الذي جعل لكم الأرض مهدا وسلك لكم فيها سبلا وأنزل من السماء ماء فأخرجنا به أزواجا من نبات شتى ٬ كلوا وارعوا أنعامكم إن في ذلك لآيات لأولي النهى” .

“ولقد مكناكم في الأرض وجعلنا لكم فيها معايش”. ووصف الأرض بأنها مهد للإنسان تارة ٬ وبأنه مستعمر فيها ٬ أى من حكمة وجوده تعميرها ٬ كل ذلك يشرح الصلة الوثقى بين الإنسان وبين العمل فى هذه الحياة ٬ عملا متصلا مثمرا يتجه إليه بقلبه ولبه جميعا ٬ لا ليتقنه فحسب بل ليتعرف على عظمة الخالق من خلال ما يعالج من شئون . “والله جعل لكم مما خلق ظلالا وجعل لكم من الجبال أكنانا وجعل لكم سرابيل تقيكم الحر وسرابيل تقيكم بأسكم كذلك يتم نعمته عليكم لعلكم تسلمون” .

العمل إذن هو وسيلة للبقاء ٬ والوسيلة تتبع الغاية فى شرفها وخستها .

فمن كرس حياته للحق والخير فعمله عبادة ٬ وكل قطرة عرق تبذل فيه فهى آية جهاد ٬ توضع فى موازين المرء مع صلاته وزكاته.

وقد نبه النبى ` صلى الله عليه وسلم ` إلى أن العمل للدنيا من الدين ٬ وأن شيمة الأنبياء والمرسلين سواء أكان هذا العمل زراعة أو صناعة أو تجارة أو حرفة أو وظيفة .

وهاك بعض الآثار الشواهد على منزلة الاحتراف والكدح والسعى فى طلب الرزق بالوسائل الشريفة :

عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: ` ما أكل أحد طعاما قط خيرا من أن يأكل من عمل يده ٬ وإن نبى الله داوود كان يأكل من عمل يده `. وقال: “ طلب الحلال واجب على كل مسلم “ .

وقال: “ أيما رجل كسب مالا من حلال فأطعم نفسه أو كساها فمن دونه من خلق الله فإن له به زكاة “ . وسئل صلى الله عليه وسلم : أى الكسب أفضل ؟ قال: ` عمل الرجل بيده وكل بيع مبرور` .

وروى عنه صلى الله عليه وسلم : ` إن الله يحب المؤمن المحترف ` .
وعن كعب بن عجرة: ` مر على النبى صلى الله عليه وسلم رجل ٬ فرأى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من جده ونشاطه ٬ فقالوا: يا رسول الله.. لو كان هذا فى سبيل الله !!. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ` إن كان خرج يسعى على ولده صغارا فهو فى سبيل الله وإن كان خرج يسعى على أبوين شيخين كبيرين نهو فى سبيل الله . وإن كان خرج يسعى على نفسه يعفها . فهو فى سبيل الله . وإن كان خرج يسعى رياء ومفاخرة فهو فى سبيل الشيطان `

إن الإسلام يجعل العمل سمة المسلم ٬ ومظهر تجاوبه مع رسالة الوجود ٬ وانقياده لأمر الله وفقهه لطبيعة الدنيا وحقيقة الدين .

ولا يجوز أن يكون حب الحياة بابا إلى طلبها بوسائل رديئة ٬ فإن العمل الذى أمر الله به محكوم بإطار سميك من أخلاق العفة والصدق والعدالة والرحمة..

وعندما يسر الله لعباده خيرات هذه الأرض نبههم إلى أن ذلك لا يجوز أن يعدو الحلال الطيب.

فليس الإنسان وحشا منطلقا فى برية يلتهم مما وقع فى براثنه ٬ كلا. إنه إنسان محاسب على سلوكه ٬ مسئول عن نيته ووسيلته وغايته .

ولذلك لا يجوز أن يقع فريسة الغرائز الخسيسة والوساوس الدنيا.
“يا أيها الناس كلوا مما في الأرض حلالا طيبا و لا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين” .

وقد يستحلى المرء طعاما وصل إلى يده مريب المصدر ٬ ولو علم عقباه فى آخرته لفضل أن يأكل الطين بدل أن يدخل هذا الطعام فى جوفه . يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لهذا الإنسان : ` لأن يأخذ ترابا يجعله فى فيه خير له من أن يجعل فى فيه ما حرم الله عليه`.

وروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم :` أيما عبد نبت لحمه من سحت فالنار أولى به`. وعقبى التهام الحرام عار الدنيا ونار الآخرة . “إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا” .

والعمل الصحيح هو السبب الأول للملكية الصحيحة . والإسلام يحترم هذا العمل ويصون ثمراته ويجعل العدوان عليها جريمة .

أما الكسب السئ فلا حرمة له بل إن الإسلام يطلب من كل امرئ حصل على القليل أو الكثير من المال الحرام أن يتخلص منه فورا حتى تكون علاقته بالله سليمة وتوبته إليه مقبولة.

فإن الغش والغصب والقمار والسرقة والربا والاحتكار والاستغلال وجميع أنواع الكسب الحرام لا يمكن عدها وسائل للتملك المحترم.

إنهافى حقيقتها اعتداء على التملك الصحيح وطرق ملتوية لوضع اليد الجائرة على حقوق الآخرين .

حرم الإسلام التسول مع القدرة على العمل لأن الإسلام يكره الطفيليات التى تعيش على حساب الآخرين وتعتمد فى بقائها ونمائها على كدها وعرقهم .

لماذا يقعد عن العمل امرؤ قادر عليه ويريد ليطعم من سعى العاملين المرهقين؟ هذه جريمة تزرى بصاحبها وتسقط مروءته .

قال رسول الله ` صلى الله عليه وسلم `: ` لا تزال المسألة بأحدكم حتى يلقى الله تعالى وليس في وجهه مزعة لحم ` .

وقد أبى النبى أن يصلى على متسول مات وعنده مال جمعه من هذا الطريق عن مسعود بن عمرو عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه أتى برجل ليصلى عليه فقال: كم ترك؟ قالوا: دينارين أو ثلاثة.

قال: ترك كيتين أو ثلاث كيات. فلقيت عبد الله بن القاسم مولى أبى بكر رضى الله عنه فذكرت ذلك له فقال: ذلك رجل كان يسأل الناس تكثرا.

وحصيلة هذه الحرفة الدنيئة يجب أن تصادر ٬ وألا تترك لصاحبها فإن كل مال كسبه صاحبه من سحت لاحق له فيه .

وحرم الإسلام الربا - لأنه كالتسول - أكل المستريح من كدح الكادحين دون تعرض لتعب أو مخاطرة .

وهو محرم بين أهل الأرض جميعا ٬ وتحريمه نصت عليه الأديان كلها . ومن كذب اليهود الزعم بأنه يحل لهم أخذه من الناس .

وإن كانت المدنية الحديثة للأسف قد سارت وراءهم فى هذا الإفك . قال الله جل شأنه: “الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا وأحل الله البيع وحرم الربا فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون” .

وما يجمعه المرابون من ثروات لا يعترف به الإسلام ٬ ولا يجوز بقاؤه بأيديهم بل يصادر. “…وإن تبتم فلكم رءوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون” .

وحرم الإسلام الغصب . والغصب اغتيال أموال الناس جهرا وقهرا ٬ ويغلب أن يكون ذلك فى الأراضى المزروعة ٬ ولذلك ورد التشديد فى شأنها .

فعن أبى مسعود قلت : يا رسول الله.. أى الظلم أظلم ؟ فقال: ` ذراع من الأرض ينتقصها المرء المسلم من حق أخيه المسلم. فليس حصاة من الأرض يأخذها إلا طوقها إلى قعر الأرض. ولا يعلم قعرها إلا الله الذى خلقها ` .

ومهما قل أو كثر ما يغتصبه الإنسان فهو سحت يجب الانخلاع عنه ورده إلى صاحبه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ` لا يحل لمسلم أن يأخذ عصا من أخيه إلا بطيب نفس منه ` .

ولو نظرنا إلى الثروات الكبرى ودققنا النظر فى أصولها ٬ وجدنا أن كثيرا منهاخصوصا الأراضى المقطعة ليس كسبا خالصا ٬ وأن حقوق الألوف من الخلائق تتعلق بها.

وربما استطاع القانون مصادرة بعض الأموال الظاهرة التى لم تعرف لها مصادر واضحة أو التى ثبت أنها حرام .

ولكن الإسلام يحرك الضمير الإنسانى كى يبعث المالك على تحرى الحق فيما يملك وإطراح ما عداه مهما خفى أو كثر.

فإن الله لا يقبل توبة من يمسك بحقوق الآخرين عنده ويجتاحها دون مبالاة مهما أكثر من العبادات. وقدم من صلوات وصدقات .

فعن أبى عثمان عن سلمان الفارسى وسعد بن أبى وقاص وحذيفة بن اليمان وعبد الله بن مسعودحتى عد ستة أو سبعة من أصحاب النبى ` صلى الله عليه وسلم ` قالوا: `إن الرجل لترفع يوم القيامة صحيفته حتى يرى أنه ناج. فما تزال مظالم بنى آدم تتبعه حتى ما يبقى له حسنة ويحمل عليه من سيئاتهم ` .

ومعنى هذا أن المكاسب السيئة تحرق العبادات. وهذا غير ما يفهمه البعض ضلالا من الدين. أن الإنسان يمكنه ببعض المراسم أن ينال الرضا الأعلى وهو آكل لأموال الناس بالباطل ..!!.
والحرام لا يبقى بيد صاحبه أبدا ..

وقد كان عمر بن الخطاب ينظر فى ثروات الولاة . فما ظنه منها جاء عن استغلال نفوذ أمر بمصادرته للفور .

ولو أن هذه السياسة العمرية نفذت فى كل عصر ومصر لاستراحت الشعوب من بلاء جسيم عظيم . وكان عمر يصادر ما كان يكسبه الولاة من أعمال لا يجوز لهم الاشتغال بها كالتجارة وما إليها ٬ أو ما كان يأتيهم من هدايا أو أموال نتيجة لاستغلال نفوذهم وجاههم . فعل ذلكرضى الله عنه مع ولاته على البصرة .

وفعله مع أبى هريرة نفسه عامله على البحرين . فقد أبلغه أنه أثرى فى أثناء ولايته ٬ فأحصى ثروته وصادر جميع ما شك فى مصدره منها وألحقه ببيت المال . وقد جرى بينهما فى ذلك نقاش طريف يدل على مبلغ حرص عمر على تحقيق العدالة ومحاربة الكسب غير المشروع فقد قال له عمر: `استعملتك على البحرين وأنت بلا نعلين ٬ ثم بلغنى أنك ابتعت أفراسا بألف دينار وستمائة دينار `.

فقال أبو هريرة: كانت لنا أفراس تناتجت وعطايا تلاحقت. قال عمر: قد حسبت لك رزقك ومؤنتك وهذا فضل فأده . فقال أبو هريرة : ليس لك . قال عمر: بلى ٬ والله لأوجعن ظهرك . ثم قام إليه بالدرة فضربه حتى أدماه . ثم قال له: إيت بها . قال أبو هريرة : احتسبتها لله . فقال عمر: ذلك لو أخذتها من حلال وأديتها طائعا. أجئت من أقصى البحرين تجبى الناس لك لا لله ولا للمسلمين !؟ ما رجعت بك أميمه أم أبى هرير ة إلا لرعية الحمر .

وحدث مثل ذلك مع سعد بن أبى وقاص لما ولاه عمر على الكوفة ٬ فقد قاسمه عمر ماله حينما شك فى مصدره . وفعل ذلك أيضا مع عمرو بن العاص واليه على مصر ٬ فقد كتب إليه: `أنه فشت لك فاشية من متاع ورقيق وآنية وحيوان ٬ لم تكن لك حين وليت مصر `. فكتب إليه عمرو: ` أن أرضنا أرض مزدرع ومتجر. فنحن نصيب فضلا عما تحتاج إليه نفقتنا `. فكتب إليه عمر: ` إنى قد خبرت من عمال السوء ما كفى ٬ وكتابك إلى كتاب من أقلقه الأخذ بالحق ٬ وقد سئت بك ظنا ووجهت إليك محمد بن مسلمة ليقاسمك مالك ٬ فأطلعه وأطعمه ٬ وأخرج إليه ما يطالبك به ٬ وأعفه من الغلظة عليك ٬ فإنه برح الخفاء ` .

فأذعن عمرو للأمر وترك محمد بن مسلمة يقاسمه المال

• أجر العمل :

لكل سلعة من هذه السلع المتداولة فى الأسواق سعر حقيقى يمثل ثمن التكلفة وقدر الربح المضاف فى الظروف المعتادة .

والأسعار تترك فى ميدان التجارة لقانون العرض والطلب ٬ وتتقلب بين الارتفاع والهبوط تبعا لذلك .

وقلما تتدخل الدولة فى تحديد الأسعار ٬ إلا إذا وجدت أن مصلحة الجمهور تتطلب للحماية ٬ عندئذ تفرض سلطان القانون ٬ على مجموعة من المواد التى لا غنى للناس عنها من أغذية وأدوية وأكسية ...

وما أشبه ذلك . وأما الأصل العام فهو ترك التجارة حرة ٬ وإطلاق زمام المنافسة فى كل ناحية ٬ وكل سلعة.

لكن الشارع الذى ينشد العدل فى كل حال يضع من الوصايا ما يمنع التغابن وما يحمى أولى السذاجة والبساطة من أصحاب الخلابة والمكر ...

فهو مثلا ينهى أن يبيع حاضر لباد ٬ وينهى عن تلقى الركبان . ومعنى ذلك أن التاجر المدني قد ينفرد بريفى غافل ٬ فيبيعه السلعة بثمن فاحش.

أو أن العارفين بمستوى الأسعار فى المدينة قد يسارعون إلى تلقى جالبى البضائع من خارج فيشترون منهم ما بأيديهم بأرخص من ثمنها والواجب ...

هذا اللون من التعزير يرفضه الدين ٬ ويعطى البائع حق الخيار فيما أبرم من عقد إذا كان قد وقع عليه غبن .

إن السلع يجب أن تباع بسعر معتدل ٬ لا وكس فيه ولا شطط . قد حرم الإسلام الاحتكار لأنه إغلاء للسعر بغير علة معقولة .

والإسلام يكره الجشع ويضرب على أيدى أصحابه حتى تجد العامة ما تحتاج إليه ميسورا موفورا .

ونحن نرى أن الموظفين والعمال أصحاب خبرة ودربة ومهارة ٬ وأن الخدمات التى يؤدونها للمجتمع لا تعدو أن تكون هى الأخرى سلعا يرتفق الناس بها ولا يستغنون عنها .

فهل تترك هذه المواهب والمنافع المقرونة بها فى مهب الريح ترتفع وتنخفض دون ضابط عدل ؟. لا إن الجهد البشرى الذى يبذله موظف أو عامل فى إنجاز أمر من الأمور أو إتقان سلعة من السلع ٬ له عوض مالى يمكن جعله ثمنا مقبول له .

فإذا تدخلت ظروف مصطنعة لبخس هذا الثمن أو المغالاة فيه ٬ فإن العدالة التى قررتها الشريعة فمنعت المتبايعين فى الأسواق عن التغرير والخداع والاحتكار تنتقل هنا لتمنع كذلك الغلو والحيف ٬ أو الجشع والانكسار ٬

والواقع أن الخدمات العلمية والفنية واليدوية يجب أن تلقى مقابلا مجزئا لا يشعر معه الموظف أو العامل أن جهده أهدر ٬ وأن مواهبه بيعت بثمن بخس .

وقد يكثر العاطلون فى بلد ما ٬ ويطلب صاحب الأرض مثلا من يجنى له حقول القطن ٬ فهل ندع هذه القضية خاضعة لقانون العرض والطلب ٬ فيستطيع المالك استئجار من شاء بأبخس الأسعار إن الظلم الفادح نشأ من السير فى هذه السبيل .

إن الإسلام أول ما ظهر حمى البدوي الساذج من استغلال أهل الحضر ٬ وأبى إلا أن تباع بضاعته بسعر المثل ٬ فكيف يسمح باستغلال الضوائق فى الأحوال المشابهة إن من حق هؤلاء الذين يبيعون جهودهم أن يطلبوا تدخل الدولة لحمايتهم ٬ والإسلام أول من يأمر برعايتهم .

وقد تألفت فى العالم نقابات مهنية تتمثل فيها المصالح الخاصة لأصحاب الحرف والخدمات المادية والأدبية . وكان الدافع إلى تأليفها الشعور بضرورة التجمع لضمان كرامة العمل والمنتسبين إليه .

وهو شعور لا مفر من الاعتراف به بعد ما عرا الجماعة الإنسانية من تطور واسع جعلنا نطالب بتسعير الوظائف فى كل مكان ٬ وحماية العمل ورجاله من الزراية والحرمان .

على أن ما نقرره هنا من تسعير الوظائف والأعمال بطريق القياس والاستنتاج قد سبق إلى تقريره فقهاء الإسلام القدامى رضى الله عنهم. غاية ما هنالك من فرق أن تسعير العمل فى عصرنا هذا ينظر فيه إلى حماية الطبقات الكادحة ومنع أصحاب الثروة والقوة من إملاء شروطهم عليها .

لكن يبدو مما قرأناه فى كتبنا الفقهية القديمة أن التسعير كان يقصد به أولا منع العمال من المغالاة فى طلب أجور باهظة يطيقها أصحاب الأرض أو أصحاب الصناعات

تأمل قول ابن القيم فى كتابه ` الطرق الحكمية فى السياسة الشرعية ` :
` فإذا كان الناس محتاجين إلى فلاحة قوم أو نساجتهم أو بنائهم صارت هذه الأعمال مستحقة عليهم يجبرهم ولى الأمر عليهم بعوض المثل ` .

ولا يمكنهم من مطالبة الناس بزيادة عن عوض المثل . ولا يمكن الناس من ظلمهم بأن يعطوهم دون حقهم .

كما إذا احتاج الجند المرصدون للجهاد إلى فلاحة أرضهم ٬ وألزم ولى الأمر من صناعته الفلاحة أن يقوم بها فإنه يلزم الجند ألا يظلموا الفلاح ٬ كما يلزم الفلاح أن يفلح الأرض.

يعنى ابن القيم أن على المالك أن يدفع أجورا معقولة للفلاحين ٬ وعلى الفلاحين أن يؤدوا ما كلفوا به بأمانة .

ثم قال ابن القيم : `والمقصود أن الناس إذا احتاجوا إلى أرباب الصناعات كالفلاحين وغيرهم أجبروا على ذلك بأجرة المثل ٬ وهذا من التسعير الواجب ٬ فهذا تسعير الأعمال `.

وهذا الكلام الواضح يعطى الحكومات والنقابات حق تسعير جميع الوظائف والمهن على نحو من التراضى والتفاهم ٬ لا تضار به الأطراف المعنية .

فلا صاحب المال يطغى ٬ ولا باذل الجهد يأسى . ولكنها قاعدة الإسلام “لا تظلمون ولا تظلمون” .

----------( يُتبع )----------
#محمد_الغزالي #حقوق_الإنسان
كلمة حرة
نشر في 16 تموز 2018
QR Code
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع