Facebook Pixel
1843 مشاهدة
0
0
Whatsapp
Facebook Share

تساؤل ونظرة ليست من الخارج فقط، بل نحن أيضاً كأفراد ننساق إلى هذا الاختزال ونتخندق دون وعي داخل واحدة من مطباته

في مقال قديم لغادة السمان، تقول أنها كانت في رحلة سياحية (في سويسرا على ما أذكر)، وتعرفت في الرحلة على سائحة غربية، فلما عرفت الأخيرة أنها جاءت من لبنان، سالتها فورا: يا إلهي! وهل أنت مسلمة أم مسيحية؟
فكرت غادة : صار هذا السؤال مطروح هنا أيضا ؟
أجابتها: ما علاقة ديني بالأمر؟
ردت السائحة: لكنكم تتقاتلون لأجل ذلك منذ عشر سنوات!
هكذا ينظر إلى الأمر من الخارج.
المقال في الثمانينات.. لو أن الأمر تكرر اليوم - وأظنه يتكرر كثيرا - لكان السؤال : هل أنت سني أم شيعي؟
والمشكلة أن هذه النظرة ليست من الخارج فقط...أحيانا نحن أيضا - كأفراد- ننساق إلى هذا الاختزال ونتخندق ( دون وعي ) داخل واحدة من مطباته...
سألني اليوم زميل دراسة قديم،.. خريج دفعتي في أسنان بغداد 93 ، إن كنت " أكفرّهم"...سؤاله كان جاد جدا..كان يطرحه لكي يعرف إن كنت أكفره وأهله وأقاربه...وطرحه بمنتهى الأدب.
لقد وصلنا إلى هنا !
وصلنا إلى أن يكون التكفير منتشرا ( أو نتخيل أنه منتشر) لدرجة أننا نحتاج إلى أن نسأل أسئلة كهذه..صار الأمر كما لو كان أن التكفير هو الأساس، وأن من لا يكفر هو النادر، هو الاستثناء الذي ربما يستحق الإشادة..
لكن الأمر ليس هكذا أبدا. ولم يكن هكذا على الإطلاق. هناك من ( يكفّر) - من الطرفين- وهناك من يرتكب الفظائع بناء على هذا ( غالبا وفق أجندات ومشاريع سياسية) لكن في النهاية أغلب الناس العاديين لا يتبنون الفكرة أصلا ، و كثير ممن يرى أنها محقة ( من الطرفين) لا يبني عليها أي عمل..
عشنا عمرا سوية، جيرة عمر وصداقة وزمالة دراسة وعمل وخبز وملح ومصاهرة ونسب...
كيف وصلنا إلى هنا؟
نعرف كيف وصلنا...
لكن الأهم هو كيف نخرج من هنا؟ نعم هناك
اختلافات عقدية ضمن مجموع " أهل القبلة" لكن هل يجب أن تتحول هذه الاختلافات إلى " التكفير" وما يبنى عليه..هل احترام هذا الاختلاف والتعايش معه أمر مستحيل حقا؟ لكننا عشناه فعلا -" اجتماعيا" على الأقل... كان لكل معتقداته وحرص الجميع على عدم استفزاز الآخر بها..هل كان هذا صعبا جدا؟ أم أني مبالغ في مثاليتي ولم يكن الأمر كذلك في أي وقت على الإطلاق؟!
لا أدري. كانت هناك " نكات متبادلة" بيننا على الأمر، وكنا نضحك جميعا عليها. كانت هناك " مسامير" في الكلام هنا أو هناك_ نادرا ما تتطور إلى شيء آخر..وكان الموضوع يفتح عند وجود خطبة أو زواج..وفي كثير من الأحيان كان يفتح دون أن يكون عائقا...على الأقل داخل الطبقة الوسطى في بغداد...
كل ما ذاكرتي من المجتمع العراقي في الثمانينات والتسعينات تكرس إمكانية التعايش بين السنة والشيعة...هل وجود نظام " علماني" " أمني" ساهم في تكريس ذلك؟ ربما. لكن التعايش كان ممكنا...ما كان لنظام أمني أن يجبر الناس على الزواج والمصاهرة والصداقة وعشرة العمر...
ثم جاءت المشاريع الإقليمية..والأجندات..والأحزاب..والجماعات المسلحة..والإرهاب..والميليشيات....
ووصلنا إلى هذا السؤال..
****
بالصدفة أشاهد منذ أمس ( مسلسل قصير - حلقتان ) عن حياة الملكة إليزابيث الأولى ( انتاج 2005 وبطولة هيلين ميرين)...
كل ما يحدث من فظائع في المشرق اليوم بين السنة والشيعة، مرت به أوروبا أيضا في حروب لا تقل بشاعة بين الكاثوليك والبروتستانت...يبدأ الأمر بالسياسة ثم يصدق الناس الأمر ويغالون فيه..في المسلسل إليزابيث كانت على وشك الزواج من أمير فرنسي كاثوليكي لكي تحقق تحالفا مريحا بين الدولتين..وكانت إليزابيث تحبه أيضا...لكن الجمهور لم يعجبه الأمر وأجبرها على إيقاف الزواج...
أوروبا خرجت من التجربة المريرة ( بعض مشاهد الفيلم داعشية بامتياز بل أقسى) لكنها تخلصت ضمنا من تركة الدين كله..على الأقل في بعض أجزائها...
هل يمكننا أن نتعظ من الدرس ونختصر الطريق، ونخرج من التجربة دون أن نفقد إيماننا أيضا ؟
د.أحمد خيري العمري
نشر في 06 تموز 2018
QR Code
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع