Facebook Pixel
مع النبيّ والرؤيا
2041 مشاهدة
0
0
Whatsapp
Facebook Share

النبي عليه الصلاة والسلام يقص علينا ما حدث معه في ليلة عجيبة من أهوال، وما الحكم والدروس التي نستخلصها منها

مع النبيّ " 19 " : رؤيا!

روى البخاري من حديث سَمُرة بن جندب رضي الله عنه قال :
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُكثر أن يقول لأصحابه :
هل رأى أحدٌ منكم من رُؤيا ؟
فمن رأى رؤيا يَقصُّها على النبي صلى الله عليه وسلم
وإنه قال ذات غداة :
أتاني الليلةَ آتيان، وإنهما ابتعثاني
وإنهما قالا لي : انطلق، وإني انطلقتُ معهما
فأتينا على رجلٍ مضطجعٍ، وآخرُ قائم عليه بصخرة
وإذا هو يهوي بالصخرةِ لرأسه فيَثْلغ بها رأسَهُ
فيتدَهدَ الحجرُ ها هنا، فيتبعُ الحجرَ فيأخُذُه، فلا يَرجعُ إليه
حتى يصحَّ رأسُه كما كان، ثم يعودُ عليه
فيفعل به مثلَ ما فَعَلَ به المرّةَ الأولى
فقلتُ لهما : سبحان الله ما هذانِ ؟!
فقالا لي : انطلق انطلق
فانطلقنا، فأتينا على رجل مستَلْقٍ لقَفاهُ
وإذا آخرُ قائمٌ عليه بكَلُّوبٍ من حديد
وإذا هو يأتي أحدَ شِقّي وجهه
فيُشرشِر شِدْقه إلى قَفاه ومِنْخَره إلى قفاه، وعينه إلى قفاه
ثم يتحول إلى الجانب الآخر فيفعل به مثل ما فعل بالجانب الأول
فما يَفرُغ من ذلك الجانب حتى يصحَّ ذلك الجانب كما كان
ثم يعودُ عليه فيفعل مثلَ ما فعل المرّة الأولى.
فقلت : سبحانَ الله ما هذان ؟
فقالا لي : انطلق انطلق
فانطلقنا، فأتينا على مثل التنُّور فإذا فيه رجالٌ ونساءٌ عراة
وإذا هم يأتيهم لَهَبٌ من أسفلَ منهم
فإذا أتاهم ذلك اللهب ضَوْضَوْا / أحدثوا ضوضاء وصرخوا
قلتُ لهما : ما هؤلاء ؟
فقالا لي : انطلق انطلق
فانطلقنا، فأتينا على نهر أحمر مثل الدّم
وإذا في النهر رجلٌ سابحٌ يَسبَح
وإذا على شَط النهر رجلٌ قد جَمَعَ عندَه حجارةً كثيرةً
وإذا ذلك السابحُ يسبحُ ما يسبحَ، ثم يأتي ذلك الذي قد جمعَ عندَه الحجارةَ
ثم يأتي السابح فيفغَر له فاهُ فيلقمُهُ حجراً
فينطلقُ يسبَح، ثم يرجعُ إليه
وكلما رَجَعَ إليه فغَرَ له فاهُ وألقمه حجراً
فقلت لهما : ما هذان ؟
فقالا لي : انطلق انطلق
فانطلقنا، فأتينا على رجل كريهِ المرآةِ "المنظر"
كأكرهِ ما أنتَ راءٍ رجلا مرآةً، فإذا عندَهُ نار يحُشُّها ويسعى حولها
فقلت لهما : ما هذا ؟
فقالا لي : انطلق انطلق
فانطلقنا، فأتينا على روضةٍ معْتمة (أي شديدة الخضرة) فيها من كل لون الربيع
وإذا بينَ ظهري الروضة رجلٌ طويلٌ، لا أكادُ أرى رأسَه طولاً في السماء
وإذا حَولَ الرجل من أكثرِ ولدانٍ رأيتهم قط
فقلت لهما : ما هؤلاء ؟
فقالا لي : انطلق انطلق
فانطلقنا فانتهينا إلى روضةٍ عظيمة، لم أرَ روضةً قط أعظمَ منها ولا أحسن
فقالا لي : ارْقَ فيها
فارتقينا فيها، فانتهينا إلى مدينة مبنيّة بلبنِ ذهبٍ ولبنِ فضةٍ
فأتينا بابَ المدينةِ فاستفَتحنا ففتحَ لنا
فدخلناها، فتلقانا فيها رجالٌ شطرٌ من خَلْقِهم كأحسنِ ما أنتَ راءٍ
وشطرٌ كأقبحِ ما أنت راءٍ
فقالا لهم (أي الملكين): اذهبوا فقَعوا في ذلك النهر
وإذا نهرٌ معترِض يجري كأنَّ ماءه المحضُ من البياض
فذهَبوا فوقعوا فيه، ثمَّ رجعوا إلينا قد ذَهبَ ذلك السوءُ عنهم
فصاروا في أحسَنِ صورة
فقالا لي: هذه جنة عدنٍ وذاك منزلك !
فقلت لهما : بارك الله فيكما ذراني أدخُله
قالا : أما الآن فلا، وإنك داخِله
فقلتُ لهما : فإني قد رأيتُ منذ الليلةِ عَجبا، فما هذا الذي رأيت؟!
قالا : أما إنا سنُخبرُك
أما الرجلُ الأولُ الذي أتيتَ عليه يُثلَغ رأسه بالحجر
فإنه الرجلُ يأخذ القرآن فيرفضه وينام عن الصلاة المكتوبة !
وأما الرجلُ الذي أتيتَ عليه، يُشرشَرُ شِدقُهُ إلى قفاه، ومنخَرُه إلى قفاه، وعينه إلى قفاه
فإنه الرجلُ يغدو من بيته فيكذب الكِذبَةَ تبلغُ الآفاق
وأما الرجالُ والنساءُ العراةُ الذين في مثل بناءِ التنور
فإنهم الزُّناة والزواني !
وأما الرجل الذي أتيتَ عليه يَسبح في النهر ويُلقم الحجارة
فإنه آكِلُ الرِّبا
وأما الرجلُ الكريه المرآةِ، الذي عند النار يحشُّها ويسعى حولها
فإنه مالكٌ خازن جهنم
وأما الرجلُ الطويلُ الذي في الروضة فإنه إبراهيم عليه السلام
وأما الولدانُ الذين حَوله فكلُّ مولودٍ ماتَ على الفطرة.
فقال بعضُ الصحابة : يا رسول الله، وأولاد المشركين؟
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : وأولاد المشركين!
وأما القوم الذين كانوا شَطرٌ منهم حسناً وشطرٌ قبيحا
فإنهم قوم خلطوا عملاً صالحا وآخرَ سيئًا، تجاوز الله عنهم

الدَّرْسُ الأوَّل :
رؤيا الأنبياء وحيّ
هذه حقيقة ومعتقد يجب أن نتشبثَ به ونحن نستخلص العبر من الحديث
وهذا محطّ إجماعٍ عند الأمة ولا خلاف فيه فيما أعلم
وأي رأيٍّ مخالف يرده القرآن
فإن إبراهيم عليه السلام قال لابنه : " يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك "
فقال إسماعيل عليه السلام : " يا أبتِ افعل ما تؤمر " !
نصّ محكم صريح وحاسم يسقط معه كل تكلف !
أما رؤيا النَّاس فعلى ثلاثة وجوه
الرؤيا الحسنة وهي من الله تحملُ بشرى للمؤمن أو تُنبئ بخبر مستقبلي للإنسان
كرؤيا العزيز التي أوّلها يوسف عليه السلام بالقحط !
ورؤيا سيئة من الشيطان يريد أن يُحزن بها المؤمن
وحديث النفس وهي أمور تهمُّ الإنسان ويحدث بها نفسه فيراها في نومه !
والنوع الأول فقط هو الذي يخضع للتأويل والتفسير لمن أوتي قدرة
فتأويل الأحلام فتوى وقد نُهينا عن الفتوى بما لا نعلم

الدَّرْسُ الثّاني :
يقودنا الحديث عن التأويل إلى طرح السؤال التالي :
هل تأويل الأحلام علم يلقيه الله في قلب إنسانٍ ما
أم أنه بالتعلم ولا يختلف عن العلوم الأخرى كالرياضيات والنحو والفيزياء
والذي خلصتُ إليه بعد قراءات طويلة في الأمر
أنه بين هذا وذاك !
وأغلبه إلهام من الله يحبو به بعض الناس
والنوع الأول ينطبق عليه تعليم الله تعالى ليوسف عليه السلام هذا العلم
كما في القرآن : " ويعلمه من تأويل الأحاديث "
أما بعضه فله قواعد وأسس يجب أن ينتبه إليها الناس
وهو أن الرؤيا تُعبَّر باعتبار الرائي وإن كانتْ واحدة !
فقد جاء رجل لابن سيرين وأخبره أنه رأى أنه يُؤذِّنُ
فقال له : أنتَ سوف تحج إلى بيت الله الحرام
وجاءه آخر وأخبره أنه يُؤذِّنُ
فقال له: أنت ستسرق وتُسجن !
فلما استغرب طلابه قال لهم موضحًا :
الأول رأيتُ فيه علامات الصلاح فأخذته على قول الله تعالى :
" وأذِّن في الناس بالحج " !
والثَّاني رأيتُ فيه علامات الفجور فأخذته على قول الله تعالى :
" وأذَّن مؤذن أيتها العيرُ إنكم لسارقون " !
أيضاً هناك أمور لا يراها الجميع
فمثلًا رؤيا العزيز بالقحط، هذه رؤيا الملوك والحكام ولا يراها العوام
وقد رأى عبد الله بن الزبير رؤيا فأرسل رجلاً إلى سعيد بن المُسيِّب
ليعبرها له على أنها رؤيا الرجل لا رؤيا عبد الله
فقال له سعيد بن المسيب : مثلك لا يرى هذا
أخبركَ لمن الرؤيا أم تخبرني ؟
فقال الرجل : أخبرني أنتَ
فقال سعيد : الرؤيا لابن الزبير!
وكان عبد الله قد رأى أنه يُقاتل عبد الملك بن مروان فيصرعه
ويثبت في جسمه أربعة أوتاد
فأولها سعيد أن عبد الملك سيقتل ابن الزبير
وسيخلفه أربعة من أبنائه!
وهذا ما حدث فعلًا فقد قُتل ابن الزبير على يد الحجاج عامل عبد الملك
وخلفه أولاده سليمان وهشام والوليد ويزيد !
أيضاً تؤوّل الرؤيا بحسب الفصول وبحسب لغة العرب ومثلها الشائع
وقد تحدّثتُ عن هذا في كتاب حديث الصباح بالأمثلة
وما أريد أن أكرر ما قلتُ ولكن شيء استجد فذكرته !

الدَّرْسُ الثَّالث :
الحديث كما أجمع العلماء في شرحه عمّا يكون في البرزخ
والبرزخ هي الفترة بين موت الناس وبعثهم للحساب
وإن كان إنكار عذاب القبر ونعيمه ليس مُخرجًا من الملة
كما هو رأي جمهور الفقهاء
إلا أن فيه عشرات بل مئات النصوص التي لا سبيل لردها
ما أدين لله به أن القبر أوّل منازل الآخرة
وأنه إما حفرة من حفر النار أو روضة من رياض الجنان
وما ردّ نعيم القبر وعذابه إلا من أعمل عقله خارج النصوص
فإنه لما رأى العظام البالية سأل أين النعيم والعذاب
والحقيقة إن هؤلاء جهلوا أنّ بين الجسد والروح علاقة
تزيد وتنقص بحسب المرحلة التي فيها الإنسان
فنحن نمر بأطوار مختلفةٍ تختلفُ فيها علاقة الروح بالجسد
وقد مرّ البشر بمراحل وتبقى لهم مراحل
ويمكن تلخيص مراحل النمو البشري بما يلي :
أولاً: مرحلة العدم، وكانت قبل خلق آدم
حيث لم يكن للبشر وجود إلا في علم الله
ثانيًا : مرحلة الذَّر
حيث خلق الله أرواح بني آدم جميعًا دفعة واحدة
وأشهدهم على ربوبيته لهم فشهدوا بالوحدانية له سبحانه
وهذا مصداق قوله جلّ في علاه :
"وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألستُ بربكم قالوا بلى شهدنا.."
ثم إذا شاء أن يخلق إنسانًا أرسل روحه مع الملك لينفخها فيه
ثالثاً : مرحلة الوجود الفعلي على ظهر الأرض
وهي ممتدة من نفخ الروح إلى نزعها
رابعًا : مرحلة البرزخ
وهي ممتدة من موت كل إنسان إلى بعثه
خامسًا : مرحلة الخلود الأبدي
تبدأ من فراغ الله من حساب العباد ولا تنتهي
فإما إلى نار وإما إلى جنة
ولا شك أن علاقة الروح بالجسد مختلفة اختلافاً كثيرًا من مرحلة إلى أخرى
في مرحلة العدم لا علاقة إذ لا روح ولا جسد
وفي مرحلة الذَّر روح بلا جسد
وفي مرحلة الوجود الفعلي يكون النعيم والعذاب للجسد والروح تَبَعٌ له
فلو ضربنا إنساناً ضربًا مبرحًا فإنما نُعذِّبُ جسده
ولكن لعلاقة الرّوح بالجسد فإن هذه الروح تشقى
أما في القبر فالنعيم والعذاب على الروح والجسد له تَبَعٌ
أما في مرحلة الخلود فالنعيم والعذاب على الجسد والروح سواءً بسواء

الدَّرْسُ الرّابع :
من عدل الله تعالى أن الجزاء من جنس العمل !
وانظرْ لأصحاب العذاب في البرزخ
فإنَّ كل واحد منهم إنما عُذب بمثل ما صنع
فمن أعطي القرآن ورفضَه ونام عن الصلاة المكتوبة ضُرب رأسه
لأن الرأس هو موضع السجود
وهذا الرأس الذي أبى أن يسجد لله بالوقت الذي أمر ثُلغ
وإني أرى أن استحقاق العذاب يكون باجتماع الأمرين معًا
ردّ القرآن والنوم عن الصلاة المكتوبة
وردّ القرآن هو رد العمل به ورفضه بالقلب وليس بالتلاوة
فلا يجرؤ أحد أن يقول أن من آمن بالله ورسوله والبعث والحساب
وقام بأركان الإسلام دون أن يقرأ القرآن سيُعذَّب
وردُّ القرآن على قدر الإنسان ودوره في الحياة
فالحاكم يردُّ القرآن برفضِ تحكيم شرع الله
والناس ردهم للقرآن هو رفضُ أحكامه في حياتهم اليومية
كردِّ الرجلِ لآيات المواريث وظلم من اشتركوا معه بالوراثة
وكردِّ المرأة للحجاب
أما النوم عن الصلاة وحده وإن كان ليس بالأمر الهيِّن
فإن في السنّة ما يجعلني أقول أنه لا يجرُّ مثل هذا
ففي الحديث " من نام عن صلاةٍ أو نسيها فليؤدها متى ذكرها فلا كفارة لها إلا هذا " !
وحديث الصحابيِّ الذي شكته زوجته للنبيِّ صلى الله عليه وسلم
أنه ينام عن صلاة الفجر
فقال له الصحابي إنه من قوم يغلبهم النوم
فقال له الصادق المصدوق : فإذا استيقظت فصلِّ
ولم أذكر هذا للتشجيع على النوم عن الصلاة معاذ الله
ولكن من باب عدم كتم العلم ليس إلا !
وأما الرِّجلُ الذي كان يكذب الكذبة حتى تبلغ الآفاق
فكان عقابه أن يُشقّ شدقه وهو موضع الكذب
وأما الزناة فحشروا عراة وجمعوا فوق التنور
تصيب منهم النار مكان العورة وهي موضع الزنا
وأما آكل الربا فألقمه حجراً في نهر الدم
لأن الفم هو موضع أكل الربا

الدَّرْسُ الخامس :
إياك أن تشكَّ برحمة الله !
وقبل الرحمة تذكر أن الله عادل
وفي الحديث تتجلى رحمة الله وعدله
فأما العدل فإنَّ الله يقتصُّ للعباد من العباد
فإن كنتَ قد أشفقت على الكاذب
فتذكر ما فعل الكذب في الحياة الدنيا
كم سمعة شُوهت بالكذب
وكم حقًا أُكل بالكذب
وكم فتنة حصلت بالكذب
وكم بيتٍ هُدم بالكذب
وكم دمٍ أريق بالكذب
أيسرك أن يمر هذا دون حساب ولا عقاب ؟
وإن كنتَ أشفقت على الزناة
فتذكر ما فعل الزناة في الحياة الدنيا
كم ولدٍ أُلحق بغير أبيه
وكم عرضٍ هُتك
وكم شرفٍ استبيح
أيسرك أن يمر هذا دون حساب ولا عقاب ؟
وإن كنت أشفقت على آكل الربا
فتذكر ما فعله الربا في المجتمعات
كم فقيرٍ دفع أضعاف دينه
كم أرضٍ نُزعت من صاحبها لدفعه دينه وعجزه عن سداد مال الربا
كم مشروعٍ أُغلق بسبب الربا الفاحش
وكم فرصٍ للعمل سُدت بوجه الشباب لأن رأس المال جبان
يقرر الربح المضمون الحرام على الحلال الذي فيه مخاطرة
أسرك أن يمرّ هذا دون عقاب ؟
ثم في حديث العذاب والعدل تأتي الرحمة
فهذا إبراهيم عليه السلام يرعى الأطفال الذين ماتوا ومعهم أطفال المشركين
لرحمته لم يأخذ ولدًا بشرك أبيه
تمامًا كما من رحمته أنه لن يعذب من لم تصله رسالة
" وما كنا معذبين حتى نبعث رسولًا "
وانظر للذين خلطوا عملًا صالحًا وآخر سيئًا تعرف الرحمة
ألم يتجاوز الله عنهم
وبمفهوم المخالفة فإن الذين عُذبوا لم يكن لهم عمل صالح
وإنما كانت حياتهم الدنيا ظلمًا بظلم، وفجورًا بفجور.

الدَّرْسُ السَّادس :
علينا أن نعرف لماذا أنزل الله تعالى القرآن
هذا القرآن لم يُنزل ليُقرأ على الأموات ولكن ليتحاكم به الأحياء!
" لينذر من كان حيًا "
إن هذا القرآن دستور حياة متكامل
لا يتم الإسلام إلا بالعمل بمقتضاه
ليس من الإسلام في شيء أن نصلي ونصوم ونحج ونزكي
ثم نستورد شرائعنا من الشرق والغرب، أو نكتب أخرى بأيدينا
إن الله حين شرع الحدود فلنعمل بها، أعجبتنا أم لم تعجبنا
وعندما وضع المواريث فلنطبقها، أعجبنا أم لم يعجبنا
وعندما أحل البيع وحرم الربا فلنلتزم
وعندما نظّم الزواج فلنطيع
وعندما وضع حقوق الجار فلننفذ
وعندما وضع حقوق الأقارب فلنصل الأرحام
إن قبول القرآن لا يعني أبدًا قبول تلاوته فقط
وإنما قبول تحكيمه والتزام أوامره ونواهيه
الشخص الذي يقول لنصلِ ونصوم ونحج ونزكي
ونتعامل بالنظام الرأسمالي
فهذا لم يفهم الإسلام بعد
والذي يريد نظام عقوبات غير ما أقره الإسلام
فإنه يتهم الله بسوء التشريع !
والذي يريد نظامًا اقتصاديًا غير ما أقره الإسلام
فإنه يقول من حيث لا يدري أن البشر أعرف من الله بالتشريع !

الدَّرْسُ السّابع :
الكذب قبل أن يكون حرامًا فإنه يخدش المروءة !
وقد كان العرب في جاهليتهم أهل مروءة
فهذا أبو جهل، يقترحون عليه اقتحام بيت النبي صلى الله عليه وسلم
فيقول : أتريدون أن تقول العرب أني روَّعتُ بنات محمد
وعندما صفع أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها
قال : اكتموها عني لا تعرف بها العرب
وهذا أبو سفيان يوم كان على الشرك يسأله قيصر عن النبيّ صلى الله عليه وسلم
فيحدثه عن صدقه وأمانته ولا يكذب
إنّ من الكمال أن لا نفعل الخطأ لأنه حرام
وأن نفعل الصواب لأنه حلال
وإن كان هذا أمراً حسنًا
ولكن جربوا أن تفعلوا الحلال لأنه يزيد المروءة
وأن لا تفعلوا الحرام لأنه يقدح فيها
إن أكبر إساءة في الحياة هي أن يُسيء الإنسان إلى نفسه
وما أحلاها من مقولة :
" إن الرجل ليصدق ويتحرى الصدق حتى يُكتب عند الله صديقًا "

الدَّرْسُ الثّامن :
إياك وأعراض الناس !
إنَّ الله قوة من لا قوة له، وسلاح من لا سلاح له
من هتك عرضًا سيأتيه من يهتك عرضه
هذه الدنيا دين وسداد
فلا تجنِ على عرضكِ بانتهاك أعراض الناس
وتذكر أنه ما ارتفع يوسف عليه السلام إلا بالعفة
وما أتاه المُلك منقادًا إلا لأنه رفض الرذيلة
ولقد كان في قصصهم عبرة !

الدَّرْسُ التّاسع :
نأتي للرجل قبيح المنظر الذي هو مالك عليه السلام خازن النّار
إن الله لم يخلق قبيحًا عن عجزٍ منه أن يخلق جميلًا
ولكنه سبحانه لا يفعل هذا إلا لحكمة
وحكمته تعالى في خلق مالكٍ على هذه الصورة
هي زيادة العذاب على أهل النار
فكما يأنس الإنسان بالوجه الحسن والخِلقة الجميلة
فإنه يستوحشُ بالوجه القبيح
وقد خلق الله سبحانه مالكاً على هذه الهيئة
ليؤدي الدور الذي خُلق لأجله
فهو خازن النار وخلقه بمنظر حسن غير مناسب لوظيفته
وبمفهوم المخالفة فإن رضوان خازن الجنة
غاية في الحُسن والجمال وذلك لزيادة نعيم أهل الجنة
وأما في الدنيا فالجمال والقبح أرزاق من عند الله
قسمها الله تعالى بين عباده بما شاء لغاية يعلمها سبحانه
فعلينا أن نتأدب مع الله
فإن من عاب الصنعة إنما عاب الصانع
وحاشا ربنا أن يُتهم ويُرمى بالعجز والتقصير
لننظر إلى الأمر أنه من الأرزاق التي يتفاوت فيها الناس
من الناس الغنيُّ والفقير
صاحب العيال والعقيم
طويل الأجل وقصير العمر
السعيد والحزين والفرح والمغموم
وهكذا أيضًا منهم الجميل ومنهم القبيح
فمن وجد فيه الجمال فليشكر
ومن وجد فيه القبح فليصبر
فإنما الدنيا امتحان !

أدهم شرقاوي
من كتاب : مع النبي
إصدار : دار كلمات / الكويت
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع
تابع
متابع